الله الرحمن الرحيم الانسان يشقى طوال يومه واسبوعه وشهره وعامه جسديا وذهنيا من أجل بيته وأطفاله. الأطفال نعمة وهبة من الله سبحانه وتعالى، هذه الهبة لدينا كآباء وأمهات وزارة تربية وتعليم ومعلمين ووزارة رعاية اجتماعية ووزارة صحة مجتمعين مسؤولية جماعية تجاههم. فوق كل هؤلاء رئاسة الجمهورية كمؤسسة، والحزب الحاكم الذي فعل الأفاعيل حتى يحكمنا من انقلاب على الشرعية وتزوير في الانتخابات 2010م و2014م . قالوا أنهم أتوا لينقذونا!! لا نعرف مما ينقذوننا، ولم يوضحوا لنا كيف سيتم ذلك؟ وما هو برنامجهم (بخلاف طولة اللسان). ففشلت شعاراتهم الممجوجة من أمثال المشروع الحضاري، ونأكل مما نزرع، ونلبس مما نصنع، و امريكا وروسيا دنا عذابها، و يا أمريكا لمي جدادك، وما لدنيا قد أتينا..الخ. كنا نصحو من نومنا نشرب الشاي باللبن ومعه بسكويت أو جزء من كيكة أو لقيمات أو رغيفة، واطفالنا كوب من الحليب الأصلي (رطل)، ويحملون ساندويشاتهم أو حق الفطور والمواصلات ان كانوا في سن المدرسة. يعودون بعد الظهر ويجدون غدائهم وأحيانا بعض الفاكهة (موز أو بطيخ أو جوافة أو بلح) أو كباية شاي أحمر، وفي المغربية شاي باللبن وبسكويت أو قطعة من الكيك أو لقيمات (وتمد منها صحن للجيران بالحيطة) أو قطعة خبز، ثم يتأهبون للعشاء بعد الثامنة مساء ، يليها مرة أخرى كوب من اللبن أو الروب أو الزبادي (للأطفال وكبار السن والمرأة الحامل). العشاء أحيانا يكون من متبقيات الغداء أو فول أو سخينة أو قراصة بالسمن والسكر أو شعيرية أو سكسكانيه ..الخ من الحاجات الخفيفة. ما في زول بينوم بدون عشاء في البيت أو الجيران حتى لا يحاسبنا الله أن بتنا شبعانين وبات جيراننا جوعى!!!. العديد من المنازل بالمدن والقري كان بها زريبة غنم لزوم اللبن للأغراض أعلاه. كلكم تربى على ذلك حتى جاء الذين لا يعلم المرحوم الطيب صالح (ونحن أيضا) من اين أتوا؟ ولماذا أتوا في الأصل؟ يا ليتهم لم ]اتوا. فلذات أكبادنا أصبحت لا تعرف (طعم اللبن) وقد يكونوا قد سمعوا عنه!! وأحيانا لا يجدون حتى السكر الذي يطعم به الشاي الأحمر، ويذهبون للمدارس بدون افطار أو ساندويشات (على لحم بطنهم) أو حق الفطور ان لم يوجد بالمنزل ما يصلح لعمل الشطائر و، وفي كثير من الأحيان بدون حق المواصلات والوالدين فلوبهم تتقطع من الألم، لكن ما باليد حيلة!!! بمعنى أن التلميذ/التلميذة يستهلك كل طاقته/ طاقتها مشيا على الأقدام قبل الحصة الأولي، بل أن جاء بعد كل هذه المعاناة متأخرا لدقائق يحرم من الدخول ويوبخ ويعاقب ومطلوب منه أن (يستوعب) الدروس، بل (يتفوق) ايضا ويكون من أبناء الوطن البررة و المنافحين عنه والمجتهدين والشاكرين لفضلهم (!!) والحامدين والمساهمين بقوة في مسيرة التقدم وطرد جداد أميريكا.!!!! جاء بالصحف في العام الماضي أن حوالى 150 الف تلميذ/تلميذة بالمدارس بالعاصمة لا يجدون وجبة الافطار. اخبار الصحف بالأمس صرحت بأن الرقم بلغ 750 الف، بزيادة نصف مليون في عام واحد والبركة في سياسات وزير المالية الهمام. كما أننا