ما إن يخرج أحد قادة المؤتمر الوطني مغاضباً، حتى تتكشّف الحقائق المثيرة التي كانت مخفية عن الأنظار، وتُزاح الأغطية عن الأسرار الكبيرة الرابضة في الأقبية السرية للحزب الحاكم، لدرجة أن المؤتمر الوطني يُوشك أن يُصبح عارياً من كل صفة جميلة، بعدما نزع عنه أهله ورقة التوت التي كانت تدثّره، وبعد أن ظلت تنتاشه ألسنة الذين يغادرونه طائعين ومكرهين..! فما بين الفينة والأخرى ظلت تطفو إلى سطح الأحداث معلومات مهمة، وغاية في الخطورة، عن خبايا التنظيم المتناسل من رحم الجبهة الإسلامية القومية، التي صعدت إلى السلطة من خلال انقلاب عسكري ليلة 1989م. ومع تزايد أفواج المغادرين من المؤتمر الوطني، تتصاعد نسبةُ الكشف عن المعلومات السرية التي ينطوي عليها أداء الحزب الحاكم، إلى أن بلغت مراحل متقدمة، أكدت بجلاء أن المؤتمر الوطني يرضع من ثدي الدولة بصورة منتظمة، وهذه المعلومة الخطيرة اتفق حولها كل من خرجوا عن المؤتمر الوطني– مؤخرًا - إلى براحات أخرى. انظر إلى القيادي السابق في الحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني حسن عثمان رزق تجد أنه جزم بقسمٍ مغلظ، أن أنشطة المؤتمر الوطني يتم تمويلها من المال العام. بل إن "رزق" الذي يُقال إنه قام بتجنيد البشير إلى الحركة الإسلامية، قطع بأن الحزب الحاكم لا يتحصل أيما رسوم من عضويته. وقال إنه طوال وجوده داخل الحزب لم يدفع – أو يُطلب منه - أن يدفع رسوماً شهرية، على النحو الذي يحدث في الأحزاب العريقة التي تمول أنشطتها من اشتراكات العضوية..! اللافت أن القيادي السابق في حزب المؤتمر الوطني مبارك الكودة، جاء ماشياً على ذات النهج والمنوال الذي مضى إليه حسن عثمان رزق. وأبعد من ذلك، فقد أثبت الكودة الذي كان يتسنم منصب معتمد الخرطوم أن الحزب الحاكم يستحلب الدعم من أثداء الحكومة..! صحيح أن إفادة حسن عثمان رزق حول تجيير أموال الدولة والمواطن السوداني، لصالح أنشطة المؤتمر الوطني، تقبل الأخذ والرد. كونها لم تحفل بأدلة مادية قاطعة، لكن الحديث الصادم الذي أدلى به مبارك الكودة في حواره مع (الصيحة) أمس، يصل لمرحلة الحقيقة الراسخة، غير القابلة للتحوير أو التشكيك. فقد قال الكودة في اعتراف نادر، إنه "كان يموّل أنشطة المؤتمر الوطني من مال الدولة، وأنه لم يدفع أي اشتراك شهري طوال وجوده داخل الحزب". ولا أعتقد أنه سيأتي من يُزايد على شهادة الكودة، إذ أن الاعتراف سيد الأدلة. وهذا يعني أن دافع الضرائب السوداني يستقطع من حر ماله لتسيير نشاط المؤتمر الوطني، مع أن غالبية أنشطته – إن لم تكن كلها – تأتي ضد المواطن، وإنها لمصلحة أفراد وشرذمة قليلة أو "نفرين تلاتة" يتحكمون في مصائر ومفاصل الدولة، كما قال النائب السابق لرئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه، يوم أن مارس نقداً ذاتيًا، ويوم أن جلد ذاته التنظيمية والسياسية. صحيفة (الصيحة)