من خلال متابعتي الدقيقة واللصيقة للأحداث السابقة واللاحقة لاعتقال السيد الصادق المهدي ، والمناقشات الجانبين مع القيادات المقربة للمهدي ، وما تسرب من اجتماعات مجلس التنسيق الاعلى لحزب الامة ، وتصاعد وتيرة الاحداث حتى اضحت تمسك بتلابيب بعضها البعض وسط حالة اندهاش قصوى ، وفي اقل من اسبوع واحد ، حيث تحول المشهد السياسي ما بين الانقاذ والصادق المهدي من نجوى الوصال الى القتال بالكلمات والضرب تحت الحزام والاعتقال ... وتأتي تلك السيناريوهات المختلفة لتفسير ظاهرة الانتقال السياسي المفاجئ من مربع الحوار الى المعارضة والاعتقال ، وتحول الشعبي من الاعتقال والتشريد الى الحوار والاندماج ، وعلى رغم من ظاهرة كمال عمر لم تشكل علامة استفهام لدى المراقبين بقدر ما اصبحت حالة سخرية وجزء من مسلسل اذهب للقصر رئيسا وسأذهب للسجن حبيسا ..... شهر مايو سوف يظل محفورا في ذاكرة حزب الامة بدأ باجتماع الهيئة المركزية في الاول من الشهر والثاني منه ..، وصدر البيان الختامي والتوصيات بإقالة الامين العام الدكتور ابراهيم الامين من منصبه وتعين الاستاذة سارة نقد الله بدلا عنه ، تناولت الصحف ووسائل الاعلام احداث الهيئة المركزية وكأنها انقلاب داخل الحزب العريق ،وبعد تقيم الاحداث في غرفة العمليات والمكتب الخاص للمهدي اتفقوا على تحديد مؤتمر صحفي تفصيلي توضيح مخرجات الهيئة المركزية بتاريخ 8 مايو وذلك بعد اسبوع من انتهاء الاجتماع ونتيجة لتواصل الحملة الاعلامية لإبراهيم الامين ، ارسل السيد رئيس حزب الامة الصادق المهدي نائب رئيس المكتب السياسي لإبراهيم الامين المقال من منصبه لوقف التراشق الاعلامي حيث رفض الاخير ذلك وكون لجنة اعلامية وقانونية وتنظيمية وصرح ان الفيصل بينه وبين المهدي قواعد الحزب ، وكان وصول مبارك الفاضل المهدي للخرطوم بتاريخ 6 مايو مفاجئة للمكتب الخاص لرئيس الحزب ، بالرغم من تصريح الفاضل اكثر من مرة بقرب عودته للسودان مما اربك حسابات اللعبة السياسية داخل الحزب العتيق ، وكان السيد الصادق المهدي من بعد انتهاء مداولات الهيئة المركزية صعد من هجومه ضد الجنجويد او ما تسمى بقوات الدخل السريع ثم كرر ذلك في مؤتمره الصحفي في تحدي واضح للأجهزة الامنية ، وقد تكون هنالك اشارات وتحذيرات وصلت المهدي لن استمراره في الهجوم دفع جهاز الامن الى فتح بلاغ ضده وذل يوم الاربعاء 14 مايو ومن ثم المثول امام جهاز الامن يوم الخميس 15 مايو 2014 ، وبعد توقيعه على محضر الاقوال وخروجه من المحاكمة وسط وجود المئات من انصاره وقيادات المعارضة والتفاف سياسي كبير حول موقفه وصدور بيان الجبهة الثورية ، توجه السيد الصادق المهدي الى قرية الولي في منطقة الحلاويين تلك امنطقة التي تعتبر اكبر واهم معقل للأنصار تاريخيا ونتيجة امتداد الثورة المهديه بها بثورة عبد القادر ود حبوبة ، كما تمثل قرية الولي اكبر قرى الحلاويين والتي تقع وسط المنطقة نقطة الانطلاق الاولى للحملة السياسية والجماهيرية