عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    تحرير الجزيرة (فك شفرة المليشيا!!)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    كريستيانو يقود النصر لمواجهة الهلال في نهائي الكأس    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    واشنطن: دول في المنطقة تحاول صب الزيت على النار في السودان    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    طبيب مصري يحسم الجدل ويكشف السبب الحقيقي لوفاة الرئيس المخلوع محمد مرسي    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    لأول مرة منذ 10 أعوام.. اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    الحراك الطلابي الأمريكي    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بعد أزمة كلوب.. صلاح يصدم الأندية السعودية    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتورة مريم: للجسارة رمزها!
نشر في الراكوبة يوم 03 - 09 - 2014


بسم الله الرحمن الرحيم
علاقة النظام بالحوار علاقة إتجاه واحد، يتفق ورؤية النظام للمشكلة وتفسيرها من جهة، وطريقة ونوعية حلها من الجهة المقابلة. أي حوار اللاحوار، او الحوار الذي يستبطن رغبة الإخضاع للآخر، وليس إحترامه او الإيمان بحقه او إبداء وجهة نظره، في المشكلة مثار النزاع! الشئ الذي جعل جولات الحوار المتواترة، تتميز بصفة التوتر فيما يخص العلاقة بالتنظيمات المعارضة الجادة، أو صاحبة الرؤية الموضوعية للمشكلة السودانية، وتاليا صاحبة المطالب الأعدل والآفاق الأرحب للحلول السلمية المستدامة. في هذا الإطار ظل النظام يستحكم بمواقفه التمكنية الإحتكارية(الكنكشية) للسلطة. كغاية ترتبط إرتباط وثيق برؤية النظام للحكم، وموقعه داخل تشكيل او هندسة الدولة السودانية! بتعبير آخر، الدخول في دوامة الحوار المفتوح علي الهوامش، والنأي به عن متون السلطة ومركز الثروة والإمتيازات! والسبب في ذلك، ليس الرغبة في التسلط والإستحواذ الإحتكاري الطفولي، علي الفضاء العام فقط! ولكن بشكل أساس يرجع لطريقة الوصول الي السلطة، أي عبر الطريق الإنقلابي! بمعني ثانٍ، طريقة الوصول الي السلطة(إنقلاب في هذه الحالة)، لا تؤثر في طريقة التعامل المباح مع الموارد العامة او المطلق مع السطة فقط! ولكنها تجلب معها نوع من الوعي والسلوك الإمتلاكي، في أُفقهما الأكثر شخصنة وشهونة وفردانية! أي تحدث نوع من المماهة بين السلطة والسلطان! وتاليا منح أي قدر من السلطة للآخر، او التنازل عن أي جزء منها. يطعن في قداسة وكمالية السلطان وسلامة وشرعية السلطة! مما يُعرض أمن الوطن وأمان المواطنين للخطر!!
بهذا تصبح مسألة الحوار الجاد فيما يلي، حدود ودور السلطة او مكانة وإطلاقية السلطان، هي نوع من الخيانة العظمي او الطعن في شرعية الوضع القائم! وهذا ما لا يمكن إستيعابه لدي الطبقة الإنقلابية او الشرعية الإنقلابية الحاكمة، ناهيك عن التفاوض حولهما! وبكلام واضح، ليس هنالك ما يستدعي الحوار، فيما يخص موقع الرئاسة او الطبقة الحاكمة، وحدود إمكانتهما وإمتيازاتهما. لأنهما سلفا لا يعانيان من إشكالات! لا علي مستوي الشرعية في أحقيتهم ولا علي مستوي الضمور في أداءهم! وأقصي ما يقدم في هذا الجانب، هو منح قدر محسوب من هامش السلطة والمعارضة للمعارضة! وذلك بالطبع بعد تحديد، نوعية المعارضة وأسس عملها وكيفية إدراجها في هذا الهامش! أي بناءً علي رؤية مسبقة لمفهوم المعارضة، الذي يضيق في هذا الوعي السلطوي الإنقلابي، الي مجرد بحث عن السلطة ودور في الحكم والتمتع ببعض الإمتيازات المادية والوجاهات الإجتماعية، العاطلة عن أي منفعة عامة او إسهام إيجابي خاص! بمعني، وعي السلطة يعيد إنتاج المعارضة، وفق آليات عمله وطريقة تعاطيه مع السلطة. وهي طريقة كما أسلفنا، توسلت الإنقلاب في الإستيلاء علي السلطة. وتاليا إندغم في أساليب عملها وطرائق تفكيرها الإحتيالية الإجرامية الماكرة! أي يريد النظام معارضة بمواصفاته الخاصة، وتعمل في حدود ما يحدده لها من خيارات(معارضة مُحللة)! لذلك يمثل أي خروج عن وعي السلطة للعمل المعارض، هو خروج عن النص! أي عمل غير شرعي في حده الأدني، وتخريبي لدي التفسير العام او المرجعية الحاكمة! وتاليا، كل قوي التجمع والأحزاب الوطنية المعارضة وغيرها من الكيانات، صاحبة المواقف المستقلة، يمكن إدراجها داخل هذه المنظومة التي تم تجريمها! وخصوصا المتمردة علي الأطر الضيقة والهامشية للمعارضة التي وضعتها السلطة الحاكمة كتقية لها! أي أن تعمل الأحزاب المعارضة كمبررة فقط، لشرعية السلطة القائمة ومدي ديمقراطيتها وتقبلها للآخر!!
