وساطة الفريق اول ابراهيم سليمان: هل تكرار لذات السيناريو    شاهد بالفيديو.. ياسر العطا يقطع بعدم العودة للتفاوض إلا بالالتزام بمخرجات منبر جدة ويقول لعقار "تمام سيادة نائب الرئيس جيشك جاهز"    عقار يشدد على ضرورة توفير إحتياطي البترول والكهرباء    ريال مدريد الإسباني بطل أوروبا    ريال مدريد يهزم دورتموند الألماني ويصطاد النجمة 15    (زعيم آسيا يغرد خارج السرب)    القبض على بلوغر مصرية بتهمة بث فيديوهات خادشة للحياء    القبض على بلوغر مصرية بتهمة بث فيديوهات خادشة للحياء    داخل غرفتها.. شاهد أول صورة ل بطلة إعلان دقوا الشماسي من شهر العسل    قنصل السودان بأسوان يقرع جرس بدء امتحانات الشهادة الابتدائية    المريخ يتدرب على اللمسة الواحدة    إعلان قائمة المنتخب لمباراتي موريتانيا وجنوب السودان    شاهد بالفيديو.. مواطن سوداني ينطق اسم فريقه المفضل بوروسيا درتموند بطريقة مضحكة ويتوقع فوزه على الريال في نهائي الأبطال: (بروت دونتمند لو ما شال الكأس معناها البلد دي انتهت)    بدء الضخ التجريبي لمحطة مياه المنارة    منظمات دولية تحذر من تفشي المجاعة في السودان    بعد الإدانة التاريخية لترامب.. نجمة الأفلام الإباحية لم تنبس ببنت شفة    صلاح ينضم لمنتخب مصر تحت قيادة التوأمين    شاهد بالفيديو.. وسط سخرية كبيرة من الجمهور.. أحد أفراد الدعم السريع يظهر وهو يغني أغنية "هندية" ومتابعون: (أغنية أم قرون مالها عيبها لي)    شاهد.. زوج نجمة السوشيال ميديا أمنية شهلي يتغزل فيها بلقطة من داخل الطائرة: (بريده براها ترتاح روحى كل ما أطراها ست البيت)    بعد الإدانة التاريخية.. هل يستطيع ترامب العفو عن نفسه إذا نجح بالانتخابات؟    أسعار الأدوية في مصر.. المصنعون يطلبون زيادة عاجلة ل700 صنف    شاهد بالفيديو.. شباب سودانيون يقدمون فواصل من الرقص "الفاضح" خلال حفل أحيته مطربة سودانية داخل إحدى الشقق ومتابعون: (خجلنا ليكم والله ليها حق الحرب تجينا وما تنتهي)    مسؤول سوداني يكشف معلومات بشأن القاعدة الروسية في البحر الأحمر    "إلى دبي".. تقرير يكشف "تهريب أطنان من الذهب الأفريقي" وردّ إماراتي    دفعة مالية سعودية ضخمة لشركة ذكاء اصطناعي صينية.. ومصدر يكشف السبب    في بورتسودان هذه الأيام أطلت ظاهرة استئجار الشقق بواسطة الشركات!    محمد صبحي: مهموم بالفن واستعد لعمل مسرحي جديد    فيصل محمد صالح يكتب: مؤتمر «تقدم»… آمال وتحديات    السعودية "تختبر" اهتمام العالم باقتصادها بطرح أسهم في أرامكو    ميتروفيتش والحظ يهزمان رونالدو مجددا    السعودية تتجه لجمع نحو 13 مليار دولار من بيع جديد لأسهم في أرامكو    خطاب مرتقب لبايدن بشأن الشرق الأوسط    مذكرة تفاهم بين النيل الازرق والشركة السودانية للمناطق والاسواق الحرة    سنار.. إبادة كريمات وحبوب زيادة الوزن وشباك صيد الأسماك وكميات