للصادق المهدي بعد انتفاضة ابريل 1985 حينما زارها مع قيادات الانصار فاستقبلته استقبال الفاتحين ، كانت ندوة الحلاوين يوم السبت الموافق 17 مايو حيث وصف المهدي قوات الجنجويد " بنعامة المك" وفي اصرار يحسد عليه اوضح بانه سيقول لها " تك " ، مع العلم ان جهاز الامن اعتبر ان قوات التدخل السريع " الجنجويد " تابع لها ويرفض المساس بهافي حسب البلاغ الذي فتحه في رئيس حزب الامة ، وبعد وصول المهدي للخرطوم قادما من منطقة الخرطوم تم اعتقاله او التحفظ عليه حسب البيان الحكومي وان ادارة السجون هي المسؤولة عنه وليس جهاز الامن . تلك الاحداث المتعاقبة ورفض ابنائه الثلاثة الاستقالة من الاجهزة الامنية والعسكرية والمواقع الدستورية دفع بالبعض التشكيك في تلك الاحداث المفاجئة ، ومن ثم بعد الاعتقال اجتمع مجلس التنسيق الاعلى لحزب الامة في مساء نفس اليوم وقرر مقاطعة الحوار وإعلان التعبئة العامة لعضوية الحزب في الاقاليم والعاصمة ، وخلال الاجتماع صرح الفريق صديق اسماعيل بانه على علم باعتقال رئيس الحزب منذ يوم الاربعاء ، وفق لتصريح الدكتور ابراهيم الامين في صحيفة الانتباهة بتاريخ 20 مايو . وكل ما تقدم ذكره ونتيجة للتصاعد المفاجئ للأحداث وتصريحات سابقة للصادق المهدي بان لديه مشكلة كيمياء مع حسن الترابي " صحيفة السوداني 29 مارس 2014 " وتقاطعات الحوار بينهما مع البشير ، وتصريح المهدي خلال الفترة الاخير لخاصته ان البشير كذاب و " مستهبل " ، كل ذلك دفع الكثيرين لرسم سيناريو خاص للأحداث وفق نظرية المؤامرة ، وحسب ما توف له من معلومات تركزت تلك السيناريوهات في تقاطعات متعددة من بينها اولا : علاقة الصادق والترابي والموقف من الحوار ثانيا : علاقة الصادق بالبشير واستمرار الحوار لفترات طويلة برغم ان الحوار اصبح الخيار الوحيد للمهدي ثالثا : علاقة الصادق المهدي بالدكتور ابراهيم الامين وقوى التغير داخل حزب الامة ومجلس الشباب والكوادر ومخرجات الهيئة المركزية وبناء عليه فان كان ذلك الامر كذلك فان اكثر السيناريوهات شيوعا وتداولا بين السياسيين والمتابعين هي اربعة سيناريوهات رئيسية لا يعني ذلك عرضي لها تعني تأكيدها ، بقدر ما تعكس تقاطعاتها مع بعضها البعض وهي ..... أولا : يرى البعض أن سبب الاعتقال هو صراع الأجنحة داخل النظام وان الأغلبية مع الحوار ولكن الأقلية ضد الحوار مع حزب الأمة ... من بين أصحاب هذا الرأي ...الفريق صديق نائب رئيس الحزب ...و عبد المحمود أبو .... ورد البعض ، أن النظام الشمولي لا يعترف بالأغلبية ولو كان كذلك ما انقلب على السلطة الديمقراطية في عام 89 وان اعتقال شخص مثل السيد الصادق لا يمكن أن يكون بدون موافقة البشير نفسه ......... ثانيا ..يرى أصحاب السيناريو الثاني أن المؤتمر الوطني اختار الترابي والمؤتمر الشعبي في حواره و حكومته المقبلة .....مقابلة رفضه الصادق المهدي ...لذلك جاء التصعيد من جناح داخل المؤتمر الوطني لإغلاق باب الحوار مع الصادق المهدي .....