من هم أهل ياسر عرمان ؟ ومن هم جيرانه ؟ ياسر عرمان أهله هم الغلابة المهمشين والمظلومين والعطالة والمقهورين والحركات المسلحة والمعارضة بكل أطيافها وألوانها زهدوا فيه ولم يتعلموا منه المعارضين المثابرة وقبول الآخر ... ولم يتعلموا منه التمسك بالمبادئ وأنه غير قابل للبيع والشراء في مزادات السياسة الحالية .. فلم يرد عرمان على الساقطات عبر الواتساب ولم يواجه الإساءة بالإساءة ولا الشتيمة بالشتيمة لأنه بإختصار غير إنصرافي وتجد عيناه وعقله مصوبتان على فقراء المدن وثورات الريف فقط .. ولم يتعلموا منه كيف يعتقلوا السنتهم خلف أسنانهم ولم يتعلموا منه عدم التعب وأن لا يلقوا بأنفسهم على الأرض أمام صاحب الجلالة لأنهم تعبوا من مشوار النضال .. وأما جيران ياسر عرمان هم أهل الإنقاذ لقد زهدوا في ياسر عرمان أيضا ولم يستثمروا وجوده في الحركة الشعبية خير إستثمار ولم يقبلوا بما عرضه عليهم الرجل في كل محادثات السلام معهم لأجل الصلح والسلام ووحدة الوطن ولقد أضاعوا أهم فرصة في مرحلة مفصلية في تاريخ الوطن ولكنهم سيفتقدونه في الليلة الظلماء حين يفتقد البدر وحين تأتي الحركة الشعبية الجديدة بزعيمها الجديد بشروطها القاسية ومدعومة من الكبار الذين لا يستطيع أحد أن يعصي لهم أمرا للدخول في المفاوضات وبشروطهم القاسية عندها سيندمون على عرمان وأيامه عندما لا ينفع الندم في رسالته الثانية وحواره في جريدة التيار حول خياراته المستقبلية والتي أطلعت عليها في صحيفة الراكوبة إذ قال عرمان : ( طالما كان هنالك ظلم وتهميش وحروب وأحداث كبيرة مثل إنفصال الجنوب وجرائم الحرب والإبادة والقهر الواسع للنساء والعطالة التي تضرب صفوف الشباب وإنهيار الريف والحرمان الذي تعانيه الأغلبية الساحقة من سكان المدن وهجرة ملايين الناس من الريف الي المدن في ظل إنعدام الخدمات وإنعدام فرص المواطنة المتساوية فإن خيارات الثورة والثوريين والتغيير تظل واسعة ومشرعة الأبواب والنوافذ ) هذه هي الرؤية الثاقبة التي تمثل رؤية السواد الأعظم من الشعب المغلوب على أمره فيجب على الجميع إستثمارها ودراستها والعمل على حلها لأنها في تصوري تحمل مفاتيح التطور وإنتهاء عهد الحروب والتمرد والغُبن الإجتماعي وحين قال في الحوار أيضا ( كما يلزمني كتابة تجربتي للأجيال القادمة بسلبياتها وإيجابياتها، وكما ترى فإن الخيارات أمامي واسعة إذا أمد الله في أيامنا ) ترك الأمر للأجل والذي بيد لله تعالى فلم يقل سنسلمها إلى عيسى كما قالها نافع علي نافع ...كما لفت نظري في هذه الفقرة هي جلد الذات ونقد التجربة الشخصية فهذا الأسلوب هو أول خطوة في طريق النجاح فلم يكابر ولم تأخذه العزة بالإثم كما فعلوا أصحاب المشروع الحضاري حتى دمروا الوطن بهذه العزة الخاوية والفاشلة لقد دفع عرمان شباب عمره من أجل القضايا التي يؤمن بها وقضى في الغابات والأحراش ما يقرب إلى الأربعين عاما وذاق كل ألوان العذاب النفسي والبدني وظل وفياً لقضاياه وكان يؤمن أن الطريق إلى الحرية والعدالة الإجتماعية ورفع الضيم عن الغلابة والمهمشين يحتاج إلى ثمن كبير وكان على إستعداد لأن يدفعه ودفعه بالفعل كما أعلن ياسر عرمان في رسالته أيضا ( أن الذين يرون إننا في نهاية الطريق نعم في نهايته ولكن في بداية طريق جديد ) لم ينقطع الأمل في نظره فهذا