(1) لا أعتقد ان السنوات الماضيات قد شهدت تدافعاً مؤسسياً مثلما تشهد هذه الأيام مؤسسات المؤتمر الشعبي ، هذا التدافع بلا شك أنه يكتب عهداً جديداً من عهود الشعبي ، ويختم عصراً مجيداً من عصور المعرفة والاستقامة كان فيه الرأي الغالب للرجل الاغلبية الشيخ الترابي ، الناظر الي تاريخ الشعبي منذ تأسيسه يري بوضوح لا لبس فيه ان افكار وتصورات الشيخ الترابي كانت هي الحاكمة والقائدة والملهمة لكل التطورات التي مر بها الحزب ، صعوداً في المعارضة وهبوطاً الي الحوار ، كانت الثقة التامة والاطمئنان الكامل في الشيخ الترابي لا يترك طريقاً اخر تسلكه المؤسسات الحزبية ، هذه الوضعية جعلت من مؤسسات الشعبي التنظيمية اقرب الي فصول الدراسة يستمع فيها اعضاء القيادة الي الشيخ الترابي كما يستمع التلاميذ في أي مدرسة من المدارس ، وإذا احسنت الظن كثيراً بهذه الوضعية الحزبية يمكن ان تذهب بخيالك الي مدارس الفقه القديمة وما يفعله الامام ابو حنيفة حيث كان منهجه ان يطرح رأيه ويحاور فيه تلاميذه وينتهي به المقام الي رأي جامع يبوب في عصرنا هذا علي انه المذهب الحنفي . (2) ما ادركه الشيخ الترابي من علم ومعرفة وما اكتسبه من تجارب ومهارات بلا شك انها عصية علي أي قادم للقيادة في المؤتمر الشعبي ، وغير ذلك فلا العصر هو العصر ، ولا الصراع هو الصراع ، ولا المناخات هي المناخات ، ولا السياقات هي السياقات كل الاشياء تبدلت وتغيرت ، لا يستطيع احد حتي لو اوتي مهارات الترابي وعبقريته الفذة ان يقود الشعبي في هذه الايام بلا دليل واضح ، وبلا رأي سديد ، وبلا حيثيات موضوعية ، وبلا مبررات اخلاقية ، وبلا ضرورات تلامس الواقع ، يجب علي قيادة الشعبي ان تعلم ان هذا العهد هو عهد المؤسسات بلا منازع ، وان عصر الرجل الاغلبية انتهي برحيل الشيخ الترابي . (3) الموضوع الذي يجب اخذ القرار الحاسم فيه غداً الخميس في دار الشيخ الترابي يتعلق بمنتج من منتجات الحوار ، وهو الالية والوسائل التي تتنزل عبرها مخرجات الحوار الي ارض الواقع عبر المشاركة في مؤسسات دولة الحوار وهذا موضوع في غاية البساطة رغم الجدل الكبير حوله و أخشى ان يطابق هذا الواقع والجدل المثل العربي الشهير الجنازة حارة والميت كلب ، عموماً الافكار والتصورات وهي علي الورق تبدو انيقة وجميلة مثل قطعة شكولاتها ملفوفة علي ورق بهي الالوان والرسومات ولكن حين تلامس الواقع تنزع عنها كل الاشياء وتبدو علي حقيقتها العارية ، والبعض يريد هذه الصورة علي حالها هكذا ينظر اليها ممتعاً بصره ، غارقاً في الخيال والأحلام والأماني العذبة ، لكن قطعة شكولاته الحوار لا اعتقد انها تصلح للعرض والزينة فقط ، هي مثل الافكار تفقد معناها وحيويتها اذا جاءت في التوقيت المتأخر كما يقول باسترناك في دكتور جيفاكو . (4) انقسمت عضوية الشعبي في بداية الحوار بين معارض ومؤيد للفكرة ذاتها ، ثم انتهي الامر الي اجماع كامل علي اهمية الحوار وانه مشروع سياسي يتطابق ويلائم مع الواقع المشهود ، ثم ارتفع الصراخ مرة اخري بالألم من وجع المشاركة ، ثم اصبحت المشاركة واقعاً واصبح عدمها عدم ، اخيراً انحصر الراي بين تيارين ، التيار الاول يري ضرورة ايداع التوصيات المتعلقة بالحريات منضدة البرلمان وعلي اثر ذلك تاتي المشاركة ، والتيار الثاني تبلغ به الشكوك قمتها يريد اجازة توصيات الحريات ثم المشاركة . (5) حتي تحسم هذه الاشياء بموضوعية يجب ان نتذكر ان الاصل الذي قام عليه الحوار هو الثقة بين اطرافه الرئيسية اذا انعدمت هذه الثقة فلا شك ان الحوار سينتهي الي سلة المهملات ، ولا يجدي حينها ان تجاز نصوصه بنود في الدستور المعدل ، او ان توضع توصياته من عند الرئيس في منضدة البرلمان ، الثقة وحدها هي الحاسم في هذه المرحلة ، الثقة وحدها ستنزع الشك من كل الاطراف اتمني ان يرمي بها الشعبي في هذا الصراع ويذهب الي الامام ، وكما يقول باولو كويلو عندما لا تستطيع العودة الي الخلف فلن يكون امامك سوي التفكير بالطريقة الافضل للمضي الي الامام ، نقطة اخري اكثر اهمية يجب الانتباه اليها وهي ان المرحلة الانتقالية القادمة اذا ظنها البعض انها مرحلة الاحلام فستبدو مثل السراب ، يجب ان يكون الاصل والجوهر في المرحلة الانتقالية القادمة بتعقيداتها انها تؤسس لاستقرار الوطن ، وانها تشيد فيها قواعد جديدة للملعب السياسي ، و الملعب السياسي حتي يصلح لممارسة اللعب بكل حرية ولا ينهار يجب ان نصبر عليه حتي يكتمل بنائه في الثلاثة سنوات القادمة . [email protected]