من الصمغ العربي    السودان.. القبض على"المتّهم المتخصص"    قوات الدفاع المدني ولاية البحر الأحمر تسيطر على حريق في الخط الناقل بأربعات – صورة    دراسة "مرعبة".. طفل من كل 8 في العالم ضحية "مواد إباحية"    الأجهزة الأمنية تكثف جهودها لكشف ملابسات العثور على جثة سوداني في الطريق الصحراوي ب قنا    ماذا بعد سدادها 8 ملايين جنيه" .. شيرين عبد الوهاب    نجل نتانياهو ينشر فيديو تهديد بانقلاب عسكري    الغرب والإنسانية المتوحشة    رسالة ..إلى أهل السودان    شركة الكهرباء تهدد مركز أمراض وغسيل الكلى في بورتسودان بقطع التيار الكهربائي بسبب تراكم الديون    من هو الأعمى؟!    اليوم العالمي للشاي.. فوائد صحية وتراث ثقافي    حكم الترحم على من اشتهر بالتشبه بالنساء وجاهر بذلك    متغيرات جديدة تهدد ب"موجة كورونا صيفية"    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د/ تيسير محمد علي يفجر المفاجآت ل (حريات)
نشر في حريات يوم 28 - 02 - 2013

المجلس العسكري لم يكن مخططاً له خلال انتفاضة أبريل وهذا هو دور الجزولي دفع الله وحسين أبو صالح.
رئيس حزب الأمة تجاهل دعوة قرنق للسلام وقوله ” لو تقدمتم خطوة سنتقدم خطوتين
البيانات الثورية والاجتماعات الأممية لا تغني عن التنظيم والعمل على الأرض مع الجماهير
( حريات)
كشف مدير مركز ” بناء السلام في القرن الأفريقي” والقيادي السابق في ” قوات التحالف السودانية/ التحالف الوطني السوداني بروفيسور تيسير محمد أحمد علي في حوار مع ” حريات” عن تفاصيل جديدة عن تواطوء
رئيس المجلس العسكري الانتقالي المشير عبد الرحمن سوار الدهب ورئس وزراء الفترة الانتقالية عقب انتفاضة أبريل 1986 الجزولي دفع الله في اجهاض الانتفاضة الشعبية، فيما فجر علي مفاجآت عن موقف رئيس حزب الأمة القومي خلال لقائه مع رئيس الحركة الشعبية في ذات الفترة وتردد الحكومة في تحقيق السلام بعد أن أعلن قرنق موقفاً أقرب منه للمبادرة بقوله ” إن تقدمتم خطوة سنتقدم نحن خطوتين” في إشارة إلى رغبته في تحقيق السلام؛ إلا أن رئيس حزب الأمة تجاهل الموقف ” إلى ذلك حذر علي من تكرار تجربة الصومال ورواندا في السودان حال فشل السودانيين في الاتفاق حول مشروع وطني يخرج البلاد من الأزمة، ووجه انتقادات للحركات المسلحة والجبهة الثورية السودانية في طريقة عملها السياسي وعجزها عن استثمار انتصاراتها لصالح الاستقرار والسلام” وإلى تفاصيل الحوار
أين أنت الآن؟. لقد غبت طويلاً عن المسرح العام، والمشهد السياسي بالتحديد؟
- مازلت مثل الآلاف من اهل بلادنا اعايش الاغتراب القسري بدلاً عن التشيؤ بداخل الوطن. أي مسرح عام تقصد؟. فقد تمت مصادره مساحات العمل العام بعد اختطاف الحكومة وكافة مؤسسات الدولة والتي علي مدي سنوات “التمكين” تم تجريدها من هويتها القومية لتصبح ضيعة حزبية تتسم بكل انواع الفساد والعنصرية والظلم.
