السودان..مساعد البرهان في غرف العمليات    مدير شرطة ولاية النيل الأبيض يتفقد شرطة محلية كوستي والقسم الأوسط    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    تدرب على فترتين..المريخ يرفع من نسق تحضيراته بمعسكر الإسماعيلية    عيساوي: حركة الأفعى    أبل الزيادية ام انسان الجزيرة    الفاشر ..المقبرة الجديدة لمليشيات التمرد السريع    الزمالك يسحق دريمز في عقر داره ويصعد لنهائي الكونفيدرالية    سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي.. وعينه على الثلاثية    أرسنال يحسم الديربي بثلاثية    إيران تحظر بث مسلسل "الحشاشين" المصري    شاهد بالفيديو.. سائق "حافلة" مواصلات سوداني في مصر يطرب مواطنيه الركاب بأحد شوارع القاهرة على أنغام أغنيات (الزنق والهجيج) السودانية ومتابعون: (كدة أوفر شديد والله)    السودان..توجيه للبرهان بشأن دول الجوار    نائب وزيرالخارجية الروسي نتعامل مع مجلس السيادة كممثل للشعب السوداني    شاهد بالصورة والفيديو.. طلاب كلية الطب بجامعة مأمون حميدة في تنزانيا يتخرجون على أنغام الإنشاد الترند (براؤون يا رسول الله)    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصور.. بالفستان الأحمر.. الحسناء السودانية تسابيح دياب تخطف الأضواء على مواقع التواصل بإطلالة مثيرة ومتابعون: (هندية في شكل سودانية وصبجة السرور)    يس علي يس يكتب: روابط الهلال.. بيضو وإنتو ساكتين..!!    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    جبريل إبراهيم يقود وفد السودان إلى السعودية    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    تجارة المعاداة للسامية    رئيس حزب الأمة السوداني يعلق على خطوة موسى هلال    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    بايدن منتقداً ترامب في خطاب عشاء مراسلي البيت الأبيض: «غير ناضج»    تدمير دبابة "ميركافا" الإسرائيلية بتدريب لجيش مصر.. رسالة أم تهديد؟    دبابيس ودالشريف    حسين خوجلي يكتب: البرهان والعودة إلى الخرطوم    بمشاركة طبنحة و التوزة...المريخ يستأنف تحضيراته    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد مالك عثمان : ثورة أكتوبر (دي) العساكر كان ممكن يخمدوها لو دايرين!!..مشكلة أكتوبر أن الشعب كان متقدماً في الفكر على قياداته
نشر في الراكوبة يوم 01 - 11 - 2013

بروف شمو ذكر أن سبب أكتوبر هو قرار خدمة الطلاب لأنفسهم أثناء الوجبات الجامعية
ثورة أكتوبر (دي) العساكر كان ممكن يخمدوها لو دايرين!!
حوار عفراء فتح الرحمن
الضيف
محمد مالك عثمان
رئيس حزب تجمع الوسط
عضو المجلس الأربعيني لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم عند قيام ثورة أكتوبر
ذكرى تنحي عبود 28
=====--
- نبدأ معك بالبيئة السياسية والرأي العام الذي تكون من الإعلام وصحف الجامعة الحائطية الرافضة لحكم الفريق عبود والجانحة نحو الحكم الديمقراطي المدني؟
الأحوال القبلِية أو السابقة للثورة كانت عبارة عن مجموعة أحداث غير تراتيبية وغير مقصودة بالمعنى الواضح تمثلت في جنوح المجتمع السوداني نحو الديمقراطية بكل طوائفه الأحزاب، النقابات، الطلاب، العمال ولكن طلاب جامعة الخرطوم كانوا على رأس القائمة. لو سمحتي (أنا عاوز أقول كلام أعتقد أنه من الأهمية بمكان هو أن الطلاب الذين ثاروا على الفريق عبود كانوا صفوة المجتمع وكان المستقبل الزاهر بمجرد التخرج فقط وبالإضافة لكل هذا كانت بيئة الجامعة تشبه الى حدٍ كبير فنادق الخمس نجوم في عهدنا هذا، فكانت الوجبات الجامعية تقدم مجاناً وتحوي كل ما لذّ وطاب من اللحوم والباسطة والحليب.. ورغم كل هذه الأجواء ثار الطلبة في وجه العسكر وقالوا (لا) وجنحوا نحو الديمقراطية والحريات بمعناها العام وليس النفعي وأعتقد أن الفرق كبير بين طلاب الأمس الذين ركلوا كل شئ لأجل الثورة وبين طلاب اليوم الذين لا ينتظرهم أي مستقبل في ظل البطالة وغياب الوظيفة التي أصبحت حلماً بعيد المنال..
