اظهرت قيادات فاعلة في حزب البشير امتعاضها من التجاوزات الحزبية التي صاحبت قيام المؤتمر العام للحزب بمعرض الخرطوم بضاحية بري شرقي الخرطوم في الايام الفائتة. وانتقد نافذون في حزب البشير القفز فوق اللوائح التنظيمية، وذلك بعد ان تم تجاوز الضوابط التي تنظم عملية الترشيح والاقتراع داخل المؤتمر العام، وكل ذلك من اجل اعادة ترشيح البشير لولاية رئاسية جديدة، وهو ما ادى الى موجة من التذمر والسخط داخل حزب البشير. وعلمت (الراكوبة) ان علي عثمان طه قد باغت اعضاء المجلس القيادي لحزب البشير اثناء اجتماعهم لاختيار مرشح حزبهم في الانتخابات المقبلة، واقترح التمديد للبشير. وهو التصرف المفاجئ الذي اربك المنصة التي تدير عملية الترشيح، خاصة ان علي عثمان طه لم يكتفي بترشيح البشير كما جرت العادة في مثل هذه المواضيع، وانما قام بإلقاء خطبة مادحة للبشير، اثناء اجتماع المجلس القيادي، قال فيها إن الضرورة تحتم ان يتم التجديد للبشير، وان "الظرف الذي تمر به البلاد يفرض ان يستمر البشير في موقعه كرئيس للحزب ورئيس للدولة". وانتقد نافذون في حزب البشير، طريقة علي عثمان في ترشيح الرئيس، واعتبروا ان الخطبة التي ألقاها الرجل على مسامع اعضاء المجلس القيادي كان لها تاثير بالغ في تغيير قناعات الاعضاء، الذين كان كثيرون منهم يأملون في ان ينتهج المؤتمر الوطني طريق الاصلاح وتغيير القيادات. مشيرين الى انه كان ينبغي على "طه" ان يقوم بترشيح الرئيس ليترك الباب امام عضو آخر لتثنية مقترحه، وان تمضي اجراءات الترشيح بالطريقة التقليدية المعتادة. وشددوا على ان "طه" اسهم في تغيير قناعات الاعضاء التي كانت تميل الى تجديد القيادة، وتمكين الشباب. لكن قيادي بارز في حزب البشير اكد ل(الركوبة) ان علي عثمان طه اراد ان يقطع الطريق امام ترشح غريمه نافع علي نافع، الذي يجد دعما كبيرا في قطاعات واسعة من حزب البشير، كونه امضى اكثر من دورتين في موقع نائب رئيس الحزب للشؤون التنظيمية الحزبية. منوها الى ان "طه" تعمّد طرح البشير كمرشح للحيولة دون ترشيح نافع من قبل احد الاعضاء. وكشف القيادي البارز في حزب البشير ل(الراكوبة) ان نافع علي نافع يعتبر اكبر الرافضين للتجديد للبشير، وان علي عثمان حاول سد الطريق امام ترشح نافع حتى لا يفوز بمنصب رئيس الحزب، في ظل تراجع حظوظ على عثمان طه في الفوز بالمقعد. ولفت القيادي البارز الى ان نافع حصد المرتبة الثانية حينما احتكم اعضاء المجلس القيادي الى التصويت على مرشهم لمنصب الرئاسة، وجاء ثانيا بعد البشير، بينما حل بكري حسن صالح ثالثا يليه غندور ثم علي عثمان طه، مع ملاحظة ان التكهنات كانت تتجه كلها الى ان بكري حسن صالح سيكون المرشح الاوفر حظا بعد البشير، وسيكون الاول في حال قرر البشير عدم الترشح. وتمثلت المفاجأة في إحراز نافع علي نافع للمرتبة الثانية بعد البشير، على الرغم من انه كان خارج دائرة اتخاذ القرار في الحزب وفي الدولة، وذلك بعد تم تغييره بالبروفيسر ابراهيم غندور. وهو ما يعني ان النتيجة ستكون مختلفة حال كان الرجل في موقعه كمساعد للبشير في القصر، وكنائب له في الحزب. وتوقع القيادي البارز في