ومن الصادق المهدي نفسه في إطار دفع النظام إلى اعتقاله والعودة إلى موقف تفاوضي أقوى ....وهو سيناريو يؤيده بعض من كوادر حزب الأمة ..... ثالثا ...وأصحاب هذا السيناريو يرون أن التصعيد بدأ من الصادق المهدي بنفسه حيت كان خطابه في اليوم الختامي للهيئة المركزية عنيفا ضد النظام وقوات الجنجويد ثم كرر ذلك في المؤتمر الصحفي وبرغم التحذير والبلاغ الذي فتحه جهاز الأمن ، إلا أن المهدي رفع من نبرة التصعيد في ندوة قرية الولي الحلاويين ........يدعم هذا الكلام الرسالة السرية التي أرسلتها هيئة شئون الأنصار قبل ثلاثة أيام من الاعتقال إلى عضويتها الملتزمة بإعلان التعبئة وتوقع اعتقالات من النظام ......بالإضافة لحديث نائب رئيس الحزب أنه كان على علم بالاعتقال منذ يوم الأربعاء ... ويرى أصحاب هذه النظرية أن المهدي دفع النظام دفعا باعتقاله لتحقيق عدة أهداف من بينها ...تخطي مرحلة الهيئة المركزية وإقالة إبراهيم الأمين ....إعادة كوادر الحزب وجماهيره للالتفاف حوله ...تأكيد قوته لكي يكون في مقدمة أجندة الحوار .... ضرب اسفين داخل النظام بين التيارات المختلفة ...لذلك جاء للهجوم على أخطر ورقة للنظام ....الجنجويد ..... رابعا ... تري أن ما حدث مسرحية ...نتيجة تصاعد الخلاف بشكل مفاجئ بعد انتهاء الهيئة المركزية لحزب الأمة وإقالة الرجل القوي الأمين العام إبراهيم الأمين من منصبه ....من خلالها تتم تمرير أجندة مشتركة ينسى كوادر الحزب الاختراق الدستوري الذي تم ....ويستفيد النظام من الاعتقال للتغطية على قضايا الفساد ............ عموما وبغض النظر عن كل السيناريوهات السابقة .....فإن قضية الجنجويد خطيرة والتلاعب بها يوقع في مصايد وافخاخ والغام .. وما حدث في الفاشر قبل ساعة من قتال بين الجيش والجنجويد يؤكد ذلك ....... ... إن ما حادث يمكن ان يستفيد منه أربعة جهات ....كما ان اعتقال الصادق المهدي فعل سياسي كبير .....لا يمكن تجاوزه .....فكيف يمكن التعامل معه ...والاستفادة منه ... وتلك الجهات التي يمكنها تطوير الحدث لصالحها هي بغض النظر عن دورها في الحدث نفسه وهي ...... 1 / نظام الانقاذ ... تقاطع الاجنحة والتيارات .... الجنجويد والجيش 2 / الصادق المهدي 3 / حزب الامة 4 / النشطاء وقوى المعارضة المطالبة بإسقاط النظام عبر الشارع 5 / والجبهة الثورية من خلال كشف جرائم الجنجويد .... هنالك فراغ حاليا في إدارة الأحداث تحاول أطراف عديدة مليء هذا الفراغ لصالحها .....إذا لم تتحرك القوى الشبابية والنشطاء للتفكير في آليات للاستفادة مما حدث ....فإن غيرهم سيكسب من الوضع الحالي .....إذا عليهم تصعيد المواجهة ....وإعلان الاصطفاف ضد النظام ورفض الحوار ...وتحريك آليات المعارضة المختلفة ...وتحريك الآخرين إلى موقفها بغض النظر عن أيهم السيناريو الصحيح سوى كان أحد البنود المذكورة اعلاه أو تقاطع بعضها أو شيء آخر ونقطع الطريق أمام النظام للاستفادة من الوضع وإدارة آلياته .