- تتعدد المسببات المباشرة بقيام ثورة أكتوبر، ولكن كل محلل يأخذها من زاويته الخاصة ما هي برأيك أبرز الأسباب؟
الشعب في ذلك الوقت لم يكن في ضائقة اقتصادية والأحوال المعيشية كانت بخير وكان السودان وقتها في عنفوان قوته وتأثيره العربي والأفريقي وأكرر بالمقاييس الحسابية المباشرة لم تكن ثمة مبررات لها لكن بمقاييس أخرى متعلقة بمبدأ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ومقاييس إرساء الديمقراطية والحرية والعدالة كنا بحاجة الى أكتوبر وحين أرجع البصر كرتين لا أجد أمامي مبرراً سوى بروز مشكلة الجنوب بشكل لافت والحادثة الشهيرة المتعلقة بطرد القساوسة الأوربيين من الكنائس في جنوب السودان وأعتقد أن هذا هو عود الثقاب الذي أوقد أكتوبر وحرك الرأي العام ضد عبود ومجلس الكنائس.
- لكن عبود لم يطرد القساوسة الأوربيين فحسب إنما استبدلهم أيضاً بقساوسة سودانيين وهذا مبرر وموضوعي ومن حق أي رئيس سودنة المؤسسات بما فيها المؤسسات الدينية.
آي.. لكن عملت مشاكل ومجلس الكنائس العالمي تدخل وصحبتها ضجة بالإضافة الى قرار تعريب المناهج في الجنوب، الشاهد في الأمر تم التكريس لعمق جديد لمشكلة الجنوب فما كان من اتحاد طلاب جامعة الخرطوم إلا وأن قرر عقد ندوات متعددة لمناقشة هذه القضية والغوص في أعماقها المختلفة والجامعة كانت المنبر السياسي الأبرز والأوحد لكل قادة الأحزاب آنذاك، ولابد من ذكر أن الحكم العسكري في ذلك الوقت وقع في أخطاء جوهرية هي تجميد الدستور وحل الأحزاب السياسية كل ذلك أدى الى تأزيم الوضع، وأبرز قادة الأحزاب كانوا في السجن لذا استغلت الأحزاب قواعدها وقامت بتحريكها إيجابياً للمشاركة في أكتوبر فوق كل هذا كانت هنالك وهي أن النظام العسكري كان يسعى للقضاء على استقلالية الجامعة من خلال قرار وزير المعارف القاضي بضم جامعة الخرطوم لوزارة المعارف.
