يستنجد بعض الكتاب بمقولات غير دقيقة أحياناً أو متعمدة لكي يبنوا عليها تحليلات لتؤكد صحة المنطقات والاستنتاجات أو الملاحظات التي يودون فرضها قسراً على الواقع. وإن كل من يعمل في النشاط العام يجب ان يدرك بأن بطولات وكرامات وخيبات كثيرة قد تنسب إليه. وكل هذا قد لا يخرج عن دائرة التنافس والصراع السياسي. وليس هنالك ضرورة دائماً للملاسنة مع كل من يتبرع أن يكون اداة للتضليل والتستر على الأكاذيب. لا يمكن وضع الجميع في سلة واحدة ، إن هنالك من يتخذ موقفاً فكرياً وسياسياً ثابتاً. وهنا فإن الواجب يحتم التصدي لهؤلاء الذين يختزنون في الذاكرة ويرددون أحاديث عن اندثار الماركسية وموت الأيدولوجيات وانحسار الشباب والوقل بادعاء الشيوعيين بأنهم مركز اليسار واهم ...الخ، هذه الخطرفات وإلصاق بعض الادعاءات يراد منها بناء تكتيكات هجومية وافتعال معركة من خلال الترويج للخطر وتعبأة الرأي العام على هذا الخط المعادي للشيوعيين من خلال التلفيقات. هنالك جماعات لها تحفظات وبعض الانفعالات على بعض القضايا وأحياناً تنزلق في متاهات الدعاية ولا شك هنالك خصوم فكريون يديرون معاركهم بكل الأساليب غير النظيفة والتي تفتقر إلى الاحترام والمصداقية ولا توجد مشكلة في رفع الستارة لمواجهة بعض الادعاءات المسمومة ، إن الشيوعيين هم جزء من هذا النسيج الاجتماعي باشراقاته وخيباته ولا يدعون انهم ملائكة أو يمتلكون الحكمة والحقيقة المطلقة. وأن تضخيم الذات لا يمكن أن يكون جزءاً من همومهم وبرامجهم التي تقوم على نشر الوعي والتعلم من الآخرين وهو يعلم مغزى هذه النعمة. وهو باختصار بمستوى احتياجات السودان ويجتهد لكي يكون فاعلاً في الحياة العامة بدون مزايدات. أما الذين يحاولون تقويله بأنه أكبر حزب ومركز صوفي لليسار وله حق وضع اليد على الماركسية فهذه مجرد افتراءات وصور افتراضية لجهات تعرف ماذا تريد من إطلاق هذه الأكاذيب والتي تهدف للتمهيد على هجوم على الحزب وجره في صراعات مع قوى وطنية وديمقراطية أخرى على السيطرة على حق مزعوم متخيل. يجب إدراك بأن الفكر الإنساني هو ملكية عامة ولا يمكن الحديث عن الاحتكار أو الوصاية وبالتالي تسقط أي اعتبارات في الحديث عن استيراد وغربة الفكر. ولايمكن الفصل بين القيم الروحية المادية وان اساليب بتر الأشياء هي مسألة سياسية. قبل الحديث عن اندثار الماركسية يجب ان تتوفرالقدرة لهؤلاء المنظرين على فهم قوانين التطور والتناقضات حتى لا تقع في خلل منهجي. وإن التطور لا يسير دائماً في خط مستقيم وبشكل تصاعدي. هذه صورة مثالية وتكشف عن قصر نظر في فهم قوانين التناقضات. ان التطور هو هذا الشكل من الهبوط أو الصعود وهو حالة المد والجذر والانحسار والنهوض. هذا القانون لا يختص بفكر معين وليس هنالك هزائم وتراجع دائم ولكن هنالك معارك دائمة. وهنالك الأمل في الانتصار والتغلب على صعوبات الواقع وهذا هو التحدي الحقيقي. إن قوانين التطور الاجتماعي لا تعمل بشكل انتقائي فهي تؤثر وتتأثر بكل مكونات المحيط وبدرجات قد تختلف من طرف لآخر ولكن يجب أن تدرك بأن الحزبيين