لم اختفي ولكن لا استسيغ المشاركة “الديكورية” والتي تفرغ العمل العام من مضامينه النضالية وتقلصه إلي تبعية أو علاقات عمل مدفوع الأجر من قبل حزب معين وسدنته وزبانيته. أحوال هي اشبه بالغيبوبة بعد أن تولي الجهاز السياسي وإعلامه مهام تغييب المنطق وتحكيم العقل. ومثال ذلك مرحلة ما بعد نيفاشا، والإصرار المريب علي عدم الاجتهاد لجعل “الوحدة جاذبة” وما تلاها من تعتيم منظم علي التبعات الطبيعية للانفصال والزلزال السياسي الذي ضرب الوطن ومزق أرضه وقلص سيادته وبخس مكانته فأسموه بكل بساطة “الجمهورية الثانية”. كذلك قضية النهب المنظم لكافة ثروات وموارد البلاد والتدمير المذهل لمؤسسات الدولة الوطنية ليس فقط التعليمية والصحية والخدمية أو الأجهزة السيادية من خدمة مدنية وجيش وامن وشرطة وانما ايضاً الخطوط البحرية والجوية والسكة حديد والتي جميعها اصبحت اثر بعد عين. ومازال ذات الجهد متواصل لتدمير ما تبقي من الوطن وتشهد علي ذلك الماسي المتتابعة بدرجات متفاوتة علي المدار المتبقي للهامش السوداني في دارفور، جبال النوبة، النيل الازرق، شرق السودان والشمال القصي.
لكن غيابك الطويل عن العمل السياسي المباشر يوحي على انك اعتزلت السياسة؟
لم أعتبر نفسي سياسياً في يوم من الأيام، ولكن مثل العديد من أبناء وبنات جيلي انزعجنا بقضايا المجاعة في دارفور في منتصف الثمانينات واثارقوانين سبتمبر والحرب الأهلية الثانية فتنادينا للدفاع عن المصلحة الوطنية، وجرتنا هذه الظروف لساحات العمل العام. بعدها حتمت علينا تطورات الأحداث البقاء خارج أرض الوطن، ومتابعة ظروفه والدفاع عن مصالحه الوطنية في أي موقع، أو مكان تواجدنا به. علي كلٍ، السياسية عندي ليست عملية “اكل عيش”وارتزاق بقدرما هي رؤى ومواقف ومفاهيم وقناعات تبقى مع الإنسان أينما ما كان.
* من خلال تجربتكم الأكاديمية والعملية و السياسية مع التجمع النقابي ومبادرات كوكادام منذ 1986 كيف تري آفاق السلام التي تلوح في السودان؟ هل تتوقعون سلام في الأفق القريب؟. وما هي مؤشرات ذلك ” في الحالتين”؟.
- قبل الدخول في حديث التوقعات دعني أوضح واحدة من أولي الدروس التي تعلمتها من قضايا السلام في السودان عبر الثلاثين عاما الماضية من العمل العام. بأختصار، وبالرغم من ما هو معلوم أن لكل موقف ثمن واستحقاقات. لكن، يبدو اننا في السودان اثبتنا مقدرة تاريخية علي تحمل ودفع فاتورة الحرب من موت ودمار وضياع فرص التنمية والتقدم ولكن وللأسف لم تظهر حكوماتنا المتعاقبة أدني استعداد لدفع استحقاقات السلام وكأنما يريدون لنا أن نعتقد أن السلام يتحقق من ذات نفسه، او يتنزل من السماء بالدعاء وجهد الأجاويد فقط. بينما واقع الأمر للسلام ثمن تماما كما للحرب، غير أن استحقاقاته أقل وبالتاكيد اهون، اذ أنها لا تتعدي قبول واحترام بعضنا البعض (لآ أكثر ولا أقل). بالاضافة الي ذلك، السلام والاستقرار لا يتحققان في فراغ، هناك بديهيات وأسس لابد من تواجدها. في المقام الأول هل هنالك مشروع وطني سوداني؟ وذلك يتطلب أن تتوافق كافة القوي في الساحة الوطنية من سياسين ونقابين ونشطاء مجتمع مدني وشباب وطلاب وقوي اقتصادية منتجة ومفكرين ومبدعين في المجالات المختلفة علي رؤي وتوجهات عامة لاسس الحكم وهوية ومستقبل البلاد خلال اربع او خمس عقود قادمة. هذا امر مختلف تماماًعن وضع دستور او برنامج سياسي للدولة او الاحزاب والتي اصلاً جميعها تتفرع من المشروع الوطني والذي هو أقرب لاطار عام وخارطة طريق لنوع وملامح المستقبل الذي نريده لبلادنا، والذي من بعده تصبح أساليب الوصول اليه أسس برامج الأحزاب المختلفة حسب الاستراتيجيات والتاكتيكات التي تراها. ولعل غياب هذا المشروع الأساسي هو الأمر الذي عناه دكتور جون قرنق بمقولته الشهيرة،”السودان مازال يبحث عن روحه وذاته”.