- معظم الروايات التأريخية عن الخطوة الأولى والمباشرة لثورة أكتوبر تشير إلى ندوة منتدى الفلاسفة التي شاركت فيها شخصيات معروفة ومؤثرة أبرزها د. حسن الترابي؟
في يوم 30/ 9/ 1964م عقدت هذه الندوة في قاعة الامتحانات وهي القاعة الأكبر من حيث السعة في الجامعة والندوة كان عنوانها (مشكلة الجنوب) ودُعِي لها عدد الشخصيات منهم أحمد عبدالحليم وبقادي وألور وآخرون من ضمنهم د. حسن الترابي وكان عائداً للتو من باريس في حلة زاهية وأذكر حتى هذا الوقت أنه كان يرتدي بدلة سوداء لامعة وربطة عنق أنيقة وقميصاً أبيض فاقع.. وكان يتحدث بلغة متسلسلة ومقنعة بالإضافة للهالة والكاريزما الطاغية فكان حديثه برداً وسلاماً على كل الموجودين حينها الذين تأثروا بكلمته للغاية وكان مستخلصها أن حل مشكلة الجنوب لن يأتي إلا بحل مشكلة الشمال الذي يحتاج الى الديمقراطية والحرية وإنهاء حكم العسكر.. هذه كانت مساهمة الترابي الوحيدة في أكتوبر (تاني ما عمل حاجة) غير المشاركة في تشييع جثمان الشهيد القرشي.
- ماذا حدث في الندوة التي قرر لها اتحاد الجامعة يوم 10 /10/ 1964م؟
كلفت من قبل الاتحاد أن أدعو ممثلين للأحزاب للمشاركة في ندوة يوم 10 أكتوبر وفعلاً ذهبت بسيارة الاتحاد وقدمت الدعوة للأستاذ الأصم والد د. مختار الأصم ممثلاً لحزب الأمة وبقادي ممثلاً للشيوعي، ونصر الدين السيد ممثلاً للاتحادي، وأشخاص آخرين ممثلين لاتجاهات القوميين العرب وهذه الندوة المقصود منها هو حضور السياسيين بمختلف أطيافهم والاستماع لمقترحاتهم، ومنذ النهار كانت هنالك أنباء مؤكدة حول دخول البوليس الى قلب الجامعة وأنه سيفض الندوة بالقوة، فالذي حدث أن ممثلي الأحزاب لم يحضروا ولكن الندوة قامت في البركس (مساكن طلاب) ولاية الخرطوم بين داخليتي (كسلا والقاش) وفض هذه الندوة أدى الى تصعيد 21 أكتوبر.
- في هذه الآونة تم اعتقال اتحاد طلاب جامعة الخرطوم كاملاً بقيادة حافظ الشيخ الزاكي وتم تكوين لجنة بديلة أدارت الدفة فلماذا تم الاعتقال؟
الواقع أن أي أمر يمنع إقامة الندوات السياسية في الجامعة فقرر الاتحاد تفادياً للإضرار بالمشاركين عدم الدخول في صدامات مباشرة مع الشرطة ولكن في ذات الوقت لم تعجبه الطريقة القمعية للنظام فقام بكتابة مذكرة احتجاجية الى السيد وزير الداخلية في ذلك الوقت وردة الفعل المباشرة كانت هي اعتقال الاتحاد كاملاً ولأن التيار الإسلامي كان هو صاحب الأصوات الأعلى.. أتت اللجنة البديلة برئاسة (ربيع حسن أحمد) وهي اللجنة التي تولت الصدامات والتصعيد المباشر وكانت هنالك أحداث جانبية مصاحبة لهذه الأحداث مثلاً مشاركة الرئيس عبود في حفل التخريج الذي أقامته الجامعة لطلابها فما كان من الطلاب إلا وأن قاموا بأحداث متفرقة (بوظت الليلة).
- ماذا عن الندوة الرئيسية التي قرر الاتحاد إقامتها في 21 أكتوبر 1964م وتمخضت مباشرة عن ميلاد الثورة الشعبية؟
قرر اتحاد طلاب جامعة الخرطوم باتحادها الجديد الذي تكون عبر اجتماع المجلس الأربعيني وبرئاسة (ربيع حسن أحمد) تكوين ندوة في مقر اتحاد طلاب الجامعة وتقرر عدم دعوة الأحزاب حرصاً على عدم تعرض قادتها الى الاعتقال وكانت الاتجاهات الممثلة في الندوة الإسلاميون والشيوعيون والجبهة الاشتراكية واتجاهان آخران.. المهم إدارة الجامعة في ذلك الوقت حاولت إلغاء الندوة بطريقتها الخاصة (عطنوا ميادين اتحاد الجامعة بالموية) والنتيجة عدم إمكانية إقامة الندوة في دار الاتحاد، المهم تغير الموقع الى البركس (مساكن طلاب الجامعة) وأقيمت بين مجمعي (كسلا والقاش) وأول ما بدأ المتحدث الأول علي الحاج ممثل الشيوعيين بالتحدث تدخل البوليس مباشرة وبدأ بالغاز المسيل للدموع وكان الحشد عالياً وكثيفاً للغاية وكنا راسمين خطة للحفاظ على أرواح الطالبات بالذات عن طريق إدخالهن الى مجمع كسلا.