على مختلف أحزابهم في العالم لا يشكلون نسبة عددية كبيرة ولكنهم الأكثر دينامية وحركية وفاعلية وإن صغر الحزب لا يقلل من دوره في الحياة العامة . هنالك تفاعلات ايجابية وأخرى سلبية في كل انحاء العالم ، هنال أحزاب تتقدم واخرى تتراجع وتنحسر فعاليتها وهنالك مشاكل يجب الاعتراف بها من اهتزاز في القناعات بجانب اليأس من القوى التقليدية. والمراقب للأوضاع السياسية في العالم يدرك بأن ثمة احزاب من اليمين واليسار قد تعرضت لانقسامات وانحسار وتشكلت أحزاب جديدة بين ليلة وضحاها وحققت انتصارات ولكن ايضاً تتراجع اليوم. وماذا يعني تأهل ماري لوبان للدورة الثانية في الانتخابات الفرنسية في بلد الحرية والاخوة والمساواة. أكيد هذا لا يفرح ولكن يجب الاعتراف بأن هنالك مشكلة وأزمة تستدعي المراجعة. وان التراجع ليس عيب حزب أو جهة واحدة حتى لا يصبح هذا التراجع مبرراً للسخرية من قوى بعينها ولكن فلننظر للجذور. وهذا الهجوم المرتب يتستر خلف مفاهيم كالانحسار للقول بأن الأحزاب ما عادت صالحة وأن دورها قد انتهى. والأحزاب الشيوعية هي جزء من هذه العملية وليس التراجع حصرياً عليها ويصبح الموضوع للاغاظة والشماتة فإن احزاب اليمين أيضاً تعاني وهذا ليس تبريراً لمسألة التراجع ولكن هنالك أزمة وتتطلب القراءة في ظروف تصاعد النزعة القومية والتطرف والعنصرية. إن الأعداء الفكريين لهم الحق في أن يقولوا بموت الأيدولوجيات واندثار الماركسية في إطار الخلل المنهجي الذي يتسندون عليه والدعاية لأنهم دون غيرهم يعرفون عدوهم الحقيقي هو الشيوعية وليس قطعاً لأسباب دينية ولكن لاختلافات جوهرية عن ملكية وسائل الإنتاج وتوزيع العائد الاجتماعي وهذا تناقض مبدئي وليس فيه مساومات أو أي تنازلات. وإن الشيوعية تطرح نفسها صراحة بأنها تريد تغيير النمط الرأسمالي وهذا هو الذي يثير الفزع ويجعل من العداء مسألة حقيقية وأبدية. أما الجماعات المتطرفة فهي لا تختلف مع الرأسمالية من حيث السير في طريق الاستغلال والنهب وممارسة العنف. ولاتوجد جهة يمكن ان تمنع الحزب من ان يجرؤ بإعلان مواقفه ورأيه في مختلف القضايا وهذه المواقف قد لاتكون بالضرورة صحيحة في كل الأوقات . وإن الذي يعمل حتماً سيخطئ وهذا ليس عيباً لأن بالأخطاء يكون الفرد أو التنظيم قد اكتشف طرقاً جديدة لمعالجة المشكلة. هذا لا يعني مطلقاً بأن الشيوعيين لا يخطئون . فليس في الحياة سكة معبدة أو وصفات جاهزة. والشيوعيون يقرون بأنهم ارتكبوا أخطاءاً في الماضي وربما يخفي المستقبل أيضاً بعض الأخطاء ولكن هنالك مقدرة على الاعتراف والنقد. يجب النضال من أجل تجاوز هذا الاحتضان والتسرع بردة الفعل واتخاذ المواقف التي تساوي بين الحلفاء والمتربصين ويجب التحديد بالدقة من هم الخصوم. غن الوضع الحالي المأزوم يدفع بالبعض للتعبير بعنف وبروح التشفي. إن الديمقراطية هي الأداة والوسيلة الوحيدة التي توفر مناخاً صحياً للحوار بين المكونات المختلفة وهذه هي المهمة الثورية الأولى يجب النضال من اجلها بدلاً من الرماية بالذخيرة الحية على الأصدقاء عن طريق الخطأ. الميدان