الحياة السياسية السودانية منذ سنوات طويلة تسير علي نمط واحد شعاره الثبات ، ليس فيها طريق الي الدهشة ورفع الحواجب وتقلب الخلجات وإمتزاج المشاعر بين الفرح والألم ولعل أفضل وصف لها كما يقول دستوفيسكي في ذكريات من منزل الأموات لن تدهش احد في سجن سيبريا ولكن الشعبي ادهش الكل في سجن سيبريا السوداني وقدم بالامس صورة زاهية في الشفافية والشوري والديمقراطية لم تشهدها مؤسساتنا الحزبية السياسية في أعلي مؤسساتها ، أهم الاشياء هو ان الحزب تخلص من لعنات السرية التي لازمته طويلاً و تلازم معظم تكويناتنا السياسية والاجتماعية والدينية . بالأمس كانت كل الأشياء علي الهواء الطلق ، نشر الحزب أسماء مرشحيها للأمانة العامة بكل شفافية علي العلن وهذه البادرة حتي في الشعبي تحدث لأول مرة علي هذا المستوي القيادي والمؤسسي ، وفي الاحزاب هذه القوائم ان وجدت توضع في الأدراج السرية كما توضع الشفرات النووية ، بالامس كان الوعي حاضراً وبقوة وقائمة الأمانة تتوزع عفواً علي كل الولايات والسحنات واللهجات امتدت شرقاً من اقصي البحر الاحمر حتي اقصي الحدود الغربية ، ومرت علي خريطة الجغرافية السودانية كطائر سنونو ، بالأمس غابت الذكورية والتفكير الاقصائي للمراة فكان التراضي حاضراً وواحدة من النساء تصعد حتي الجولة الاخيرة من التنافس . ولم يكتفي الحزب بذلك فحسب بل نشر حتي عدد الأصوات التي حصلوا عليها ، جدول الأصوات والإحصاء يبين ان الفرد مهما بلغ من كاريزما يمكن ان يخضع للتنافس ، حتي علي الحاج أكثر الرجال تاهيلاً وكاريزما في الشعبي نافسته امراة في مجلس الشوري وحصدت ما يقارب النصف وللذكر مثل حظ الانثيين كانت في الميراث السياسي للشعبي ولم تكن في أنصبة المال كما هو معتاد وهنا تجلي التفسير التوحيدي للحياة الذي رسمه الشيخ الترابي ، ابراهيم عبدالحفيظ القيادي من أجيال متاخرة في الشعبي والذي يعادل الدكتور علي الحاج سنين عمره في العمل التنظيمي نال من الأصوات ما يقارب نصف ما نال الدكتور علي الحاج ، حتي السنوسي والذي كان يمكن ان يحصد أكثر الاصوات او ينافس علي أعلي القائمة قدم درساً بليغاً في كيف يفكر الحزب بعقله وليس بعواطفه وأخرس الألسن التي أدمنت الشتم والقطيعة الحرام ، أهم الرسائل التي وضعها الشعبي في بريد الحياة السياسية القادمة في يوم الشوري ان الفرد لا يمكن ان يصنع المعجزات فهذا العصر انتهي بحياة الشيخ الترابي وحدها المؤسسات في هذا العصر هي من تصنع المعجزات وتضع المعادلات ، والشعبي في أخر الامتار قدم مارثون مثالي يصلح نهاية لهذه المرحلة التاريخية من الحياة السياسية السودانية . [email protected]