هذة قضايا مفصلية وفي غيابها ستستمر حالة التوهان الذي نعايشه منذ الاستقلال قبل ست عقود وتبقي بلادنا كالزورق الفاقد دفته ويجدف ركابه في اتجاهات معاكسة ويتفاقم تخبط الدولة وتدهور أوضاعها السياسية والاقتصادية وتجرف مجتمعاتها دوامات الصراعات الدموية، كما هو حالنا الان.
*برغم كل هذا الحديث النظري إلا أن جيلكم ليس بريئاً من ما حصل للبلاد من تفكك وانهيار؟ ما رأيكم في هذا الاتهام؟
- بالتأكيد علينا جزء من المسؤولية، ولا أبرئ جيلي من الاتهام لكن، لا بد من الوقوف عند نقاط محددة، أولاً الحديث عن جيل بأكمله فيه خطورة لأننا لسنا تنظيماً سياسياً ولم تجمعنا رؤى موحدة، لكن هناك العديد من أبناء وبنات جيلي انخرطوا في التنظيمات الموجودة بيسارها ويمينها، وأنا لا استطيع أن أتحدث عنهم أو باسمهم، لكن حديثي كان يرمز للأعداد الكبيرة التي توافقت على ضرورة انجاز مشروع للتغيير من أجل مستقبل أفضل، يكون أساس لمشروع وطني سوداني، والعديد من هؤلاء، انخرطوا في العمل العام عندما تفاقمت أزمات نظام مايو، وبدأت الأشكالات الاقتصادية، والصراعات المسلحة، وتفاقمت الأوضاع في هامش السودان غربا وجنوبا وشرقاً ، وأعداد مننا تفهمت خطورة الموقف واستمرار تدهور الأوضاع بذلك الشكل وبذات المنوال، وقد تلاقت تلك المجموعات في منتصف الثمانينات بساحات الاعداد لانتفاضة أبريل 1985. لكن وبالرغم من هذا الوعي المتنامي والمتقدم، والمشاركة الفاعة في عملية التغيير واسقاط نظام مايو، إلا أنني أؤمن أن جيلنا تعامل مع الأوضاع بمثالية غير منطقية، وبحكم تدريبنا وانتمائنا المهني اعتقدنا أن السياسيين في الأحزاب المختلفة بتجربتهم وتفرغهم، هم أقدر من القوي النقابية والمهنية علي ممارسة العمل العام وأن واجبنا الوطني يتطلب عودتنا إلى مواقعنا التي أهلنا لها دافع الضرائب السوداني بتوفيره للبعثات وفرص التأهيل العلمي والأكاديمي. لكن ألان وبفضل النظر إلى الماضي تبدو هذه سذاجة سياسية. الخطأ الثاني، وعلى الرغم من قناعة القوي النقابية والمهنية بخطورة الحرب الأهلية علي مستقبل البلد، وأهمية عدم تركها للجيش والسياسيين وحدهم لإن آثار الحرب المدمرة سيدفع فاتورتها كل سوداني بغض النظر عن موقعه ومكانه، وهي الرؤية التي ادت لمبادرة كوكادام للتجمع النقابي وذاك المشوار الطويل الذي نجحت فية تلك القوى بناء جسور قوية وحقيقية من الثقة مع قوى الهامش، وعلى رأسها الحركة الشعبية لتحرير السودان، مما شجع قوى الانتفاضة أيضاً علي حث الاحزاب للتفاوض. وللأسف، ذات الخطوة سمحت تلك القوى للسياسيين أن يسحبوا ملف السلام والتفاوض من الساحات