جدد البيت الأبيض أخيراً قرار العقوبات على السودان 90 يوما ورقم مضي عشرون عاما على هذا القرار الذي صدر في عام 1997 وإن البيت الأبيض حريص جدا على ذلك. وهذه العقوبات فرضت علي السودان لأسباب حقيقية كانت موجوده .. جزء من هذه الأسباب ظلّ موجودا حتى يومنا هذا وأهمها النظام نفسه الذي بسببه فرضت هذه العقوبات ... وجزءا آخر من هذه الأسباب لم يعد موجودا أهمها هو تعاون الإنقاذ الكامل مع أمريكا في محاربة الإرهاب لقد أحرزت فيه الإنقاذ تقدما نوعياً وسلمت جميع ملفات المطلوبين إلى أمريكا إلى CIA .. أما إرهاب الإنقاذ لمواطنيها وشعبها هذا لا يهم أمريكا ولا حلفاء أمريكا في شيء قد يسأل الإنسان البسيط لماذا لا تحدد أمريكا النقاط التي أحرزت فيها الإنقاذ تقدما ملحوظا بالتفصيل ؟ وما هي النقاط التي طلبت منها ولم تنجح في تنفيذها ؟ وما المانع من أن تعقد حكومة السودان مؤتمرا صحفيا ممثلة في وزارة الخارجية تشرح فيه النقاط المطلوبة منها تنفيذها ... وتحدد في أي نقاط نجحت وفي أي منها فشلت وكذلك النقاط التي كانت موضع خلاف بينها وبين واشنطون مما دعاها لتجديد هذه العقوبات ؟ فكل الذي نسمعه أو نقرأه هو عبارة عن تصريحات مائعة ومبهمة من وزارة الخارجية ؟ والذي يُذكر في الإعلام عن الأسباب الحقيقية أو المتفق عليها وبسببها جُددت هذه العقوبات هي مجرد إجتهادات وتكهنات من كُتابها وليس هناك شئ رسمي يوضح نقاط الخلاف والإتفاق بالتفصيل بين هذه الأطراف ويبدو هناك أسرار أو طلبات خطيرة لا يعلم بها الا الطرفين ولا يحق للآخرين معرفتها . وهذه العقوبات منذ أن فُرضت على السودان فالمتضرر هو الإنسان السوداني البسيط في الجزيرة وفي دارفور وفي كردفان وفي الشمالية وفي العاصمة وفي النيل الأزرق ولقد دفع ثمنها فقرا وجهلا وأمراضا ولقد أرجعته مئات السنيين إلى الوراء .. أما نظام الإنقاذ ومن هم في فلكه يرزحون لم يتأثروا ولم يضاروا بهذه العقوبات سواء جددوها لمائة عام أو رفعوها فهم في رغد العيش ونعيم الدنيا الزائل يتنعمون وفي الوقت الذي تقف فيه قضايا حائرة في سراديب المنظمة الدولية وأمريكا .. في الوقت الذي تشتعل فيه مناطق كثيرة في العالم وتقف أمريكاوالأممالمتحدة تشاهد ما يدور في صمت فإن البيت الأبيض يجدد العقوبات على السودان دون إستفسار أو سؤال .. ولقد ظهرت في الشهور الأخيرة جهات أو حكومات وجلبت بوادر أمل وكان لها دور واضح لهذه التفاهمات وهذا التطور في العلاقات مع الجانب الأمريكي ولكن هذه الجهات سرعان ما إختفت وجاء قرار تمديد العقوبات ... وهل سبب هذا الإختفاء لهذه الحكومات هو الصراع الدائر حاليا في منطقة الخليج ؟ وهل سيستمر هذا الاختفاء ؟ أم سيعود نشاطها بعد شروط لم يتم تحديدها بعد ؟ في النهاية لغة المصالح هي سيدة الموقف فليس هناك خدمة لله ... وفي تصوري سترفع العقوبات حينما تتحقق مصلحة أمريكا وليس حينما تتوقف الحكومة عن ممارسة الإرهاب ضد شعبها وتحقيق مصالحه العليا في الرخاء والحريات لذلك لا تراهنوا كثيرا على العقوبات الأمريكية أو على المجتمع الدولي عموماً في تغيير هذا النظام ولا شك أن معاناة الشعب السوداني أصبحت تمثل قضية بالغة الصعوبة .. هناك خطر يشمل كل شئ موارد الدولة التي إنهارت وارداتها وصادراتها وإتصالاتها ... وكلها جوانب حيوية ومهمة بالنسبة لأي شعب في العالم .. إن قرارات الأممالمتحدة أو مجلس الأمن لا بد أن تحترم ... ولكن في جانب آخر يجب أن تتسم هذه القرارات بالعدالة والموضوعية وهل يمكن أن يشك أحد في قدرة أمريكا والدول الغربية في القبض على أي مطلوب للعدالة وتقديمه للمحاكمة ؟ وهل يمكن لأحد يثبت بأن الذي ينشر الآن حول أسباب تجديد العقوبات هي ليست مجرد تكهنات صحفية ؟ كان ينبغي على مجلس الأمن وأمريكا أن يعيدوا النظر في هذه العقوبات لأنها أنهكت المواطن وتسببت في ضرر للبنيات التحتية في السودان تحتاج لعشرات السنيين لإصلاح ما تلف منها ومن ضمنها بنيات لا تستطيع أي قوة في الأرض إعادتها حيث كانت قبل العقوبات .. المواطن السوداني البسيط هو الذي يدفع الثمن ... بينما يقف مجلس الأمن متفرجاً في قضايا دولية مهمة وخطيرة في مناطق ملتهبة في العالم ولكنها طبيعة الزمن الذي يتعامل بأكثر من ميزان وبلغة المصالح ياسر عبد الكريم