ولكن أن تتحدي هذه المعارضة(غير خاضعة لشروط النظام للعمل المعارض، او المخربة حسب رواية ومفهوم النظام للعمل المعارض) النظام وترفض هامش حركته المقيد ووجوده غير الشرعي. بل وتتجرأ علي مواجهته في العلن وبنفس أسلحته وفي أكثر من ميدان، كالجبهة الثورية. فهذا ما يثير حفيظة وجنون النظام وحساسية غريزة البقاء لديه، ويصادم وعيه السلطوي الإحتكاري، ويتعالي علي نظرته الدونية للآخر المعارض! أي بعد أن كسر هذا الآخر، حاجز شرعية الإعتراف به، او الخضوع لمعايير غير شرعية يتبناها نظام غير شرعي بدوره!! مما يعيد الي الواجهة، ذاكرة النظام الإنقلابية الإجرامية، الراكزة في صلب بنية وعيه الذاتي، والمحفزة علي سلوكه الهمجي العدواني، تجاه الأحداث والمواقف والأشخاص والكيانات! والتي يحاول النظام إخفاءها بشتي الحيل، الدستورية والنظامية والشعاراتية والزمانية(الركون لسلطة الإعتياد والخضوع للأمر الواقع بغض النظر عن شرعيته او أحقيته!)..الخ. وأزدادت معدلات هواجس النظام من المعارضة مع بزوغ بدر الجبهة الثورية، أي بعد إنضمام الحركة الشعبية للحركات المسلحة. وهو يعلم سلفا تاريخ هذه الحركة، سواء في ميادين القتال او علي منابر السياسية. وهو علي يقين من عنادها وإصرارها علي طرح مشاريعها، وتمسكها بأهدافها الخلاصية الوطنية. رغم تصادمها مع مشاريع النظام الإجرامية، المعادية للوطن والمواطن والإنسانية! والمتنكرة في ثوب الدين والتحضر، لتستر عوراتها وجرمها وقبحها، وروائح الفساد المحاصرة لها من كل جانب! وإضافة لجدية وجدة مشاريع الحركة الشعبية ومخاطبتها لجوهر الأزمة، فهي تكشف الغطاء عن زيف وخواء المشروع الحضاري الهلامي او (عنقاء الإسلامويين القُصَّر) ورده الي حقيقته، أي مجرد منظومة إجرامية، تسعي لنهب البلاد وإذلال العباد، وتتوسل كل وسائل الفساد التي تخطر علي البال والتي لا تخطر علي خيال شيطان! لتحقيق هذه الغايات الدنيئة. وهذه التقاطعات مع الحركات المسلحة، هي ما عجلت بتكوين الجبهة الثورية. لتبدأ مسيرة نضالها وتضحياتها لتحرير الوطن من أرباب الفشل ومتعهدي الفساد! المهم، بهذه السيرة المُصادمة للجبهة الثورية، والطرح الوطني المتجاوز للكيانات والجهات والأعراق والديانات. يشعر النظام، أن هذا المكون المعارض الجديد، في طريقة تكوينه ووضوح أهدافه وإيمانه بقضيته. يشكل خطر وجودي ليس علي إستمرار النظام فقط! ولكن مجرد بقائه او إفلات اصحابه من العقاب علي جرائمهم المتناسلة، يصبح في حكم المستحيل!