- قبل أن نكمل سرد تفاصيل ليلة الأربعاء 21 أكتوبر يجب ألا تتجاوز الشهداء ومن أبرزهم الشهيد بابكر عبدالحفيظ؟
بابكر كان ساكن معاي في داخلية البركس مجمع القاش الفرقة (8) وهو من أسرة أمدرمانية عريقة أسرة (سوار الدهب) وكان يدرس في السنة الثانية في كلية القانون وكان شاباً بادي الحماسة متدفق الإيمان بالديمقراطية والعدالة وكان كالأغلبية العامة من الطلاب غير منتمٍ لأي حزب.. المهم يوم الأربعاء 21 أكتوبر اجتمعنا في صفرة واحدة وتناولنا الوجبة، بعدها طلبت منه استدعاء عدد من الطلاب لحمل الكراسي والطاولات لتجهيز مكان الندوة، وكانت الداخلية مبنية جديدة وبالقرب من سورها (أزيار موية) فقام شبَّ لفوق الأزيار وقطع فرعاً كبيراً من شجرة (اللبخ) وحمل غطاء أحد الأزيار كدرع وقال لي (تعرف يا محمد خلاص الموت جاء والناس ديل يا قتلونا يا قتلناهم) وكأنه يعلم أن نهاية حياته ونجاح الثورة ستكون دمائه أحد العوامل الرئيسة الداعمة لها، وبعد كدا الساعة 9 مساء كان جالس في الأرض بسوط اللبخة وغطاء الزير (شايلو زي الدرع) وقال لي (أنا علي حماية المتحدثين)، ثم بعد بداية الندوة وضرب البوليس (بالبنبان) محاولاً تفريق جمهرة المتظاهرين، صعد بعض الطلاب الى سطوح مجمعات كسلا والقاش كانت عبارة عن أربعة طوابق فصعدوا الى سطوح المجمعات وأخذ البوليس يضرب بالبنبان والطلاب بالحجارة عندها استخدم البوليس الأعيرة النارية وهنا أصيب الشهيد بابكر عبدالحفيظ بعد أن أشرف على إدخال الطالبات مجمع كسلا، وفي ذات الوقت كان الاتحاد مقرر مسبقاً أن يتخذ من مجمع القاش موقعاً لإدارة المواجهة مباشرة، المهم عندما سمعنا الطلق الناري وحدوث إصابات مباشرة وسط الطلاب ابتعثت الى دار أساتذة جامعة الخرطوم و..