الواسعة للعمل العام إلى الغرف المغلقة والموازنات الحزبية، والصفقات، أعتقد أن ذلك كان خطأ فادحاً، وكان الأجدر بقوى التغيير ممثلة في التجمع النقابي والمهنيين والشباب والطلاب والقوى المنتجة في المجتمع السوداني أن تصر علي حفظ ملف السلام في وسط ساحات العمل العام، وان تجعله متاحاً للنقاش بشفافية عبر الأعلام وقنوات التواصل بكافة أشكالها من ندوات وتظاهرات. وبذلك كان من الممكن أن يتشكل رأي عام عريض وقوي مساند للسلام، يعرف تفاصيل القضايا، ويعمل لما فيه المصلحة الوطنية، لا مصلحة فئة معينة أو حزب معين، أو مجموعة عرقية أو دينية معينة. وفي إعتقادي ، لو أن النقابات ومنظمات المجتمع المدني والطلاب وكافة فصائل قوى التغيير تملكت ملف السلام كانت الأمور أخذت مسارا مختلفاً تماماً، وما كانت الحرب الأهلية انتظرت حتى نيفاشا 2005. ومن ذلك الدرس، ولتفادي تكرار ذات الخطأ من الضرورة بمكان الآن العمل على تمليك الجماهير تفاصيل قضايا الحرب والسلام، وخلق رأي عام يدري الحقائق، حتى لا ينخدع بالبيانات الرنانة، والادعاءات الفارغة والحوارات خلف ابواب مغلقة وترك ملفات القضايا في ايدي خارجية عاجزة عن ادراك ديناميكية اوتعقيدات مجتمعاتنا الوطنية.
من وجهة نظركم، ومن خلال علاقتكم بملف السلام في الفترة الديمقراطية، هل تقع المسؤولية على القوى السياسية وحدها، وهل لمستم عدم جدية من القوى الحاكمة،؟ ثم ما هي الضمانات في قبول الطرف الآخر ” الحركة الشعبية ” للسلام، والتوقيع لاتفاق كان يمكن انهاء الحرب، ؟ ربما كان يناور بغرض العلاقات العامة؟.
- هذه افترضات منطقية، ولا يعلم الا الله خفايا الصدور والعقول، ولا أعتقد من المفيد الدخول هنا في حاله بكاء على لبن مسكوب، أو اطلاق العنان للخيال بتوقع لو حدث امر كان يمكن أن يودي الي نتائج مغايرة،.أنا أفضل الحديث عن أمثلة محددة، وتجارب بعينها، وأترك الحكم للقراء، بعد الإنتخابات التي جرت في نهاية فترة حكومة الدكتور الجزولي دفع الله الانتقالية، تم لقاء تحدثت عنه وسائل الإعلام المحلية والاقليمية كثيراً ضم اكبر قيادات حزب الأمة والحركة الشعبية في أديس أبابا على هامش المؤتمر الرئاسي الدوري لمنظمة الوحدة الأفريقية آنذاك، وبعد تجاوز كل التعقيدات التي أحاطت بقيام الإجتماع، والذي استمر قرابة العشر ساعات، حضرته، كشاهد محايد، حسب رغبة الحركة الشعبية ، إضافةً إلى الصفة الأخرى كمنسق ملف السلام للتجمع النقابي، وعلى الرغم من الساعات الطويلة التي استغرقها الاجتماع والتغطية الصحفية عن الصعوبات المحيطة بقيامه، ثم حدوثه إلا أن أحداً لم يتحدث عن محتوى