في مدينة ودمدني أيضا نعاني من ذات الشيء حيث يوجد عشرات الألاف منهم لا يجدونها، فقامت هيئة من كرام المواطنين بتوفيرها بالمدارس وبداخليات طلاب وطالبات جامعتي الجزيرة والقرأن الكريم. لا نعلم كم من طلاب /طالبات الجامعات بالخرطوم لا يجدون وجبة الافطار. لكن بجامعة الجزيرة، بحكم عملي بها أعلم أن أغلبية الطلاب/ الطالبات يفطرون بعد منتصف النهار ساندويتش فول أو فاصوليا أو عدس، ويتناولون وجبة الغداء بالداخليات يعدونها بأنفسهم، غالبا عدس وقراصة!!!! هل لاحظتم أحجام هؤلاء الطلاب/ الطالبات مقارنة بأحجام طلاب ما قبل الانقاذ؟ حاجة (تخجل وتكسف) ولا تنم الا عن الفقر والجوع الصارخ. كنت أقوم بتدريس محاضرة بأحد المعامل بالكلية، وكان الطلاب والطالبات يجلسون فوق البنشات والمقاعد المعملية. عندما اتجهت لكتابة مصطلح ما بالسبورة سمعت صوت شيء يرتطم بالأرض. التفت ووجدت هرج ومرج واحداهن ملقية على الأرض وفي حالة أغماءه. حملتها بسرعة بسيارتي الى عيادة الجامعة، وكان هنالك ممرض له خبرة طويلة بالجامعات ما كان منه الا أن قام بتركيب (دريب) في ذراعها. للدهشة فتحت أعينها خلال دقائق!! سألته ما الذي جرى؟ ومما تعاني هذه الطالبة؟ أخبرني أنه (الجوع). علمت من زميلاتها أنها لم تتناول شيء منذ ثلاثة أيام سوى الماء، وترفض أن تشاركهم الوجبات لأنها لا تستطيع أن تساهم في تكلفتها!!! عدس وقراصة!!! لا حول ولا قوة الا بالله. جاء بالصحف أيضا أن نسبة (السل) بالمدن ارتفعت بدرجة غير مسبوقة في تاريخ السودان، وأن 26% من الشعب السوداني (الفضل) يعاني من (الضغط)، و24% من (السكري). هل أحدثكم عن حالات (الذبحات الصدرية) بين الشباب وهو من أمراض الشيخوخة؟ أم عن الفشل الكلوي وسرطان الكبد وحالات الانتحار والطلاق الذي اصبح السودان يحتل فيه المرتبة الأولى في افريقيا والشرق الأوسط ..الخ. كل هذا وحكامنا جزاهم الله عنا كل خير هم وأبنائهم وبناتهم الذي يذهبون للمدارس و بطونهم تنعم بكل خيرات الأرض، وحقائبهم بها كل ما لذ وطاب من الفاكهة المستوردة والحلويات والشيكولاتات، وجيوبهم عمرانه بعدة نسخ من فئة الخمسين جنيها، وتقوم الفارهات بتوصيلهم الى ومن المدرسة الفخيمة المكيفة ذات الرسوم الدولارية!!! أقول لهؤلاء : هل هذا ما أتيتم لأجله؟ جئتم لتحرموا فلذات أكبادنا من طعم اللبن وفوائده؟ لتحرموهم من وجبة الافطار التي تسند قلوبهم طوال اليوم وتجعلهم قابلون لاستيعاب ما ذهبوا من أجله الى المدارس. هل تتوقعون منهم بعد أكل البوش والعدس بالقراصة وساندويتش الفاصوليا أن يعدوا أنفسهم لحمل المسؤولية في المستقبل؟ سؤال بسيط لكم يا سادتنا: كيف تضعون رؤوسكم على الوسائد (وتنامون) ملء جفونكم وتشخرون وتحلمون أحلاما سعيدة وأنتم تحرمون الأطفال في كل شبر من مساحات هذا الوطن الغني بالخيرات والنعم من اللبن ومن وجبة الافطار. حاسبوا أنفسكم قبل أن يحاسبكم الله. انتظروا ثورة الجياع التي سبق وأن بشركم بها المرحوم الشريف زين العابدين الهندي. اللهم نسألك اللطف (آمين). جامعة الجزيرة