إنتهي الحوار الوطني الي توصيات بلغت أكثر من تسعمائة توصية في مجملها وقد كان المأمول ان تختصر هذه التوصيات في أصول تأسيسية كبري يلتئم عليها شمل الوطن وتعالج النتوءات الكبيرة في جسد السلطة وتعمل علي رصف الطريق والتمهيد لعملية سياسية تفضي الي تسوية سياسية شاملة ، لكن للأسف عمد القائمون علي لجان الحوار علي طرح تفاصيل مملة إتسمت بالفوضى يناقض بعضها البعض ولم تجد مبضع جراح يعالج تفاصيلها الكثيرة ويلملم أطرافها المتناثرة ، ولعل هذه الأخطاء الكبيرة جعلت توصيات الحوار الوطني مفتوحة علي تأويلات وتفسيرات متعددة ، لكن علي أي حال هذه التوصيات اذا أعيد ترتيبها وتنسيقها علي نار هادئة فلا شك أنها تمثل خلاصة لبرنامج سياسي يمكن ان يفضي الي وضع إنتقالي يعبر بالوطن من أزماته المتطاولة . من الإشراقات الكبري التي حوتها توصيات الحوار الوطني أنها أفضت الي تغير جوهري في بنية السلطة الحاكمة فلأول مرة بعد أكثر من ربع قرن تنتقل عديد السلطات الرئاسية من قبضة القصر الجمهوري الي رئيس مجلس الوزراء وهذا تغير كبير بلا شك ، صحيح ان الجهات الراعية للحوار لم تفلح في إزالة الشكوك والريبة من مصدر القرار الأول في القصر الجمهوري لكن علي أي حال تطور الأوضاع كفيل بأن يعيد الثقة في منظومة مؤسسات الحوار الوطني ويمكن حينها ان نتحدث عن تقسيم للفترة الانتقالية الي قسمين وحينها يمكن ان توكل ادارة مجلس الوزراء في القسم الثاني من الفترة الانتقالية الي شخصية من خارج السلطة الحالية . من الأشياء التي جاءت علي اثر الحوار الوطني حالة اللا حرب المسيطرة علي المشهد العسكري ومسارح القتال ، لا يمكن الجزم اطلاقاً ان هذه الحالة هي من تأثيرات الحوار الوطني ولكن يمكن الجزم ان سقف الأمل المتواضع الذي رسمه الحوار الوطني كان له أثر إيجابي ، لا يمكن النظر الي إطلاق سراح الأسري من جانب الحركات المسلحة وإطلاق سراح المحكومين من جانب السلطة الحاكمة من دون إغفال أثر الحوار الوطني ، حكومة الحوار الوطني اذا أوكلت أمر المفاوضات القادمة مع الحركات المسلحة الي وجوه جديدة من شركاء الحوار الوطني فلا شك اننا سنقترب خطوة من وقف الحرب وتحقيق السلام . أهم القضايا التي يمكن ان يشيد عليها الحكم الراشد والانتقال من دولة الحزب الواحد الي دولة الوطن هي قضية الحرية ولعلها أخذت أكثر النقاشات والمجادلات بين أطراف الحوار ، النصوص المتعلقة بهذه القضية صيغت علي نحو متضاد ولكن فعلياً ما حدث في التعديلات الدستورية يمكن ان يكون سقف كافي لإنجاز مرحلة جديدة من مراحل إستكمال الحريات ، لا يمكن إغفال قضية الحريات دون النظر الي جدلية الحرب والسلام وكما يقول علي عزت بيجوفيتش لا تقتل البعوض بل جفف المستنقعات ، أتصور ان إستكمال الحريات يمكن ان يشيد علي تسوية شاملة للأزمة الوطنية ، لست متخصصاً في قضايا القانون بشكل كافي ولكن أعتقد ان فصل سلطة النائب العام عن وزارة العدل وتكوين مجلس للقضاء العالي حدثان من الأهمية بمكان في قضية الحريات وترسيخ دولة القانون . علي هذا النحو أعتقد ان تقوية مؤسسات دولة الحوار الوطني والمشاركة الفاعلة فيها بعناصر صلبة وقوية يمكن ان يحقق ويكمل النقائص الكبيرة في عملية الحوار الوطني والإخفاقات التي وقعت فيها الجهات الراعية والمشاركة في الحوار الوطني ، واذا عبر الوطن هذه الازمة فلا شك انه سينهي حالة النكد التي المت بنا وقد يخبئ لنا القدر السعادة والفرح وقطعاً سيمضي الوطن بلا شك الي الإصلاح والنهضة بخطي ثابتة . [email protected]