الإجتماع، وأهم مناحيه، ولعل السبب يرجع إلى نقطتين أولها؛ أن الاجتماع لم يوفق في الوصول إلى نتائج واضحة ومحددة، كذلك فإن السيد رئيس حزب الأمة آنذاك، أصر على جمع المحاضر والصور والأفلام، حتى تلك التي قامت بتسجيلها جهازي الأذاعة والتلفزيون القومي. ولعل قيادة مجلس التجمع النقابي تذكر تفاصيل التقرير الوافي الذي رفعته لهم، وتضمن في تفاصيل ما سردتة موقفاً حيرني حينها وما زال عالقاً بذهني ويحيرني حتى اليوم، فقداتسم الحوار في بداية اللقاء بمشاركة كافة أعضاء الوفدين، ثم تحول تدريجياً إلى جدل بين رؤساء الوفدين، وفي جزء جاء بعد حوالي ما يقارب الثلاث ساعات، بادر رئيس الحركة الشعبية بالتصريح ( إن ما يجري في ميدان المعارك في مجمله مجازر، فنحن ندمر بعضنا البعض، ونهدر دما سودانيا، ونحطم بلادنا، يا سيدي الرئيس ” مخاطباً رئيس حزب الأمة” إن تقدمت خطوة سنتقدم نحن في الحركة الشعبية خطوتين) وسادت حالة من الترقب للرد، والذي لم يجئ إطلاقاً، وإنما تطرق رئيس حزب الأمة لموضوعاً آخراً تماماً. وبحكم موقفي كشاهد، ما كان يحق لي المشاركة في النقاش، إلا أنني اعتقدت حقيقةً أن السيد رئيس حزب الأمة لم ينتبه للكلمات التي طرحها رئيس الحركة الشعبية، فانتهزت فرصة أني شاهد يمثل جهة محايدة ” التجمع النقابي” وبعلم الرئيسين كنت أسجل محضر للنقاش لرفع تقرير للجهة المعنية، فخاطبت رئيس الحركة الشعبية مدعياً أسفي لعدم التقاطي آخر كلماتة، فكرر نفس الحديث، ومرة أخرى تم التعامل مع هذا التساؤل بتجاهل تام. والأكثر إيلاماً، أن تكرر ذات التساؤل بشكلين مختلفين مرتين اضافيتين، وفي كل الحالات لم يتغير التجاهل. بسرد هذه الأمثلة، أذكر الحقيقة المجردة كما عشتها، وأترك الحكم للقراء. وبالطبع قد يتساءل البعض لماذا الصمت عن هذه الملاحظات، في ذلك الحين، قد يكون من الاسباب اننا كنا في بدايات مشوار السلام، وكان الأمل حينها، ان يتغير التعامل بعد خطوات بناء الثقة والمزيد من الحوار، ولكن بالطبع ذلك لم يحدث. بالطبع بهذه الرواية لا يمكن الحكم لمصلحة طرف أو ضد طرف آخر، وكل الذي ترمز إليه هذه الواقعة، أن أي طرف لم يضع الطرف الثاني موضع الاختبار الحقيقي، لأن النقاش لم يصل نهاياته المنطقية، فكان أقرب إلى حوارات الفرص الضائعة، ولكل طرف حساباته، وكنا نتوقع أن القوى الحزبية ستنهز فرص بالونات الاختبار، ولو اعتبرنا ان حديث رئيس الحركة الشعبية بالونة اختبار كان يجب التحقق من إن كانت مناورة او موقف صادق.
كان للنقابات دور كبير في انجاح انتفاضة أبريل 1985، هل يمكن لها الآن أن تقوم بذات الدور لأسقاط نظام البشير؟.
