الدكتورة سامية هباني تعدل من ربطة خمارها، وتعود في رحلة مغادرة معسكر العليفون، بعد أن رفض دخولها قاعة اجتماعات شوري الحركة الإسلامية.. ذات المشهد ينطبق على القيادي حسن عثمان رزق، الممنوع دخوله اجتماعات الحركة، دفعاً لفاتورة توقيعه على المذكرة ذائعة الصيت، المطالبة بإصلاح حال الحزب الحاكم، والتي انتهت تداعياتها بتوصية بالفصل وتجميد الموقعين عليها، قبل وصول تداعياتها إلى داخل الحركة الإسلامية ومجلس شوراها الذي اتخذ قراره في مواجهة الموقعين، وسط تناسل الأسباب والمبررات للخطوة. وهو الأمر الذي يدفع للتساؤل حول طبيعة العلاقة بين حاءات (الحكومة والحركة والحزب)، و.. لمن تكون الأولويّة؟ يمكنك أن تترك استفهامك الآن لتمضي نحو آخر المآلات، عقب انفضاض اجتماع مجلس الشوري وهو يتمخض عن تكوين لجنة خماسية برئاسة الأمين العام المنتخب للحركة الزبير أحمد الحسن، بغرض الدخول في مفاوضات مع الإصلاحيين المفصولين من الوطني بغية عودتهم إلى وعاء أهل السودان الجامع بحسب الشعار الذي يحيط بالمبنى الأخضر قبالة (صالة المغادرة في مطار الخرطوم).. الرؤية وجدت قبولاً أولياً من التيار الإصلاحي بحسب إفادة القيادي فيه أسامة توفيق الذي قال إنهم لا يمانعون في إدارة حوار موضوعي حول المذكرة التي رفعت لرئاسة الجمهورية، نافياً أن يكون الحوار من أجل العودة للحزب أو الحركة، فالإصلاحيون عند أسامة ليسوا طلاب سلطة ولا مناصب. والحديث في مجمله يلتقي والتصريح المنسوب للغائب عن اجتماعات الحركة الإسلامية، والمفصول من الحزب الحاكم، والمنظور إليه باعتبار أنه قائد الإصلاحيين، غازي صلاح الدين. د. العتباني قلل مما تناولته الصحف حول ما جرى في مجلس شورى الحركة الإسلامية من حيث تأثيره على القرار بإنشاء حزب تياري شعبي يمثل السودانيين جميعا. وقال إنهم غير مهتمين لما يتخذه المؤتمر الوطني من قرارات وإنهم ليسوا منشغلين بالصراع مع المؤتمر الوطني وإن قرارهم في هذا الشأن نهائي، إذ لا يوجد أدنى تفكير في العودة إلى المؤتمر الوطني، ولا يرون في ذلك جدوى لهم أو للساحة السياسية السودانية. تصريح العتباني يبدو حاسماً لمسارات الأحداث في مقبل الأيام ويعلن أنه لا تلاق بين الوطني والإصلاحيين، ويمهد الطريق لمفاصلة ثانية، بعد التي ضربت إسلاميي السودان نهاية التسعينيات، وهو الأمر الذي سيلقي بظلاله حتّى على الحراك المنتظر للحركيين في سبيل تجفيف حدة النزاع. وهو الأمر الذي يتقاطع حتّى مع رؤى الإصلاحيين المنضوين تحت لواء مجلس الشورى، فأوّل ردّة فعل جاءت في موقف سامية هباني التي أعلنت استقالتها من الحركة الإسلامية عقب الموقف في العليفون. ويمكنك أن تقرأ مستقبل المبادرة، بقيادتها الخماسية، من خلال رؤية العتباني لها؛ فالرجل يصف الحركة بأنها صارت إحدى اذرع النظام وتسعى لتحقيق مطلوباته قبل أن يصفها بأنها صارت إحدى أدوات تصفية الحسابات مع الخصوم ويختم حديثه متحسراً: (ولو أن الحركة