بعد 6 عقود هي عمر الزمن الذي تحقق فيه الإستقلال، ولكي لاينغلق الفكر علي ذاته – في زمن الانقاذ في السودان – وحتي لا يتصل النقاش بالخوض في سجالات عقيمة، انطلاقاً من الثنائيات المستهلكة: علمانيون المشروع الحضاري هو الحل.. الخ، يمكن للنقاش أن ينفتح علي الوقائع التي تتشكل منها الأوضاع السياسية والاجتماعية في سودان اليوم بحيث يؤخذ في الإعتبار السؤال: لماذا تدهورت الأوضاع خلال ربع قرن مضي عما كانت عليه قبله. من الأمثلة الحية علي ذلك ما يدور حولنا من سجالات ونقاشات وما تشهده أجهزة الإعلام والبرامج والندوات التلفزيونية أو صفحات الصحف التي تدفعها الانقاذ وتخصصها لتلك الأغراض هنا نحدد سؤال معيناً هو: لماذا تدهور الوعي الجماهيري أكثر مما كان عليه قبل الانقاذ؟ لابد هنا أيضاً أن نسجل أن الوعي بمفهومه العام هو قدرة الإنسان علي استيعاب الحقائق والأحداث من حوله، وهو يندرج في قائمة المعايير الأساسية التي تحدد درجة تفاعل العقل مع معطيات البيئة والمجتمع، وتتأرجح حرارة هذا التفاعل بين الحرارة والبرودة تبعاً لما تفرضه الدعاية الرسمية وعلي ما تبثه أجهزة الإعلام. فاذا كان المشاهد لايري عبر التلفزيون سوي الخضرة الزاهية والمروج الخضر والجرارات والحاصدات والآليات التي تنم عن خير وفير في الإنتاج وفي المحاصيل الغذائية والحيوانات المعدة للتصدير مقرونة بتقارير رسمية وصحفية وعلي ألسنة معلقين لا يرددون سوي أن العيشة ملبن بل عسل مصفي وأن الجنة تحت أقدام الإنقاذ وهلم جرا. فمن أين للوعي الجماهيري أن يرتقي إلي المستوي المطلوب عن الحقيقة التي يعايشها الناس وتخضع لتقديراتهم دون زيف أو غموض فتنهض أسئلة كثيرة: إذا كانت الأوضاع كما نشاهدها فلماذا نحن في هذا الضيق وضنك الحياة ومهما كان من تأثير لهذه الدعاية علي المواطن البسيط الذي يعيش أحواله بما يحسه ويعانيه، فان الذي لاشك فيه أن للجهاز الإعلامي وبكل منتوجاته المقروءة والمسموعة دوراً حساساً وخطيراً سواء في الارتقاء بالوعي أو الهبوط به. وهو ما يعطي لنظام الحكم – أي حكم – شهادة كفاءته وحسن قيادته، أو الهبوط به حتي يبلغ نقطة الحضيض. هنا ترتفع أيضاً الأسئلة: لماذا الغلاء الطاحن والجوع والفقر والمرض الملازم لحياة الناس. وتبقي الحقيقة بأن الوعي يرتبط بقوة مع حرية الإنسان، وحين ينعدم الوعي أو يكاد، فان الإستقلال الذاتي يغدو مفقوداً فيقود الإنسان لمرحلة الضياع والغربة.