أود أن أتطرق إلى نقطة هامة في سيرة المبدع بوب مارلي التي يتغاضى عنها الكثير من الناس، ربما لكونها تنقص من شأن هذا القامة، ويتحاشون أن يدخلوا في حيثياتها، ألا وهي الماريجوانا وعلاقتها ببوب مارلي. وقد تذكرون أولئك السذج الذين روجوا إلى أن بوب مارلي مات بسبب تدخين الماريجوانا؛ وهم لا يعون أنه مات بسبب الميلينوما (Skin Cancer) ، وكان ذلك عند ظهور ورم خبيث في المخ، كان قد استفحل من إصابة قدمه في مباراة لكرة القدم؛ وأبى الجرح أن يلتئم. وحسب معتقداته الرستفارية رفض بوب آن يبتر أي عضوٍ من جسده. ومن المدهش أنه عاش بهذا السرطان الفاتك مدة تجاوزت السنتين، من الممكن ان يكون ذلك بسبب الحمية الغذائية التي كان يتبعها وعقار ال(unorthodox) الذي وصفه له الطبيب في بافاريا. ومن المرجح ان تأثير السرطان قل مع مفعول ال (THC) Tetra Hydro Cannabinol وهي المادة الكيميائية الأساسية في تركيب المريجوانا. ولقد أشاعت علاقة بوب بالماريجوانا جدلاً عنيفاً في تقييمه، خصوصاً من أولئك الذين يتحفظون جزافاً من غير وجه حقٍ يسندهم في رؤاهم، فيرون أنها تنقص من شأنه وتقلل من قيمته، فيربطون صورة مدخن الماريجوانا بالإنسان الهائم الذي لا يعي ما يدور حوله، طالقين عليه النكات والتهكمات. أنا لست بصدد الدفاع عن الماريجوانا ولست من نافثيها، ولا من الداعين إليها . ولكن إذا أردنا أن نجيش في أغوار هذا الأسطورة، لا بد من أن نبين للناس العلاقة العميقة لبوب مارلي بالماريجوانا . فالماريجوانا كانت نسكاً تفرضه عليه عقيدته الرستفارية؛ فالرستفاريون يعتقدون أنها تقربهم من JAH ، وأنها تخرجهم من ترهات الحياة إلى التأمل والتفكر (Meditation) ، فهي بالنسبة لهم غذاء للروح وراحة للجسد، ولذا فهي تكون زادهم حيث يرتحلون في مواسم تأملهم، تاركين زخم المدينة وذاهبين الى الريف مترنمين بتباريح Black Bible ، وقصص ماركوس جارفي المنظر الأول للراستا، وصاحب النداء المشهور Back to Africa ؛ ويهيمون في موجة هي أقرب لانجذاب الدراويش في السودان. هذا من ناحية المعتقد، أما أثر الماريجوانا في بوب، فهي جزء لا يتجزأ من شخصيته ؛ وهي التي أمعنته في ذاته وأكسبته السمات العجيبة التي عرفناه بها، من تناغم فعلي مع الموسيقى التي كان يجسدها في خشبات المسرح مستغرقاً في عوالم بعيدة، يرتجل فيها حيناً ما تمليه عليه اللحظة من نفحات وأشجان وانفعالات، حيث يحجب فيها عينه تارة، ويمسح بشعره تارة أخرى . وقد يجرفه ذلك الانسجام مع ذاته ومع ترانيمه إلي درجةٍ لا يرى فيها جماهيره، فتصبح أمنيته أن يشخص في وجوه جماهيره ومحبيه ليرى الحب والسعادة التي يرسيها في قسماتهم . فبوب كان يرى أنها تعطيه صورةً واضحة عن ذاته، ويرى أنها الدواء للأمة من همومها وأحزانها. ولذا فهي كانت مصاحبةً له في جميع أوقاته. وأود أن أشير إلى مناسبة طريفة منع فيها بوب من مصاحبة الماريجوانا معه في إحدى الحفلات.. غير أنه – وبدهاء- كان قد خبأها في شعره، فإذا به يفاجئ جماهيره، وهو ينفض ضفائره المجدولة، ليروا اللفافات وهي تتطاير في الهواء! فيلتقط منها واحدة ويشعلها خلف إيقاعات الريجي الصاخبة ، وكأنما أراد أن يقول لهم حينها : Excuse me while I light my spliff Good God, I gotta take a lift "When you smoke the herb, it reveals you to yourself." "Herb is the healing of a nation." وكان دفاعه المشهور عن الماريجوانا عندما قال : "إنها مجرد نبات.." أي بمعنى لا تحدثوا قيامة على لا شيء. وقد تجلى اهتمام بوب مارلي بالماريجوانا عندما أفرد لها ألبوماً خاصاً أسماه كايا، وهو الاسم الجامايكي