أشفق كثيرا علي من سيرث حكم السودان بعد زوال هذا النظام الذي يتداعي يوما بعد يوم,فهي بالفعل تركة ثقيلة,فكيف سيستطيع إعادة بناء كل هذا الخراب الذي لحق بكافة مناحي الحياة في السودان خلال ربع القرن الفائت وماسبقه؟؟ من أين سيبدأ الرئيس الجديد ؟؟ وكيف سينتهي؟؟ كيف سيرجع الجنوب-الذي ذهب إلي غير رجعة- لحضن الوطن الأم؟وكيف سيقنع أهله بأن السودان الكبير يمكنه -فعلا لا قولا, أن يسعنا جميعا بلا إضطرار لإنفصال أو اقتتال؟؟ وكيف سيرجع أرواح آلاف الشباب التي أهدرت في حروب البسوس والعبث هذه؟؟ وكيف سيضمد جراح قلوب أسرهم المكلومة وأنين أطفالهم الميتمين أو المشردين؟؟ كيف سينتشل 90% من السكان من تحت أحقر وأحط خطوط الفقر,بخزينة منهوبة خاوية وديون متراكمة وحصار خانق وضغوط خارجية وأجندة متقاطعة ومختلفة؟؟ كيف سيحي روح الوطنية في نفوس كفرت بكلمة جوفاء تسمي الوطن؟؟ فوطن يأخذ منك كل شئ ولايمنحك شيئا سوي الذل والهوان,من الصعب جدا أن تجد من يخلص له.!! وكيف سيعيد التحام نسيج هذا الوطن الذي تمزق شر ممزق؟؟وكيف سيقنع أهل دارفور وجبال النوبة,بأن قراهم لم تحرق أمام أعينهم بسبب الكراهية,وأن بناتهم لم يغتصبن أمام أعينهم بسبب الحقد والاستعلاء؟؟ كيف سيعيد بناء المشاريع الكبيرة التي أحياها المستعمر وقتلها الوطني ,وخلق حولها جبالا من التعقيدات والمشاكل المركبة والتي ستحول دون إصلاحها لسنسن طويلة؟؟ كيف سيوفر فرص عمل لكل هذه الاعداد الهائلة من العاطلين أو المطرودين من وظائفهم بسبب أرآءهم ومواقفهم السياسية؟؟ كيف سيوفر الدواء والعلاج لمرضي يقبعون بإنكسار مؤلم في مستشفيات القرون الوسطي,وهو عاجز حتي عن دفع رواتب الموظفين بسبب إشهار الافلاس؟؟ كيف سيصلح التعليم (الشكلي)المنهار؟؟ كيف سيجذب رؤوس اموال المستثمرين في ظل بنية تحتية متهالكة من بقايا الاستعمار الانجليزي؟؟ كيف سيقنع اللاجئين والهاربين السودانيين في شتات العالم بالعودة والمشاركة في بناء بلد لفظهم ويئسوا من إصلاحه وقرروا الهجرة منه إلي غير عودة ,بعد أن أستوطنوا بالمنافي الكريمة التي منحتهم وأبناءهم جنسيتها وثقافتها ورعايتها وحمايتها ,واحترمت أدميتهم ولم تهن كرامتهم ولم تعذب أجسادهم وأرواحهم وتغتال شخصياتهم واحلامهم؟؟ كيف سييستطيع أن يلجم الجيش من تكرار انقلاباته الخبيثة وإستغلال الاضطرابات والإضرابات والقلاقل والمظاهرات التي يتوقع اندلاعها في الايام والشهور الاولي,فالناس لن تصبر طويلا علي خواء الخزينة وخواء البطون ,كما لن تصبر علي انتظار عملية الاصلاح الطويلة أوأمل إستعادة الاموال المنهوبة؟؟ وكيف سيلجم أيضا جماعات التطرف والهوس الديني المتشددة والتي ستعلن الجهاد المقدس ضد الديموقراطية وضد الاصلاح وضد النساء وضد الانفتاح علي العالم وضد الحريات الشخصية وضدالفن وضدالاستنارة وضد كل شئ؟؟ كيف سيفعل رئيسنا الموقر كل ذلك؟؟ اللهم إلا أن يكون ساحرا حقيقيا مثل كونراد اديناور مستشار المانيا المحطمة بعد الحرب العالمية الثانية ووزير إقتصاده لودفيغ ايرهارت ,أب المعجزة الاقتصادية الالمانية,والذين بتعاونهما نقلا المانيا المنهزمة حربيا ومعنويا والمفلسة اقتصاديا والممزقة إجتماعيا وسياسيا,لمصاف الدول المتقدمة في زمن قياسي وجيز,أو أن يكون كالساحر الكوري بارك شونج صاحب المعجزة الكورية الجنوبية التي تعرف بمعجزة نهر هان كانج,والذي وضع لبنات الاقتصاد الكوري الجنوبي الحديث ,ونقل كوريا الدولة النكرة الفقيرة المنقسمة والتي مزقها الاحتلال الياباني الفظيع- والذي حرم علي اهلها حتي مجرد ذكرها وألغي وقتها إسم كوريا رسميا,إلي دولة بارزة تقود نمور أسيا ,ولايخلو الان بيت حديث في العالم من أحد منتجاتها بعد ان كانت لاتجد ماتأكله واضطرت لأكل الكلاب,وليس بعيدا عن زماننا هذا,الساحر الماليزي المستنير مهاتير محمد,رئيس ماليزيا السابق وراعي نهضتها الحديثة والذي نقل بلاده بحكمته وحنكته من غابة مطاط إستوائية وبدائية يتناحر أهلها فيما بينهم,لواحة غناء متطورة من واحات القرن العشرين. أما إن كتب لنا القدر عودة ديناصورات الفشل القديمة مرة أخري,فستظل بلادنا تدور حول نفسهاهكذا(أو ماسيتبقي من نفسها),إلي ان يرث الله الارض وماعليها,وسيكتب علي كل سوداني مرة اخري ايضا أن يحل مشكلته بصورة فردية -كما هو حادث الان,إما بالاغتراب أو بالهجرة او بنفاق السلطة والسرقة والفساد والرشوة,,,فأي الحظين ينتظرنا ياتري؟؟حظ ألمانيا وكوريا الجنوبية وماليزيا؟؟أم حظ سودان الصادق والترابي والميرغني والبشير؟؟؟ عماد عثمان-طبيب بالصحة النفسية /السعودية [email protected]