هو أسلوب العلماء الكبار يبنون للأجيال ولا ينظرون تحت أقدامهم ومن ثم يدمرون أوطانهم وقطع عرمان الطريق أمام الذين راهنوا على إنقسام الحركة الشعبية بأنه سيكون نهاية عرمان ونهاية النضال والثورة بل طرح ياسر كل الخيارات إلا خيار واحد هو عدم القبول بنظام المؤتمر الوطني كما جاء في حديثه كما وعد أنه سيواصل حتى يتحرر شعبنا ويحدث التغيير وتحقيق السلام الشامل والعادل إنني هنا لا أضع نفسي المدافع عن ياسر عرمان بل الحديث عن المبادئ التي عاش وناضل من أجلها حين تقارنه بالآخرين الذين تربعوا على كراسي المؤتمر الوطني وباعوا قضاياهم وخسروا أنفسهم ... والذي دفعني إلى هذا المقال هو إننا اليوم نعيش أزمة ضمير وسط الساسة والزعماء بحق وحقيقة وبحثت عن من هو المثال الذي يحتذى به في وطننا الجريح ويسجله التاريخ فلم أجد مثالا يحتذى به غير ياسر عرمان وعرمان يذكرني بالزعيم مانديلا حين أعلن أنه لن يرشح نفسه مرة أخرى في جنوب أفريقيا حتى يعطي الفرصة لأجيال جديدة تلعب دورها السياسي في حين كان يحق لمانديلا البقاء زعيما ورئيسا مدى الحياة وكذلك وبحكم التاريخ والدور والمسؤولية كان بمقدور ياسر عرمان أن يبقى في القصر الجمهوري بعد إتفاقية نيفاشا طوال حياته ويستطيع ذلك لكنه لم يبيع ضميره وظل عرمان وفيا لقضاياه فرجع للأحراش والغابات وترك القصر حينما لم يجد حلولا لقضاياه مع نظام المؤتمر الوطني وعرمان قال في حواره لجريدة التيار ( شخصي ورئيس الحركة على إستعداد للتنازل من مواقعنا من أجل وحدتها في إطار عملية سياسية صحيحة وديمقراطية، ولن نسعى لمواقع تنفيذية في المستقبل.) كان من الممكن أن يبقى عرمان في زعامة الحركة الشعبية طوال حياته ويتمسك بهذا المنصب ويقاتل لهذا الهدف وهناك في داخل الحركة الشعبية من يؤيد عرمان وذلك بحكم المشاعر العميقة التي ربطت بين الرجل وجماعته في الحركة وأن رصيده يعطيه الحق في أن يجلس ويبقى في كرسي سلطة الحركة عشرات السنيين فهو رصيد مناضل دفع للحركة ثمنا غاليا ولكن الأخلاق التي يتمتع بها والخبرة الكبيرة التي إكتسبها من المناضلين الكبار الذين عاصرهم وسبقوه في النضال وعمل معهم أمثال الدكتور قرنق ويوسف كوة ودكتور منصور خالد حتمت عليه أن يحترم خصومة الحالين في الحركة الشعبية وفضل الرحيل بصمت فلم يذكرهم بسوء في كل الفرص التي أتيحت له .. ولم يبوح بأي شئ وستدفن الأسرار معه .. وحتى الذين أحدثوا هذا الانشقاق في الحركة لم يحملهم المسؤولية بل تحملها معهم بل قال يستوجب الإعتذار لأعضاء وأصدقاء الحركة وما كان ينبغي له أن يحدث في هذا التوقيت بالذات، غض النظر عن من هو المسؤول ... ما أجمل أخلاقك يا عرمان كما قرأنا في التاريخ عن ديجول رئيس فرنسا ومؤسس نهضتها حين ترك قصر الإليزيه أمام مطالبات الطلبة في عام 1968 بكل ود وترحاب بالرغم من أنه مؤسس فرنسا الحديثة .. ففعل عرمان أيضا ولم ينعل ولم يشتم ولم يقل أنا الأحق في هذا المنصب لأنني سجنت وأعتقلت وإنني أحد المؤسسين للحركة الشعبية مع الكبار يوسف كوة وقرنق .. كما قالها الإسلامي كمال عمر حين تم تعيين دكتور علي الحاج على رأس المؤتمر الشعبي فقال ما لم يجب أن يقله شتان ما بين طلاب السلطة والسرقة وطلاب النضال لأجل الوطن وأجل قضايا المهمشين والعطالة والمزارعين والعمال ياسر عبد الكريم