وبناءً علي هذه الخلفية القاتمة، وذاكرة الخوف والتوجس التي تسكن تلافيف عقل وشرايين قلب النظام. ضد أي عمل معارض جاد، يتحرك وفق إستراتيجية واضحة، وقدرة علي تقديم قدر هائل من التضحيات، وإنعدام أي مساحات للمساومة علي الثوابت الوطنية والمبادئ الأساسية. ينظر النظام لكل من يؤيد الجبهة الثورية بأي وسيلة(ولو بالقلب أضعف الإيمان) او يقدم لها أي نوع من المساعدة حتي ولو معنوية! او يضع يده في يدها من أجل توسيع رقعة تحالفاتها. فهو يندرج في خانة الحرب الصراح ضد النظام! لدرجة جعلته يفقد وقاره المصطنع ويطير صوابه المهترئ ويبتلع هامش حريته الدعائي، ويذري مشاريع حواره الوهمية للرياح. لمجرد تقارب حزب الأمة من الجبهة الثورية! بمعني، إن الجبهة الثورية خارج سياق نمط تفكيره العدمي، وطاقة إحتماله، او قابلية التعامل معها، بنفس أدوات عمله القديمة وأساليبه البالية! كمتاهات المماحكات واللعب علي عامل الزمن، والإصرار علي الإهتمام بالتفاصيل المملة والشكليات الفارغة علي حساب الأصول والكليات! لإفراغ أي حوار او حلول موضوعية من مضامينها! وكل هذا، جعله يسارع لإعتقال الدكتورة مريم الصادق المهدي بمجرد عودتها، بعد مشاركتها الظافرة في التفاوض مع الجبهة الثورية من جانب حزب الأمة، وما تمخض عنه ما أصطلح تسميته ب(إعلان باريس)، أو إنضمام حزب الأمة لتحالف الجبهة الثورية(الشيطان الأكبر، في عرف النظام وحقيقة مخاوفه)! أي بإعتبار الدكتورة مريم تخطت حاجز الخط الأحمر. الذي يستبطنه النظام، في مراوحة تطال كل تفكير او مسلك، يمس صميم المشكل السوداني، المتمثل في أزمة السلطة المستحكمة.
منذ وصول الجبهة الإسلاموية عبر ذراعها العسكري الي السلطة بطريقة إنقلابية غادرة! ومن ثم إدخالها البلاد في نفق مظلم من الأزمات المتلاحقة، التي يسابق بعضها بعضا، في التعقيد وتسبيب الأذي للوطن والمواطنين! فلو كان النظام جادا في موضوع الحوار، لرحب بموقف حزب الأمة وسعي لإكمال نواقصه( ليس المطلوب من النظام، تهيئة أجواء الحوار، كإطلاق الحريات وسراح المعتقلين..الخ كما يعتقد البعض! ولكن المطلوب بصورة أساسية، تغيير في عقلية النظام ونظرته للسلطة والمعارضة! فبتغيير هذه العقلية والنظرة الي السلطة، كجسم حيادي وآلية تداولية وخدمية تخضع لرغبة وخيارات المحكومين! بعد ذلك، كل المطلوبات أعلاه وغيرها، تتم آليا ودونما إجتهاد من النظام او المعارضة! بمعني إن إزمة النظام، هي أزمة وعي ومفهوم للسلطة، وليست أزمة وسائل او إجراءات!)، بل ولرحب بموقف كل حزب آخر، يتجه للحوار وإعلاء قيمة الحلول التشاركية! ولكان التركيز ليس علي الأطراف او الجهات المنخرطة في الحوار، ولكن لاتجهت أنظاره لمخرجات تلك الحوارات، ومدي مقاربتها للمشكل الوطني، وموضوعية حلولها المطروحة، وآفاق تطويرها في إنجاز مصالحة وطنية شاملة، تنهي جذور المشكلة الوطنية، سواء في شقها التاريخي السياسي/التنموي او تطلعاتها المستقبلية، مرة واحدة والي الأبد. وتاليا، إستقبال الدكتورة مريم، إستقبال الأبطال الفاتحين، كما تستحق عن جدارة. وخاصة هي وكما حزب الأمة، يحدثان إختراق جدي في حلحلة المشكلة الوطنية. في أشد لحظات الإستعصاء الأزماتي والركوض السياسي والعجز المقيم. الذي يخيم علي راهن الأوضاع الداخلية، وينذر بتفجرها وخروجها عن السيطرة، وإنجرارها لمرحلة الدولة الفاشلة وغير قابلة ليس للإصلاح فقط، ولكن لمجرد البقاء ككيان متماسك! ولم يلجأ النظام في حقها، لممارسة عاداته الرذيلة وأساليب العجز ومفارقة مواثيق حقوق الإنسان في الحرية والكرامة والمحاكمات العادلة..الخ، والتي تعبر في حقيقتها عن إفلاسه السياسي والوطني! ولم نقل شئ عن كريم العادات والتقاليد المحلية في تعاملها مع المرأة!
