بسم الله الرحمن الرحيم في صباح يوم الرابع عشر من شهر رمضان المنصرم ، وبينما كانت حركة المرور تسير بصورة طبيعية فوق كبري المك نمر وقف الطفل آدم 13 عام بجانب سور الكبري وهو يتكئ بساعديه علي السور وينظر خلفه الي السيارات التي تزغرد اطاراتها علي الشارع الاسفلتي . كان يري اقرانه من الاطفال مع ذويهم يطلون عبر نوافذ السيارات يرتدون ملابس نظيفة .......تكشف عن حمام دافئ وسرير ناعم ونوم هادئ ،تملأ ملامحهم بشريات افطار صباحي وكوب من الحليب ، وشئ من العصير الطازج . نظر اليهم آدم وهم يعبثون في حقائبهم المدرسية ويتبادلون القفشات مع اهلهم . هنا اطلق آدم زفرة حارة وتنهيدة عميقة حارقة ،لم تخفف من سخونتها اجواء الكبري ومياه النهر الباردة من تحته. عزم آدم امره وقرر انهاء حياته وصار يبحث حوله عن الموت ، اين ياتري يجده انه هناك داخل تلك المياه وهو ذاهب اليه الآن . وقف آدم علي السور وقذف بنفسه في مياه النهر. انقاذ الصغير في اللحظة التي قذف فيها آدم بنفسه في المياه كان هناك( م.ع ) شرطي يعمل بالنقل النهري يقف بالقرب من المكان فأسرع الي حيث سقط آدم وبحث عنه واسرع به الي خارج النهر بعد ان بذل مجهودا جبارا لأنقاذه، وقام من فوره بتسليمه لوحدة حماية الاسرة والطفل . والتي حولت الامر لوكيل نيابة الطفل فقام وكيل النيابة بأعادته تحت المادة (118 ) ليقوم ضابط الحماية بأرجاعه لوكيل النيابة مصححا الاجراء ليفتح بلاغ في مواجهته محاولة الانتحار،وتبدأ مأساة طفل لايملك سند ولاعضد في هذه الحياة . وطيلة هذه الجولات والمداولات والترحيل ظل آدم مكتئبا حزينا رافضا للأكل. تعذيب واغتصاب كان جسد الصغير يحمل آثار قيد حديدي علي قدميه كما كانت هناك آثار جلد وتعذيب علي اجزاء متفرقة من جسده، واغتصاب وحشي واعتداء جنسي متكرر مما أثر علي مؤخرته وادي الي وهن الانسجة العصبية بالمستقيم وضعف التحكم في الاخراج وترهل فتحة المستقيم واتساعها . كل هذا جعل آدم يرفض تناول الطعام بأستمرار حتي لايكون مضطرا للتبرز لأنه وفي المرات التي لم يتحكم فيها بالاخراج كان يتم غسله بالخرطوش في منتصف القسم تأففا من رائحته وكأنه كلب جربان او عربة نفايات. وكان الصغير يقف وهو يستقبل اندفاع الماء من الخرطوش علي جسده وهو يري نفسه كالمستجير من الرمضاء بالنار. وبعد هروبه من ذلك المكان الذي كان مقيدا فيه بتلك القيود الحديدية ( نتائج التحقيق تؤكد انها الخلوة) والذي تعرض فيه لعشرات المرات من الاعتداء الجنسي المتكرر . هاهو يقف الآن في دار الشرطة ويغسل كما تغسل عربة النفايات . كانت جميع المفاوضات تنتهي بالصغير آدم الي غرفة الحراسة ،فيعود جائعا كسيرا حزينا ويظل يطرق برأسه علي الحائط الخرصاني حتي يتعب ويتكوم فوق الارض. يغفو قليلا ثم لايلبث ان ينهض مفزوعا مرتعبا بعد ان تيقظه الكوابيس والاحلام المزعجة . ليصحو علي كابوس حياته وهو محبوس في الحراسة تطارده لحظات اغتصابه وتعذيبه فلايلبث ان يردد آيات من القرآن الكريم ويقول سامحني ياالله ....سامحني يا الله. تنصل الجميع وفي رحلته للبحث عن الراحة والسعادة ، وبعد فشل محاولته الانتحارية ، سارآدم كل الطرق التي لا تؤدي الي حقه في العيش بكرامة . بدا" من مستشفي الشرطة حيث عرض علي اللواء (فتحية شبو) اخصائي الطب النفسي والتي اكتفت بروشتة ادوية دون ادخاله المستشفي وتوفير بديل غذائي لرفضه الكامل للطعام ، ليتحرك من هناك آدم (فأر التجارب) وتقوم الوحدة بأرساله بخطاب الي دار الحماية لتأهيل الفتيان ليرفض مديرها استقباله متهما الوحدة بالتنصل عن مسؤلياتها . فتقوم من هناك الوحدة بتحويل الامر للمحكمة المختصة بالامتداد(محكمة الطفل) . فيطلب قاضي المحكمة رأيا طبيا حول الطفل ،فيتم تحويل آدم مرة اخري الي مستشفي (التجاني الماحي) والتي وحسب الاجراءات تطلب توريدمبلغ (750) جنيه رسوم لجنة طبية. ولأن الوحدة لاتملك المبلغ يعود الطفل لجدران حراسات الوحدة فتخاطب الوحدة مرة اخري دار (طيبة) لتأهيل الاطفال المشردين والتي يرفض مديرها استقبال الطفل ايضا ،فتستمر معاناته ويعود مرة اخري الي الحراسة. وقفة العيد في ليلة وقفة عيد الفطر المبارك وبعد مرور الاسبوعين منذ محاولته الانتحار استيقظ آدم من غفوته ولم يستيقظ من نومته فآدم منذ وصوله الوحدة لم ينعم بنوم عميق . استيقظ آدم ووقف بجسده النحيل وبشرته السمراء وهو ينظر من خلف الحاجز الحديدي الي حركة الناس في الخارج ، كان الجميع يتحركون في همة ونشاط لأستقبال عيد الفطر المبارك والتجهيز للحدث السعيد هنااغرورقت عينا آدم بالدموع فطفق يمسح بيديه المتعبتين ما علق بتلك العيون العسلية ويرسم في مخيلته لوحة العيدعند اقرانه. اليوم يحتفي الجميع بفرحة استقبال العيد،الاطفال في مثل عمره تملؤهم السعادة والسرور فقدحصلوا علي ملابس العيد الجديدة وعلي احذية جميلة وهاهم يسيرون بصحبة آبائهم الي صوالين الحلاقة للحصول علي قصة شعر حديثة تواكب وصول العيد السعيد. انهم يفردون مساحات الفرح ليوم حافل بالابتسامات ،والتهاني ،والنقود، ويبدأون بحشد الامنيات والعشم في عيدية مجزية من الاعمام والخيلان والاهل ، ويطرقون احلام اليقظة بصلاة العيد وجمع الحلوي و الكعك من طاولات الضيوف وتخبئته في جلباب العيد. كانت هذه بعض افرازات ذاكرة آدم لكنه اغلق عليها بالضبة والمفتاح وطرق' ماتبقي منها علي الحائط الخرساني ليوقف تدفقها. حينها توقف نزيف الذاكرة وقبع داخل تجويف رأسه الصغير وجلست ذاكرته القرفصاء وهي تعيد حياكة صور معاناته فتصنع (صديدا ودما" ). موت آدم غفا آدم غفوته الاخيرة دون ان توقظه ذاكرته مجددا ، غفا آدم غفوته تلك دون ان توقظه اصوات البوت العسكري وهو يطرق الارض معلنا احالته الي جهة جديدة تعلن تنصلها وبراءتها من التحاقه بها. غفا آدم وهو يردد كلمة الخلوة......الخلوة... ...الخلوة...وآيات من القرآن الكريم ، اغمض عينيه وهو يقول سامحني يا الله....سامحني يا الله. غفا آدم مودعا قانونا عقيم وطرق احالة بائسة ومجتمع ظالم ،غفا آدم وهو يسخر من قانون الطفل ومن القانون الجنائي ويستدعي الرقم 118 . غفا آدم وهو يقول وداعا"لكل الذين اشتركوا وشاركوا وشاهدوا وصمتوا وسمعوا ولم يحركوا ساكنا لتغيير وجهة الموت عنه. غفا آدم وحين جاء افراد الحرس لأيقاظه كان قد اسلم الروح لبارئها منذ اكثر من ساعتين . تقرير الطبيب الشرعي جاء تقرير الطبيب موت نتيجة تسمم صديدي لجروح علي رأسه ومات وبطنه خاوية من الطعام طوال 14يوم كما ان عليه آثار قيد حديدي في القدمين وآثار اعتداء جنسي متكرر ادي الي وهن في الانسجة العصبية بالمستقيم وضعف التحكم في الاخراج . وعزا الطبيب خوف الطفل من الاكل لخوفه من الاخراج غير المتحكم وقد دعم قوله افادات من داخل الوحدة التي اكدت انه رغم جوعه كان يخاف من الطعام ويجري منه بعيدا. لجنة تحقيق سقط هذا الطفل في النهر محاولا الانتحار يوم 14رمضان وتوفي يوم وقفة العيد وبعد وفاته بأسبوع عقدمؤتمر صحفي بالمجلس القومي لرعاية الطفولة ، كان الغرض من المؤتمر توضيح ملابسات الوفاة وطمأنة المشاركين بتكوين لجنة تحقيق. وكونت لجنة تحقيق اولي برئاسة ملازم اول ،ولم تنتهي الي شئ ثم كونت لجنة تحقيق ثانية وايضا لم تخرج بشئ ، واخيرا كونت لجنة تحقيق برئاسة عقيد دكتور معروف عنه الحسم والمتابعة وقدقام بجمع المستندات ومقابلة كل من قابل الطفل وتكرار المقابلة لدقة المعلومة ويتوقع ان يرفع تقريره في غضون الايام القادمة وهو تقرير مهم بمكان لأنه سيحدد اماكن القصور ومن هو المقصر. اخيرا: اكتب هذه السطور ومازالت جثة آدم مسجية داخل مشرحة الخرطوم ،آدم ذلك الطفل الذي لايعرف طعم الفرح كما لايعرف طعم البرتقال. [email protected]