قبل أسابيع قليلة، وبينما العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يطوف في زيارات تأريخية دول أقصى شرق آسيا، كان ابنه ولي ولي العهد الأمير محمد في أقصى الغرب يزور الولاياتالمتحدةالأمريكية، ويلتقي بالرئيس دونالد ترمب. بدا وكأنما الأب وابنه فتحا قوساً كبيراً من أقصى يمين الكرة الأرضية إلى أقصى يسارها. كان واضحاً أن ثمة متغيرات كبرى تمر بها المملكة العربية السعودية- داخلياً وخارجياً. داخلياً- إعادة هيكلة الإدارة والاقتصاد على منصة تتخطى القوالب التقليدية للسعودية، التي ظلت تفضل دبلوماسية الصمت والانتظار والارتباط الناعمEngagement بالمحركات الإقليمية والدولية. وفي خطوة جريئة طرحت السعودية خطة إستراتيجية حتى العام 2030 تخرج فيها من الأطر الاقتصادية النفطية التقليدية إلى آفاق الاقتصاد العالمي المفتوح، وما يتطلبه ذلك من تغييرات كبيرة في البيئة الإدارية، وكان واضحاً أن النقلة هنا ليست اقتصادية- فحسب- بل (جيلية) تخاطب تطلعات الأجيال السعودية التي يمثلها الأمير محمد بن سلمان- مصمم هذه الإستراتيجية. وخارجياً- على إيقاع متغيرات الشرق الأوسط أدركت السعودية ضرورة الارتباط– القوي- المباشر بواقع وراهن الأحداث في الإقليم، فتحركت عسكرياً في اليمن، وبعض مناطق الالتهابات الأخرى مثل سوريا. الآن تحصد السعودية ثمرة هذه الإستراتيجية.. أول زيارة خارجية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأت من الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، حيث التقى بزعماء دول الخليج والمنظومة العربية والإسلامية.. وهي إشارة اعتراف دولي ب (عوصمة) السعودية للعالمين العربي والإسلامي. ربما تصور كثيرون أن الاتفاقات التي وقعتها السعودية أمس مع أمريكا هي مجرد اتفاقيات (ثنائية) تتسق مع الارتباط الاقتصادي بين الدولتين منذ تفجر ثروة النفط في السعودية.. لكن التفاصيل لا تبدو كذلك. بقراءة عميقة في تفاصيل هذه الاتفاقيات تبدو معالم موقع السعودية في الخارطة السياسية الجديدة التي تعيد ترسيم الشرق الأوسط. مجمل الاتفاقيات تمنح السعودية دوراً أصيلاً في التعامل مع الولاياتالمتحدةالأمريكية- بمعنى أن تنشأ العلاقة الثنائية على هدى مطلوبات الدور السعودي الإقليمي والدولي؛ فالسعودية الآن محور وقلب مكافحة الإرهاب (وليس فقط الحرب على الإرهاب)، وترتكز عليها إستراتيجيات دولية، وفي سياق هذا الدور تتحرك ذاتياً بموجهات تراعي مصالح الشركاء في المنظومات الخليجية والعربية والإسلامية. بعد كل الذي أثاره الرئيس الأمريكي ترمب خلال حملته الانتخابية كان الإحساس أن سياساته الخارجية ستتناقض مع إستراتيجية السعودية الجديدة، لكن يبدو أن سرعة تعاطي السعودية مع هذا الاحتمال أماطت الأذى الذي كان متوقعاً من سياسات ترمب، والآن انفتح الطريق ممهداً أمام السعودية للانطلاق نحو بناء إستراتيجيتها المعلنة في سياق 2030. التيار