وكل ذلك، لمواجهة الحق الأبلج والحجج البينة في طرف الدكتورة مريم، بل وكل ما يطرحه المعارضون الجادون، في سبيل تخطي هذه الظروف الحرجة التي تمر بالوطن! أي الذين لا يهرولون الي المغانم حتي قبل معرفة أجندة الحوار الحكومي وما يفضي إليه! ولكن هل أمثال الدكتورة مريم، وبكل هذا الشموخ الذي يزينها والوقار الذي يفيض من شخصيتها، والألق الذي يشع من ثنايا صلابة مواقفها. كأحد أبطال الأساطير وآلهة الصمود، التي تضئ ظلام التاريخ وترعب أشباح السلطة وعبدة الشهوات عبر الزمان! يرهبها غدر الإعتقال او تغير في أفكارها ومبادئها مرارة الظلم وضيق السجون؟! وهل تفلح تخرصات أبواق الإعلام وتجني كتائب الأمن والحملات المأجورة، لتشويه صورتها الوطنية الناصعة ومواقفها البطولية المشهودة، أو حرف نضالها السلمي عن وجهته الوطنية الحقة، وهم يمكرون؟! ولكن نبشرهم أن الشعب أوسع حيلة وأشد مكرا علي الطغاة وإشباه الوطنيين، وهو أعلم بأبطاله وبالخونة المتاجرين بالأوطان وعرق ودماء المواطنين! فالدكتورة مريم ليست إبنة اليوم او صنيعة هذا الإتفاق رغم ضخامته. فالدكتورة مريم ورغما عن أنها إبنة السيد الصادق المهدي، وترعرعرت في كنف أبيها وفي محيط حزب الأمة وطائفة الأنصار، وأستفادت من هذه الأجواء سياسيا ومن إنتماءها لعائلة المهدي بصفة خاصة، أي ساهمت هذه المعينات في رفد تكوينها او نضجها السياسي المبكر بشكل او بآخر، ولأسباب تاريخية لا تخفي علي الجميع. إلا أن كل ذلك، لا ينال بأي قدر من إمكاناتها السياسية وقدراتها القيادية ومواقفها النضالية البطولية، التي إختبرها هذا النظام كثيرا. وكما شاهدها ووثق لوقائعها، كل متابع لمسيرتها السياسية الوطنية، متجرد لقول كلمة الحق، بعيدا عن زيغ الإختلاف وغمط الحقوق وبؤس الناكرين لقدر ومواقف وعظمة الرجال والنساء، في تاريخنا الوطني المشرف. الذي لم يبدأ بالإنقاذ ولن ينتهي بذهابها الي مزبلة التاريخ!