الإسلامية كانت مرجعية إسلامية حقاً كما ينبغي لأصبحت مثابة للعدل والإنصاف ولانبرت للدفاع عن حقوق أعضائها، ولشددت على حق أعضائها في الحضور والدفاع عن أنفسهم إزاء الاتهامات البغيضة التي وجهت لهم في غيبتهم). عطفاً على ذلك فإن المعادلة تبدو وكأنها محاولة لإعادة الإصلاحيين لبيت الطاعة الحزبي من قبل من ينشطون في المضي بها إلى الأمام، في مقابل موقف متحجر يتبناه الآخرون ممن يرتدون وشاح الإصلاح ويحاولون جهد أيمانهم البحث عن ثوب سياسي جديد لم يرفض من ينظر له الآن أن يخلع عنه ثوب الإسلامية، لو أراد له السودانيون أن يكون كذلك. بعيداً عن شارع المطار يحلق غازي وأتباعه في نسختهم الجديدة، قريباً من مجلس شؤون الأحزاب، يمهدون طريقهم لتسجيل مولودهم الجديد، يتتبعون خطوات من سبقوهم من إسلاميين؛ سواء في أيام ما قبل دخول الألفية، تحت راية الشعبي، أو حتى في عز أيام صراعات الإصلاح، حيث تقدمهم في الطريق ذاته الطيب زين العابدين والتجاني عبد القادر وقاما بتسجيل النسخة الجديدة من أحزاب الإسلاميين في مسارات النزاع السياسي السوداني. مستور محمد أحمد، والأمين السياسي لحزب المؤتمر السوداني، يقول عبر الهاتف في تعليقه على مشهد غازي والحزب والحركة: (وصلوا إلى ميس اللا التقاء)، مستبعداً التلاقي من جديد، وهو الأمر الذي يفرغ اللجنة من محتواها تماماً. مشيراً بشكل كبير لحدة الاختلافات بينهم والمنطقة التي يقف فيها كل طرف من أطراف الصراع بين المكونات المختلفة، وهو ما يعبر عن ارتفاع حدة المواجهات بين مكونات البيت الذي كان واحداً.. رؤية مستور بخلفيته اليسارية أو المعارضة للتيارات الإسلامية.. يمكنك النظر إليها من خلال منظار الاختلاف الأيدلوجي والرغبة في تفتيت أعداء الساحة السياسية بشكل عام. لكن بالمقابل ثمة محددات أخرى تجد نفسها وقد عضدت فكرة عدم العودة إلى ساحة التناسق والتناغم مرة أخرى، يمكنك أن تدعمها بما تناولته بعض التسريبات من اجتماع مجلس الشورى وتباين مواقف الجالسين في مناضده، فمجموعة نادت بضرورة تطبيق أقسى العقوبات عليهم، دفعاً لفاتورة مغادرة الجماعة بينما تمترست أخرى حول ضرورة الاستماع لهم ومناقشتهم في رؤاهم الإصلاحية دون أن تبعد الموقف العام للتيار الإصلاحي الذي بات يتعاطى مع مشهد الحزب على أنه مشهد يقوم على عدم الثقة انطلاقاً مما حدث في لجنة المحاسبة وما أعقبها في اجتماع شورى الحركة الإسلامية مما يعزز فرضية أنهم صاروا شخوصاً غير مرغوب فيهم، وفي وجودهم في ساحة الحزب. وهي رؤية تتجاوز ذاتية الإصلاحيين إلى الآخرين في صفوف الحزب الممسك بمقاليد الامور. عليه فإن كثيرين في تحليلهم لما يحدث يصلون إلى فرضية مفادها أن الساحة في انتظار مولود حزبي جديد يقوده العتباني وربما آخر دون النظر إلى مآلات اللجنة الخماسية التي ربما تسرع من خطى قيام الحزب دون أن تستطيع الإجابة عما يمكن أن يقوم به في تحقيق الاستقرار في السودان المضطرب اليوم التالي