- قبل أن نكمل الليلة لابد من التوقف عند الشهيد الذي ألهب حماسة السودانيين وقادهم الى التحرر .. القرشي؟
أيوة.. القرشي كان ضمن الطلاب الذين تدخلوا في المواجهات وعندما ضربت الشرطة (بالبنبان) كان الطلاب يتبعون طريقة (الكر والفر) يختبئون في داخلياتهم، ثم يخرجون مرة أخرى لمواجهة الشرطة.. المهم أن الشهيد القرشي خرج في عمليات الكر والفر من داخليته (مجمع السوباط) وأصيب على الفور في النجيلة المواجهة للسوباط ولقي ربه شهيداً لأجل الحرية ولأجل سودان أفضل، لا زلنا (يوم الليلة دا نحلم بيهو وسنظل)، وفي ليلة الأربعاء 21 أكتوبر أصيب أربعة من الطلاب، القرشي لقي حتفه فوراً وبابكر عبدالحفيظ مكث في المستشفى أسبوعاً كاملاً ثم فاضت روحه الى بارئها، في سؤالك السابق أوردت أن لجنة الاتحاد التي كانت تدير المواجهات من داخل مجمع القاش أرسلتني الى دار الأساتذة وبالفعل ذهبت ووجدتهم متحفزين للغاية هبوا جميعاً عند رؤيتي وأخبرتهم أن الوضع مؤسف للغاية وهنالك إصابات وسط الطلاب وأننا نرجو منهم خصوصاً من يمتلكون سيارات عليهم الحضور لكي نحمل الجرحى في عرباتهم الى المستشفيات فمباشرة د. أحمد عبدالحليم قال لي أنا بمشي معاك، المهم لغاية ما وصلنا الى مدخل البركس رجوته أن يبقى بالخارج لأنني سأتسلل الى موقع الضرب وبالمقابل سنحمل الطلاب الجرحى خارجاً الى سيارته لكن أول ما دخلت البركس (كاوشوني ثلاثة من البوليس ووروني حاجة ورا الداخليات اسمها بوليس السفارات) وهي إدارة تتبع لوزارة الداخلية، تم اعتقالي كأول طالب يعتقل في أحداث أكتوبر ثم لحق بي فضل الله محمد والتقينا معاً في (الحراسة) وبوليس السفارات كان عبارة عن مخزن كبير للأسلحة الطلبة المتعبين كلهم بودوهم هناك وأول ما دخلت (لاقاني الحكمدار أحمد أبارو) كان يدير مواجهة البوليس مع الطلاب من داخل بوليس السفارات (وأول ما يقبضوا طالب بودوهو ليهو يديهو كفين وبعد داك ضرب غرائب الإبل ثم الحراسة).
- دور قومية اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الذي كان منه تمثيل لكل التيارات السياسية من أقصى اليمين الى أقصى اليسار فما تأثير قوميته واستقلاليته في نجاح أكتوبر؟
الدرس المستفاد من نجاح ثورة أكتوبر التي قادها اتحاد طلاب جامعة الخرطوم والذي كان يشمل كل الأحزاب السياسية والتيارات الفكرية هو أن بلداً مثل السودان يجلس على فوهة بركان قد ينفجر في أي وقت مكون من الصراعات السياسية والخلافات الإثنية والتعددية الثقافية الطريق الوحيد والآمن هو العثور على نظام سياسي تُمثل فيه كل الأحزاب والتيارات والإثنيات عندها سننجح في كل شئ كما نجحت أكتوبر تماماً وعندها سنرتقي فوق مستوى الخلافات والشقاقات والصغائر الموجودة حالياً والوحدة خلقت منافسة إيجابية تصب في مصلحة الوطن.
- واحدة من أبرز ملامح ثورة أكتوبر المسيرة الشعبية الهادرة التي انطلقت من ميدان عبدالمنعم وحتى القراصة تشييعها للشهيد القرشي؟
للأمانة أنا لم أكن حاضراً هذه المسيرة لأني زي ما قلت ليك تعرضت للاعتقال في ليلة الأربعاء 21 أكتوبر ولم أخرج من المعتقل إلا بعد عشرة أيام، لكن كل جيلنا يحفظ عن ظهر قلب هذه الحادثة وهي بعد سقوط الشهيد القرشي حمل الى المشرحة وحاول البوليس إقناع أهل الشهيد القرشي (عمه) على وجه التحديد بحمل الجثمان ومواراته الثرى وأن الطلاب لن يحافظوا على الجثمان ولكن الطلاب تحدثوا معه وأقنعوه بأن الجثمان سيحملونه في أعناقهم وقلوبهم معاً وأيضاً كان مدير المشرحة في ذلك الوقت د. عبدالحليم رفض تسليم الجثمان الى الشرطة والذي حدث أن جمهرة من الطلاب (باتوا) حول المشرحة لحراسة الجثمان حتى لا يسمحوا للشرطة بأخذه كما أن الاتحاد اتصل بالقيادات الوطنية في ذلك الوقت الزعيم الأزهري والصادق المهدي والترابي وحمل الجثمان في موكب مهيب من ميدان عبدالمنعم حتى القراصة وطوال سير الجثمان كانت تنضم الى الموكب سيول بشرية بلا عدد أو حصر.