ولكن تظل أعظم المواقف وأنبلها، في ظروف جحيم الحكم الإستبدادي وجهالات العسكر وضلال الإيديولوجيات الخلاصية، وللمفارقة أجتمعت كل هذه المساوئ، في نظام الإنقاذ الحالي! الذي جمع الرزايا والبلايا والمصائب من كل حدب وصوب! وهذا ما يضيف للدكتورة مريم أبعاد أكثر شجاعة وإحترام ومكانة خاصة في الذاكرة الوطنية، بوصفها تتصدي لأكثر النظم عنفا وهمجية وإضرارا بمصالح المواطنين ودمارا متعمدا للبلاد( فالبوم لا ينعق إلا وسط الخراب وغربان الشؤُّم لا تنعب إلا وسط الجثث والركام!). وإذا نسينا للدكتورة مريم كل مواقفها البطولية والسياسية الوطنية! فكيف يمكن أن ننسي لها شجاعاتها، وهي تطل من شاشات الفضائيات أيام ثورة سبتمبر (الموعودة بالإكتمال) وهي تعلن بكل قوة وجسارة، عن إستخدام قوات الحكومة لغاز الأعصاب! المحرم دوليا ضد الأعداء، ناهيك عن أبناء الوطن العزل الأبرياء! وهي مسؤولة شخصيا عن هذا الإتهام، بصفتها طبيبة وعليمة بهذا الغاز وبآثاره علي المصابين! وهو قول وإتهام في تلك الأجواء، لا يعد بالذهب الي ما وراء الشمس فقط، ولكنه يمكن أن يصادر الأرواح ويهب الرقاب مجانا الي فك المقاصل! خاصة وهو يوجه ضد نظام مذعور عديم الرحمة، تتقاذفه أخطار الرحيل وهاوية المحاسبة العسيرة، ورهان المعادلات الصفرية او قانون عليا وعلي أعدائي! وهو موقف لم تتجل فيه شجاعتها وجسارتها فقط! ولكن أيضا موضوعيتها ومهارتها السياسية، وإنحيازها الصارخ لحقوق المواطنين في الكرامة والحرية والإنعتاق من ربق الإستبداد والعسكري الضال. وهي مواقف حق لم تكن في وجه سلطان جائر، كأعلي مراتب الجهاد المدني فحسب، ولكنها موجهة أيضا للخارج. أي ما يزيد النظام رعب وجنون وإنفلات عقال التظاهر بالحكمة من مراقده، وتاليا ردة فعل أكثر عدوانية وإجرام! ولكن هذه المواقف ليست بمستغربة، لمن رضعت الجسارة من معين حليب مهيرة، وتربت في حضن تراث الكنداكة وميراث الأنصار في روح الإقدام والفداء. فالدكتورة مريم، بمواقفها وأقوالها وأفعالها السياسية والوطنية، والتي تتقدمها روح مشبعة بطعم التضحية وصدق النضال والإنتماء. مثلت رمز حي ليس لصمود نساءنا فقط، ولكن لصمود كل الشعب، الذي إجتمع وتكثف حضورا في حضرة مواقف الدكتورة مريم. والتي أكدت بصمودها ومواقفها، أن جينات الجسارة والشجاعة تجري في دماءنا مجري الدم وتخترق خلايانا دونما إستئذان! وأنها ومهما تطاولت عليها بغاث الطير وأرازل البشر، وتأخرت مواسم إستجابتها لنداء الضمير وصوت الحق وعد الكرامة! فإنها لا محالة ستستجيب للحظة الخلاص، من ضيق الخوف ورهق المحن، الي وسع التحرر من قيود الذل والإستبداد، ومن ثم الإنظلاق في فضاء الحرية والكرامة والفداء! فالدكتورة مريم وقبلها المهندس إبراهيم الشيخ، بمواقفهما البطولية وعنادهما في وجه الطغيان والظلم. وكسرهما وهم القدرة المطلقة للطغاة، وعدم إنكسارهما لإغراءاته وإهاناته! أكد نوعية القيادات الحقيقية، التي تصقلها المحن ويزيدها الظلم والحصار والحرمان لمعان وتوهج. لتصبح منارات تستهدي بها الجموع، وهي تسلك دروب الإنعتاق والخلاص. وفي هذا الإتجاه، فقضية إعتقال الدكتورة مريم الجائرة والمهينة للجميع وللكرامة الوطنية، بقدر ما هي مهينة لحزب الأمة! وكذلك من قبلها قضية إعتقال المناضل الجسور إبراهيم الشيخ، التي مازال جرحها الوطني ينزف دما! تشكلان فرصة حقيقية لبناء شكل من التضامن وبناء حلف وطني، بين مختلف التشكيلات الوطنية. الرافضة لحقبة الإنقاذ، المُهينة ليس للإنسان فقط،