لنبات القنابة (الماريجوانا)، وأيضا وفي أغنية DUPPY CONQUEROR يتمرد على النظام الذي يجرم مدخني الماريجوانا، ويحكي لأقرانه أنهم أطلقوا سراحه مجدداً وأنهم غير قادرين على كبح جموحه على التدخين . Yes me friend, me friend We deh 'pon street again yes me friend, me good friend Dem SET ME free again the bars could not hold me force could not control me they tried to keep me down but Jah put I around yes I've been accused, many times and wrongly abused now but through the powers of the Most-I they've got to turn me loose dont try to COLD ME UP on this bridge now I' ve got to reach Mt. Zion so if you a BULLBUCKA, let me tell you this i'm a duppy conqueror, conqueror وفي أغنية: PIMPERS PARADISE She love to party, have a good time She looks so hearty, feeling fine She loves to smoke, sometime shifting coke She'll be laughing when there ain't no joke A pimpers paradise, tha's all she was now A pimpers paradise, that's all she was A pimpers paradise, that's all she was Every need got an ego to feed Every need got an ego to feed She loves to model, up in the latest fashion She's in the scramble and she moves with passion She's getting high, trying to fly the sky Now she is bluesing when there ain't no blues A pimpers paradise, that's all she was now A pimpers paradise, that's all she was A pimpers paradise, that's all she was Every need got an ego to feed Every need got an ego to feed يتحدث بوب في هذه الأغنية عن تلك الفتاة التي تعشق التدخين، والتي تضحك عندما لا يستدعي الموقف الضحك، وتحزن عندما لا يكون هناك ما يدعو للحزن . فهو يصف لنا الانفعالات التي تصاحب مدخن الماريجوانا (ولا أقول المتعاطي).. فمن يحترم بوب لا بد له أن يحترم فلسفته في تقديس تلك النبتة. ولكن ما يربط تلك الصورة الانطباعية الذميمة عن الماريجوانا في أذهان الكثيرين أن أغلبية مدخنيها هم من المجرمين وقطاع الطرق والرجرجة والدهماء.(بينما هناك الكثيرون من المتزنين، وأصحاب المكانة العالية في مجتمعاتهم – ومن الذين لهم موقف من المخدرات - يدخنونها). وأذكر أنني سمعت في الأخبار أن هنالك نسبة كبيرة من أعضاء مجلس العموم البريطاني ينفثونها، وأنهم يولونها اهتماماً كبيراً، ويتناقشون في مسألة إدراجها مع المكيفات الأقل وطأة مثل الكحول والسجائر وغيرها. . ما أردت أن أوصله هو أن لا يتأثر معجبو هذا الفنان المبدع الموهوب بالصورة السلبية التي قد يرسمها له البعض نتيجة هذه المسألة المزاجية؛ وهو الذي صاغ التوازن المزاجي للملايين بإيقاعاته الآسرة. أؤكد أن بوب ولد مبدعاً فهو نشأ في بيئة كيفت له تلك الموهبة ، وتركيبته ال Half-Caste كون أمه سوداء وأبوه أبيضاً ، وبعد أبيه عنه، وعدم وجود Father Figure يحتذي به ، والتناقض والصراع الذي كان يعايشه، كلها عوامل هيأت لبروز اللبنات الأساسية لصفات القيادة والإبداع والتمرد. لا ننكر ذلك كله، ولكن من منحى آخر فالماريجوانا أثرت تلك الموهبة وصقلتها وأكسبتها بعداً جديداً في شحذ الآليات الإبداعية وتوظيف الخيال الفني. وهذه هي الحقيقة الجلية، فمن دونها لما سمعنا No Woman No Cry و Buffalo Soldier و Get Up Stand Up وبقية السيمفونيات الخالدة . عمار عبد المنعم خليفة [email protected] رابط المقالة السابقة: http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-109093.htm