- واحدة من أبرز الشعارات التي كانت تردد وقتها: (الى القصر حتى النصر).. ماذا عن حصار السيول البشرية للقصر الجمهوري؟
أيوة.. طبعاً أنا برضو كنت في المعتقل، لكن هذه المظاهرات كانت تقاد بواسطة روح الثورة، فقد خافت الجموع من موت الثورة واستعجلوا الحصول على النتائج فكان أن سارت الجمهوع (وحاوطت) القصر الجمهوري وكان على رأس الجموع شخصيات بارزة من طلاب جامعة الخرطوم منهم غازي سليمان وآخرون..
- في هذه الأحداث حتى نكون دقيقين بعض الشئ لابد من العبور الى الضفة الأخرى الفريق عبود، البعض ذكر أنه كان ينظر الى الجموع البشرية من نافذة القصر ويردد: (وكت الناس ديل كلهم ما دايرننا المقعدنا شنو)؟
شوفي يعني لابد من الإجابة عن سؤال مهم.. عبود دا عمل انقلاب عشان يستلم الحكم؟ لا.. عبود تم تسليمه السلطة فهو ليس انقلابياً أو باحثاً عن السلطة، إنما أجبر عليها إجباراً فتحمل مسؤوليتها بنزاهة ورجولة، وعبود للتاريخ رجل سوداني بسيط ونزيه ولكن ليس سياسياً، ولابد أن نذكر للأمانة أن الإنجازات التي قام بها الرئيس عبود لم يقم بها أي رئيس آخر رغم أن الآخرين مكثوا أربعة أضعاف فترته الزمنية، وحتى العلاقات السودانية الصينية المتطورة حالياً هي قطاف لزرع عبود لأن السودان وقتها أول دولة عربية أفريقية تعترف بالصين، وعبود هو رائد التنمية الاقتصادية في السودان ففي عهده قامت مشاريع اقتصادية محترمة للغاية مثل صناعة السكر في الجنيد وحلفاء وسنار و..
- كيف تتوافق هذه الرواية المقرظة للفريق عبود مع أشعار أكتوبر التي كانت تردد: (عهد فساده واستبداده الله لا عادو)؟
دا كلام حق حماسة الثورة ساكت كمان ما تنسي أن الستينيات هي حقبة المد الاشتراكي وحركات التحرر الأفريقية فالزمان والمكان كانا مغايرين، ومش أنا واحد من القادوا الثورة ضد عبود وسجنت وعذبت في عهده؟، لكني أقول بالفم المليان بحسابات اليوم عبود رئيس مثالي للسودان، وبعدين عبود كان رجلاً وطنياً وإنسانياً للغاية لأنه سلم السلطة في أسبوع واحد ولم يجثم فوق إرادة الشعب ودماء أبنائه، وكمان بصراحة ما تنسي أن الحكام كانوا عساكر لو أرادوا وأد الثورة كان ممكن جداً، بعدين زي ما ذكرت في بداية الحوار أن الطلاب في الجامعة كانوا يعيشون حياة مثالية وينتظرهم مستقبل مبهر، لدرجة أن بروف علي شمو في واحد من حواراته الإعلامية ذكر أن تطبيق (نظام خدمة الطلاب لأنفسهم) بمعنى أن الطلاب يذهبون بأنفسهم الى البوفيه المفتوح ويخدموا أنفسهم بحمل أصناف الطعام هو سبب قيام ثورة أكتوبر وبالطبع هذا كلام خاطئ لأن هذه الخدمة طبقت بعد ثلاثة أعوام من قيام الثورة عام 1967م، وقد أخبرت البروف بخطأ المعلومة وقام بتصحيحها في حوار آخر.