ولكن للسياسة والسلطة والقيم المجتمعية الإيجابية! والتي يستهدفها هذا الإعتقال ويمس كرامتها الوطنية بشكل أساس! فقضايا كهذه، غير أنها عادلة من كل الوجوه، والتصدي لها واجب في كل الأوقات، ومساعدة بطبعها علي بناء أنواع عدة من أشكال التضامن، او تشكيل جبهة وطنية لمناهضة الطغيان، الذي يفرز نماذج هذا الظلم كمرادف لوجوده! فإنه يصعب أن يعترض عليها فصيل أو معارض أصيل، او يستساغ تبريرها من قبل النظام! بمعني، أنها قضية جاهزة او تشكل هيكل مُعَدْ للبناء عليه، وصناعة أكبر جبهة تحالف وطني سلمي، يستهدف مرحليا تحرير الرهائن من معتقلات النظام، ومن ثم إستمرار هذا التحالف كأحد الأذرع الهامة والأساسية، لمواجهة النظام في سوح السياسة ومعركة الخلاص! وليس المقصود بهذه الجبهة او التحالف النظام تحديدا! ولكن المقصود بشكل أساس، هو إخراج الجماهير من حالات الإحباط والخوف المسيطر، وترك الساحة خالية ليمرح فيها النظام بفشله وفساده! أي المطلوب إقناع الجماهير بالمشاركة الإيجابية في الشأن العام او شأنها الخاص! والدفع بها للإنخراط في مشروع النضال والخلاص الوطني العام. بتوظيف قدراتها الذاتية في التنظيم والمواجهة، وتحرير طاقاتها النضالية والتضامنية البناءة. وعموما هي طاقات غير محدودة ومجربة تاريخيا وذاق مرارتها الطغاة! بتعبير آخر، آن الأوان لتنفض قضية الإعتقال التعسفي لرموزنا الوطنية، غبار الكسل واللامبالة عن كاهل جماهيرنا المظلومة في حقوقها، والمكلومة في مطالبها العادلة، والمجروحة في كرامتها الذاتية والوطنية! لكي تضع حدا لهذه المحنة المتطاولة من غير وجه حق. ومن ثم تشرع في بناء مصيرها وصناعة أقدارها من غير وصاية مستعلية وماكرة! وبكلام محدد، إن الأحداث والقضايا التي تشعل فتيل الإنتفاضة والثورات وإرادة التغيير والرفض، لهذا النظام التخريبي متوافرة، وتتكرر بإستمرار! وكل ما تحاتجه، هو الإلتقاط والتنظيم والتوظيف الأمثل للمعطيات، التي تتيحها هذه الفرص المجانية، التي داوم النظام علي منحها، بسبب عجزه البنيوي وإفلاسه السياسي والتنموي والأخلاقي! وذلك بالطبع بعد الإستفادة من التجارب السابقة، ومراجعة أسباب الفشل والإخفاق في كل مرة، حتي لأ نستمرئ تكرار نفس الأخطاء، ونتوقع نتائج مخالفة او وحصاد إنتصارات سهلة!
ولكن كما أسلفنا ليست هذه الحادثة وحدها مثلت نموذج للفرص الضائعة، سواء من قبل المعارضة الوطنية والتنظيمات المدنية بشكل أساس، او من قبل الجماهير بصفة عامة! وذلك يرجع الي أن العقل المعارض درب نفسه علي وقائع محددة للإعتراض والثورة، كمقتل مواطن او رفع الدعم عن السلع او غلاء المعيشة! وهي آليات أصبحت تجد الإستعداد المسبق من قبل النظام، الذي طور وسائل مكافحتها بسبب معرفة مساراتها، وتقطعها او عدم إستمراريتها مهما كانت حجم تضحياتها! نتيجة لكل ذلك، تشكل الجبهة الثورية أحد الفرص الهامة او المحطات الوطنية الفارقة، التي يجب إحسان إستثمارها والإستفادة من إمكاناتها لأقصي درجة، كمدخل للخلاص الوطني. حتي لا تلحق بتلك الفرص الضائعة، وتاليا وصول القضايا والمشاكل المتراكمة، لمدي أكثر تعقيد، وإستعصاء علي التجاوب مع أي حلول واقعية! أي مرحلة اللاحلول واللافرص للمعالجة او الخلاص! وهذا الفضل او المكانة المتقدمة التي تنالها الجبهة الثورية، يرجع الي أنها أكثر الكيانات الموجودة تأهيل لمواجهة النظام. ليس علي مستوي القوة الموجودة علي أرض الميدان او الطرح السياسي الناضج فقط! ولكن لعجز النظام عن تطوير آليات للسيطرة عليها او تدجينها وشراء قادتها، او عرقلتها بزرع الفرقة والخلاف بين مكوناتها، او توجيهها وفق مزاجه ومصالحه، أو حصارها وشغلها بقضايا إنصرافية! كما ظل يحدث للأحزاب التاريخية او الحركات الأخري الأقل جذرية، في النظر والتعامل مع هكذا نظام، يعتاش علي ضرب الآخرين وأزمات الوطن وعذابات المواطنين! بقول آخر، تمثل الجبهة الثورية فرصة للجماهير وللأحزاب المعارضة في نفس الوقت! أي كطاقة مستجدة ومتجددة في العمل المعارض، أي ما يمكن تشبيهها بقوة الشباب، التي يمكن أن تمنحها لهذه الأحزاب المعارضة، إن علي مستوي الفاعلية والجدية، او علي مستوي الإحترام المستحق من قبل الجماهير طوعيا و مفروض علي النظام قهريا! وهذا ما التقطه السيد الصادق المهدي بحسه السياسي ونظرته الواقعية.
