بعد وصول الدكتور علي الحاج الي قمة القيادة في الشعبي تصاعدت الآمال والأشواق بان يستعيد الحزب عافيته من بعد فترة من الوهن والضعف أصابته بعد رحيل الشيخ الترابي ، تطاول سقف التطلعات بان يستعيد الشعبي الروح القديمة المشبعة بقيم الاخلاص والتفاني والصدق ، وان يعود الأمل المشرق من بعد الليالي الحزينة التي عاشتها قاعدته العريضة ، وكان المتخيل ان تتفتق عبقرية قيادته الجديدة عن رؤية موضوعية وذكية وواقعية للتعامل مع الملفات الماثلة أمامها والتي خلفتها مراحل سابقة ، وكان المتوقع ان تضيف قيادته الجديدة ذات التاريخ السياسي العريض لمسات من الإبداع والجمال علي الواقع السياسي الموصوم بالبؤس والرتابة ، فماذا جري في هذه الفترة القصيرة من تولي قيادة جديدة لأكبر الاحزاب السياسية السودانية ، قد يظن البعض ان الحكم الكلي علي قيادة الشعبي في هذه الفترة القصيرة سلباً او إيجاباً ضرب من ضروب عدم الموضوعية وهذا صحيح في كلياته ، لكن يمكن بسهولة معرفة المنهج الكلي الذي تتبعه القيادة الجديدة في إدارة شئون الحزب ، ويمكن بسهولة أكبر معرفة طريقة تفكير القيادة الجديدة ، وهذا ما نريد ان نصل إليه بشكل موضوعي بلا تهافت وبلا تجني علي الحقيقة وبلا إسراف في الطعن ولعلنا نتمثل مقولة الطيب صالح أجمل النقد ما يأتي عن محبة . أول الملفات التي يمكن ان نضع بها القيادة الجديدة تحت الإختبار والتي عليها تشكلت المرحلة التالية هي تداعيات المؤتمر العام للشعبي ، ثنائية الصراع الذي اصاب الحياة العامة في السودان كان حاضراً في مرحلة ما بعد المؤتمر العام ، قد يقول البعض ان ثنائية الصراع حقيقة ظلت ملازمة لتاريخ الحركة الاسلامية السودانية ، ابتدأت منذ عهود قديمة اختلافاً بين مدارس التربية ومدارس الانفتاح علي الحياة العامة وانتهت صراعاً بين الرئيس والامين العام في فترة لاحقة ، ومن سوء الحظ أنها تجددت مرة اخري بين علي الحاج وابراهيم السنوسي ، علي أي حال مشهد العيد الماضي كان تجسيداً واضحاً لهذا الصراع ولعله سيمضي الي الأشد ، لا شك ان ذكاء القيادة الجديدة كان تحت الاختبار واحد طرفي الصراع يتم تنصيبه في موقع سلطوي كبير وهذا الاختيار فرض واقعاً جديداً لحزب لم يشفي بعد من أثار السلطة علي جسده المثخن بالجراح ، أخشي من تداعيات هذا الصراع ان تتحقق المقولة السودانية شديدة الذكاء (اثنان من الديكة في بيت الدجاجة دائمًا ما يثيران المتاعب ) . من القضايا التي تفجرت بعد المؤتمر العام وقبل تشكيل القيادة الجديدة لمكاتبها وأماناتها، إستقالة ساخنة قدمها الأمين السياسي السابق للشعبي كمال عمر عبر الصحف ، وجه فيها إتهامات قاسية لقيادة الشعبي ووضع قيادته الجديدة تحت الإختبار المبكر ، كالعادة الأحزاب ذات المرجعية الفكرية والأيدولوجية تتعامل مع هذه القضايا بحسم شديد لأنها تمس عصب حساس في بنيتها التنظيمية ولكن القيادة الجديدة للشعبي تعاملت مع قضية الإستقالة بتساهل غريب لم يعهده الناس في التعامل مع هذه القضايا والتفلتات ، وقد يتباين الرأي هل نجحت القيادة الجديدة في ان تظهر قدرتها علي التسامح والتعالي ام أنها فشلت في ان تظهر قدرتها علي الحسم والضبط ام أنها أظهرت ليناً يليق بالمرحلة التي يمر بها الشعبي . ملف اختيار أعضاء أمانات الحزب الجديدة من الملفات التي وضعت