- ماذا عن لجنة الوساطة التي أقنعت عبود بالتنحي؟
لجنة الوساطة كانت تحوي أطيافاً متنوعة من الشعب، القضاة، المحامين والأطباء وجبهة الهيئات ولحسن الحظ أن حسن بشير الصقر الأشهر في المجلس العسكري كان خارج السودان تقريباً في السعودية، المهم بعد ذلك اقترحت الحكومة الانتقالية ورشح سر الختم الخليفة خلفاً للفريق عبود وكان مقترحاً أن تشكل الحكومة من أساتذة جامعة الخرطوم بالذات ولكن للتأريخ رفض أساتذة الجامعة هذا المقترح وقالوا إن الجامعة هي أولى أولوياتهم ومن مشاكل أكتوبر أن الفترة الانتقالية كانت غير كافية (ستة أشهر) تنتهي في مارس 1965م ومعروف أن رئيس الوزراء سر الختم الخليفة استقال بعد شهرين فقط نتيجة للصراع الحاد بين الأحزاب ولكن تدخلت القيادات وعاد لمواصلة فترته من جديد.
- بعض المؤرخين لأكتوبر يتحدثون عن وجود صفقة بها ضمانات عدم المحاكمة والحفاظ على المجلس الأعلى وبالفعل أخرجوا من العاصمة وكان الشعب يطالب بإعدام عدد من الضباط، بينما كان الترابي والمهدي يذكران بالمواثيق؟
والله ياخ ما عارف مصطلح صفقة دقيق أم هي ضمانات وتسوية لتسهيل رحيل عبود وأعتقد أن الفريق عبود هو ضحية عبدالله بك خليل الذي سلمه السلطة لذلك محاكمتهم فكرة غير عادلة بالمرة.
- ماذا عن تنحي الفريق عبود وكيف كانت ردة فعل الشارع السوداني لها؟
طبعاً التنحي كان عن طريق بيان في 28 أكتوبر وردة فعل الشارع كانت عظيمة للغاية خرج كل الناس وهتفوا، وطبعاً البيان حل المجلس العسكري وكان الشارة السعيدة بنجاح أول ثورة داعية للحرية والديمقراطية في المحيط العربي والأفريقي (لكن أنا الواجعني شنو)، أن المبادئ التي نادينا بها قبل نصف قرن من الزمان لم يطبق منها ولا حرف واحد حتى هذا التاريخ..
- في بداية الحوار تحدثت عن أن ثورة أكتوبر أبرز محفزاتها مشكلة الجنوب التي تأزمت بسبب طرد القساوسة الأوربيين وتعيين سودانيين بدلاً عنهم إذن هل توافق على تحليل أ. إسحق أحمد فضل الله أن ثورة أكتوبر صنيعة مجلس الكنائس؟
لا لا لا.. دا كلام عيب يتقال ياخ أكتوبر صنيعة الشباب السوداني الحر وبعدين هل يعقل أن مجلس الكنائس مع اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الذي كان على رأسه وقتها الاتجاه الإسلامي.. دا كلام غير مبرر وغير منطقي وللأسف تشويه لثورة سبقت الربيع العربي بحوالي نصف قرن من الزمان هذه ثورة أثرت في أوروبا فلا أحد ينكر ثورة الطلاب في أوروبا 1968م وخصوصاً في فرنسا وكانوا يجعلون أكتوبر مثالاً يحتذى ويرددون أن الطلاب في الخرطوم غيروا بعزيمتهم النظام الحاكم.