وتاليا قدم الإتفاق معها، دفعة سياسية ومعنوية هائلة لحزب الأمة، وللسيد الصادق المهدي نفسه. الشئ الذي جعل هذا الموقف، يطغي علي أخطاء السيد الصادق المهدي السابقة، ويثقل ميزان حسناته الوطنية. مما يصح وصفه بحسن الخاتمة السياسية للسيد الصادق المهدي، إن لم ينقلب علي عقبيه، ويصر علي إحتلال مقعد القيادة كحق تاريخي وإرث عائلي مكتسب! ولكن إستجابة الأحزاب للتحالف مع الجبهة الثورية، لتشكيل جبهة وطنية عريضة متماسكة وموحدة، ومتفقة علي الأقل علي الحد الأدني، أي إزالة النظام وآثاره ورموزه، والذهاب لتأسيس الدولة الديمقراطية الراشدة. يتطلب بدوره من الجبهة الثورية، توسيع مواعين المشاركة في إتخاذ القرارات، وتبني الديمقراطية الحقيقية في النهج والممارسة، وإعلاء الجانب السياسي السلمي علي الجانب العسكري الميداني، أي خضوع العسكري للسياسي! والإهتمام الأكبر بالمستقبل وتأسيس أسس حديثة وعادلة للحكم، علي حساب الوصول الي السلطة كغاية حصرية! لأن مسلك كهذا الأخير، علمتنا التجارب المحلية والخارجية، أن عواقبه وخيمة، سواء آنيا في مواجهة النظام، او مستقبليا في طريقة التعاطي مع السلطة، وتحولها الي ساحة صراع خلافية وصفرية او عدمية! وتاليا فتح باب الإحتمالات علي مصرعيه، أمام عودة او إعادة إنتاج الدولة الفاشلة والنظام الإحتكاري! ومن ثم الدخول في الحلقة المفرغة، من إستبداد عسكري الي إستبداد مدني الي إستبداد مسلح!
وأخيرا، أكثر ما يشجع النظام علي الإصرار او إدمان الإستهانة والتلاعب بالمعارضة والمواطنين! هو ضعف ردة الفعل تجاه هذه الممارسات الخاطئة. والتي تتحول مع مرور الزمن الي حق للنظام، وواجب علي المعارضة والجمهور تقبلها، أي نفي(إخصاء) حق الإعتراض! وتاليا نقل المواطن المعارضة من خانة، الإحترام المشاركة التأثير! الي خانة السلبية التدجين الإستكانة! أي إستبدال دولة القانون والمواطنة والحقوق، بدولة الإذعان القهر وإلقاء الآخر! أي تردي الأوضاع من السيئ الي الأسوأ بإستمرار! والأسوأ من كل ذلك، تصوير النظام لأخطائه وفشله وفساده، كنوع من الإبداع الخلاق والجهد الخارق في إدارة البلاد! الذي لأ يستوجب الشكر فقط من الجماهير، ولكن يتطلب أكثر من ذلك، المن والتفضل علي الجماهير، كجزء من فضل الجهد الفائض علي الواجب!! أي إضافة الي مهانة العيش وسط بيئة الفشل والفساد، المطلوب أيضا، إنكارهما او التغاضي عنهما، بل الأفضل من ذلك، التسليم بقدرية النظام كأفضل ما يكون!!
آخر الكلام:
أكثر ما يعجبني في السيد الصادق المهدي، أنه منحنا إبنته الدكتورة مريم الصادق المهدي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.