قدرة القيادة الجديدة علي الإبداع وتطوير الحزب تحت الإختبار ، كان المتوقع صعود جيل جديد الي قيادة الأمانة العامة للشعبي ونقلة نوعية في إدارة الحزب عبر كوادر جديدة تبعث الأمل وتواكب التطور الهائل في العالم ، وكان من المتوقع هبوط جيل من منصة القيادة بلغ من العمر ما بلغ وقدم كل ما عنده ، ولكن المدهش أكثر ليس في ان الشعبي فارق هذا المسار المثالي في التجديد والتطوير بل المدهش ان الشعبي لم يغير في شخوص الأمانة التي ادارت الحزب في الفترة السابقة التي وصمت بالفشل وعلي ركامها وعجزها جاءت القيادة الجديدة ولا اجد في هذه الجزئية أفضل من كلمات سارتر من غير المعقول ان تبحث عن الفشل وتمضي اليه بنية مسبقة . من الملفات الساخنة التي تضع قدرة القيادة الجديدة تحت الإختبار ، ملف إختيار وزراء الحزب في حكومة الوفاق الوطني ولعله اثار جدلاً واسعاً ، أول الجدل التي أثاره هل فعلاً الشعبي لا يملك كوادر علي مستوي من الكفاءة لشغل هذه الوظائف ، هذا السؤال كان جوهرياً فالحزب دفع بعناصر من خارج العضوية العاملة في مكاتبه وهياكله او علي الأقل تلطفاً يمكن ان نقول قيادات لم يسبق لها ان عاشت اللحظات الصعبة التي تعرض فيها الحزب لابتلاءات السجون والتضييق الأمني من قبل السلطة يومها ، الباب الواسع الذي من خلاله دخل الشعبي الي المشاركة في السلطة انه يريد العمل علي تنفيذ ومراقبة مخرجات الحوار و بمعني أدق ان الثقة ليست متوفرة في الطرف الاخر ، واذا كان كذلك الم يكن من الأجدى ان يدفع الحزب بأفضل كوادره لهذه المهمة ، قد يفسر البعض ذلك ان الحزب سعي الي مشاركة رمزية ولا يعول عليها كثيراً وأنه أراد التخلص من بعض قيادته في مهمة ليست بذات أهمية . من الملفات التي برعت فيها قيادة الشعبي الجديدة قدرتها علي خلق صلات خارجية ، ولعلها أعادت الروح لأدوار ظل الحزب يعمل عليها لفترات طويلة ،علي نسق الدعابة المشهورة عن سياسة بسمارك الداخلية والخارجية ، طافت قيادة الشعبي الجديدة الكثير من العواصم العالمية و لم يفتح الله عليها الباب لزيارة واحدة خارج الحدود الجغرافية لولاية الخرطوم . من أكثر الإستفهامات التي لا تجد لها تبريراً منطقياً انه بعد مضي شهور علي إختيار القيادة الجديدة عجز الشعبي عن وضع رؤية كلية يقود بها المرحلة القادمة ، السؤال عن الوجهة الكلية لا تجد له إجابة حاضرة عند القيادة ، الرؤية الكلية والتفكير المستقبلي للشعبي كان يتمثل في المنظومة الخالفة التي بشر بها الشيخ الترابي ووضع قواعدها وتوقيتاتها ، بعد رحيله رأت القيادة الجديدة ان التوقيتات المضروبة ليست مثالية وهذا التقدير من القيادة يتطلب بطبيعة الحال رؤية جديدة للمستقبل وللأسف القيادة الجديدة لم تظهر رؤية جديدة للعلن ، المتابع لأحاديث الدكتور علي الحاج في الوسائط الاعلامية يلحظ بوضوح أنه يقدم روشتة للقضايا السياسية اليومية ولكنه لم ينجح حتي اليوم في تقديم خطاب يعالج كليات القضايا ، صحيح أنه كما يقول طه حسين عن حافظ ابراهيم لم يكن عظيم الثقافة ولا عميقها ولكن المتوقع منه كان كبيراً فهو يجيد ببراعة كثير من الأشياء الأخرى ويملك مواهب استثنائية ، حتي لا يزايد علينا البعض بإدعاءات ليست صحيحةأختم بمقولة مريد البرغوثي ان أسهل نشاط بشري هو التحديق في أخطاء الآخرين . علي عثمان علي سليمان