حزب البشير ان تتسبب مخرجات ونتيجة المؤتمر العام للحزب الحاكم في حدوث سخط واحباط داخل قواعد وقادة الحزب، منوها الى ان إمكانية انشقاق بعض القادة المؤثرين تبقى واردة، وفي اسوأ الحالات فان قطاع كبير من قادة وقواعد الحزب سيذهبون الى الرصيف، بعد ان خابت آمالهم في الاصلاح وتغييير القادة وتجديد الدماء، بسبب التمديد للبشير. وصاحبت فعليات المؤتمر العام لحزب البشير حالات تململ وسخط كبيرة، تمظهرت في ما اشيع عن الغضب الذي اعترى القيادية التاريخية في حركة الاسلام السياسي السودانية الدكتورة سعاد الفاتح، التي تحسرت – وفقا لصحفيين تحدثوا للراكوبة – على سقوط شعار الاصلاح والتغيير داخل حزب البشير. وعلى ذات النحو جاء موقف عبد الله شيخ ادريس القيادي الشاب في حزب البشير، الذي كتب على صفحته بالفيسبوك ان دعاوى الاصلاح التي رفعها حزب المؤتمر الوطني، وتغيير القادة وتمكين الشباب، تم فضحها من خلال الممارسة التي جرت في المؤتمر العام للمؤتمر الوطني، وذلك بعد ان تم التجديد للبشير بصورة تُوحي وكأنما لا يوجد خليفة او بديل له. لكن المفأجاة الكبرى تمثلت في موقف الدكتور امين حسن عمر الذي يصنف ضمن صقور حزب البشير، ويُوصف بانه احد المقربين من الرئيس. وذلك بعد ان امطر الرجل صحف الخرطوم بوابل من التصريحات الناقدة والرافضة لترشيح البشير لولاية جديدة، سواء ان كان لرئاسة المؤتمر الوطني او لرئاسة الدولة. وكان امين حسن عمر قد انتقد بشدة، التمديد للبشير لولاية جديدة، واعتبر ان ذلك يُجافي اطروحة التغيير التي يرفعها الحزب، ويعوق مسيرة الحوار الوطني الذي ابتدره الرئيس نفسه، لان التمديد – بحسب امين – يُوحي الى الاحزاب التي قررت المشاركة في الحوار الوطني، بان الرئيس غير جاد، وانه طرح فكرة الوثبة لشراء الوقت فقط من اجل بلوغ مرحلة الانتخابات. وبالنظر الى حديث الدكتور امين القائل بان الاحزاب ستُحبط من مخرجات المؤتمر العام للمؤتمر الوطني، وتحديدا التجديد للبشير، نجد ان ذلك حادثٌ فعلا، اذ ان (حركة الاصلاح الآن) بزعامة الدكتور غازي صلاح الدين استخفت بالتمديد للبشير، وسخرت في بيان تلقته (الراكوبة) من استنساخ ذات التجربة وذات الاسماء داخل حزب البشير، وقال الحركة ان المخرجات كانت مخيبة للآمال، وانها ستزيد الازمة تعقيدا ولن تُسهم في حلها. ويتوقع المراقبون ان تشهد الايام المقبلة عراكا طاحنا بين تيارات المؤتمر الوطني، ومن الراجح جدا ان يقوم البشير بتصفية الحسابات مع تيار نافع علي نافع، بعد ان اظهر الرجل رغبة عارمة في عدم التجديد للرئيس، وعارض ذلك بصورة كبيرة، خصوصا اذا علمنا ان اول ما قاله البشير عقب اختياره مرشحا ورئيسا لحزب المؤتمر الوطني، هو تأكيده على انه لن يسمح بوجود تيارات داخل حزبه، وهذا يعني بجلاء ان الرجل اعد العدة لخوض معركة كسر العظم مع نافع علي نافع. واستنادا الى كل ذلك، رجّح مراقبون ان يعود علي عثمان محمد طه الى دائرة الفعل السياسي من جديد، وذلك بعد ان أظهر فروض الطاعة والولاء الكامل للبشير، بينما يتوقع كثيرون ان يتم التضييق على الدكتور امين حسن عمر الذي جهر بمواقف جلية ضد ترشيح البشير لولاية جديدة.