- بعد نجاح أكتوبر كتب هيكل، ثم ماذا بعد هل ترى أن ما تم بعد أكتوبر كان مقنعاً؟
أول حاجة هيكل لما قال الكلام ده هو بيسخر من فكرة قيام ثورة ديمقراطية في السودان لأسباب خاصة ومعروفة تخصه وحده ولا أحد سواه، ورأيي أن مشكلة أكتوبر هي تقدم الشعب على القادة السياسيين وهذه هي مشكلة السودان من أكتوبر وحتى اليوم، وواحدة من مشاكل السودان في رأيي الشخصي (عشان ما تقومي تعملي لي مداخلات وتقومي الدنيا ساي)، دا رأيي الشخصي أن حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي هما حزبان تقليديان قاما برسالة كاملة في الحركة الوطنية حتى أكمل السودان استقلاله وهذا دور كبير لا ينكره أحد البتة، لكن بعد أن انتهت مشكلتنا مع بريطانيا ومصر والاستعمار بقوا هم في حد ذاتهم مشكلة يصعب حلها يعني بعد ستة أشهر أسقطوا حكومة أزهري، ثم بدأت سلسلة المؤامرات وسرقة الثورة (وعشان أزهري ما تقوم ليهو قائمة) ناس عبدالله خليل عملوا الانقلاب وسلموا السلطة لعبود.
- أكتوبر وثورته المجيدة كانت من أكثر الأحداث التي وحدت كل قطاعات المجتمع طلاب ونقابات عمال يمين ويسار، ما هي أبرز رسائل أكتوبر؟
أنا عندي شوية كلام في المنطقة دي بالذات إذا كانت أحد محفزات ثورة أكتوبر البارزة قضية الجنوب فأود التذكير أننا الآن بلا جنوب وإذا كان اشتعال أكتوبر انطلق رغم ريادة السودان وتأثيره العربي والأفريقي فنحن الآن بلا علاقات خارجية حقيقية ومتكافئة وعندما قامت أكتوبر كان الاقتصاد السوداني في أوج عافيته والآن نحن في أزمات متلاحقة في السياسة والاقتصاد والاجتماع و...
- رغم كل ما تقوله إلا أن أكتوبر في نهاياتها كانت تتردد فيها شعارات مثل: (ضيعناك وضعنا معاك يا عبود) لماذا برأيك، وما الذي أضعف أكتوبر؟
أردد أن الشعب السوداني كان متطوراً والقيادات السياسية كانت غارقة في مستنقع الخلافات الحزبية الضيقة واللهث وراء كرسي الحكم والديمقراطية لن تنجح في السودان إلا إذا بدأت بالديمقراطية الحزبية فهل يعقل نصف قرن من الزمان والقادة هم ذات القادة الميرغني في الاتحادي والمهدي في الأمة؟، ياخ لو الديمقراطية ما طبقت في الأحزاب حرام على الجيران، ثم أردد ما ذكرته إحدى الشابات أن الحزب الاتحادي الديمقراطي الآن هو حزب رئاسي السيد محمد عثمان وحده من يقرر ولو اجتمع ثلاثون من المكتب القيادي وقدموا توصية (برضو) ما عندهم أي قيمة وتوصيتهم تذهب مع الريح (طوالي) وإذا أردنا ديمقراطية آمنة وناجحة، فعلينا أن نركن الى الفكر الجمعي وننبذ أحادية التفكير مثلاً الإمام الصادق يتحدث عن الصحوة الإسلامية والإنقاذيين عن المشروع الحضاري ونحن بحاجة الى فكر سوداني خالص.
- شكراً لوقتك وسردك؟
شكراً لك ولصحيفة الجريدة .. وأكتوبر حلم مثالي جميل لا زالت مبادئه محلقة في عوالم لم تولد شموسها بعد.
@ الجريدة
www.aljareeda-sd.net
- - - - - - - - - - - - - - - - -
تم إضافة المرفق التالي :
Screen Shot 2013-10-29 at 08.18.34.png


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.