- بالتأكيد ان النقابات لعبت دوراً طليعيا في انجاح الانتفاضة، وهناك مواقف كثيرة أكدت أن القواعد كانت أكثر ثورية من القيادات. مثلاً؛ كان هناك اصرار من القواعد النقابية للاستمرار في الإضراب العام لحين انجاز مطالب القوى النقابية والمهنية، بالتحديد النقابات في بورتسودان رفضت رفع الإضراب العام قبل حل جهاز الأمن، كما انها رفضت قيام المجلس العسكري. والحقيقة التاريخية أن المجلس العسكري الانتقالي لم يكن مخططا له، وكان الاتفاق أن قيادة الجيش تسلم السلطة بمجرد اتفاق التجمع الوطني الحزبي مع التجمع النقابي على تشكيل حكومة، ذلك هو المسار المتفق عليه للاحداث، إلا أن الدكتور حسين أبو صالح، والذي فيما بعد أصبح وزير خارجية الانقاذ بعد سنين لاحقة، والدكتور جزولي دفع الله، والذي أصبح لاحقا رئيس منظمة الاغاثة الاسلامية، حينما حملتهم الجماهير على الأعناق من سجن كوبر وحضروا إلى نادي أساتذة جامعة الخرطوم حيث كان يعقد اجتماع تمهيدي بين لجان ظل التجمع النقابي وقيادات حزب الأمة برئاسة الدكتور المرحوم عمر نور الدائم والحزب الاتحادي برئاسة سيد أحمد الحسين، وابراهيم حمد، وممثلين من الحزب الشيوعي السوداني، قاطع جزولي وأبو صالح الاجتماع، وباستفزاز شديد وجهوا حديثهم إلى للجان الظل، متسائلين عن سبب جلوسهم مع حزبيين شاركوا نظام نميري وكانوا يتفرجون على الانتفاضة، و للاسف؛ انطلت الحيلة الاستقزازية علي القيادات الحزبية الذين استجابوا سلباً وانسحبوا من الاجتماع. وبالتالي، لم يذهب وفد مشترك للقيادة العامة للقوات المسلحة، إنما تحرك وفدان منفصلان للأحزاب والنقابات مؤكدين فشلهما في الجلوس مع بعض، وجاء رد قيادة القوات لاحقاً بأن البلد تحف بها مخاطر داخلية وخارجية، مما يستدعي بالضرورة تكوين المجلس العسكري الانتقالي. وهكذا نجحت الجبهة الاسلامية القومية في اجهاض الثورة قبل بداية الفترة الانتقالية .
- العساكر تحدثوا عن مخاطر تحاصر البلد، وكان النقابيون واثقين من قوتهم وموقفهم الجماهيري، فلم يتصوروا أن يخرج الجيش من الباب ليعود بالشباك.
- بالطبع لا يمكن أن تقوم النقابات في الظروف الحالية بنفس ألمهام. أن سياسات “التمكين” وانهاء خدمات عشرات الآلاف من النقابيين، ومهنيين وعمال وموظفين واحالتهم للصالح العام، وكما هو معلوم فإن النقابي خارج مكان العمل مثل ” السمك خارج الماء”. كذلك فأن تغيير هيكلة النقابات، بابتداع نقابات المقر اضعفت بشدة طاقة النقابات في التنسيق و الحركة الجماعية لانها جمعت مجموعات مختلفة من الموظفين والمهنيين والعمال بمصالح ورؤى متباينة في إطار نقابي واحد، مما يضعف فرص الوصول لقرارات جماعية بسبب تضارب المصالح. لكن المحاولات الجارية الآن باستعادة الأطباء لنقاباتهم ومحاولات المحاميين والصحافيين تبشر في حال نجاحهم بامكانية استعادة الحركة النقابية عافيتها وقوتها.
إضافة إلى كل ذلك، كان هناك جهد اضافي يبدو أنه مخطط له، لاضعاف قوى التغيير في البلد، بترصد الناشطين النقابيين بين المهنيين من أطباء، محامين ومهندسين وأساتذة الجامعات، الخ… وتعريضهم لعنف أجهزة الأمن واحالتهم إلى الصالح العام ثم فرض الضغوط عليهم لدفعهم على الهجرة، وبالفعل نتيجة لتلك الخطوات هاجر الآلاف من المهنيين الذين يشكلون العامود الفقري للطبقة الوسطى والتي تلعب دور مماثل ل”ممتص الصدمات” في السيارة، لأنها طبقياً تقع في البناء المجتمعي بين الفئات الكادحة، والتي احياناُ تتعاطف معها وتعبر عن رغباتها فتتوسط بينها وبين الطبقات المهيمنة والتي تسيطر علي مجالات العمل والثروة والسلطة. في ذات الوقت، كان لسيسات التمكين نتائج وخيمة على جهاز الدولة وفاعليتة ومقدرته علي التخطيط والتصدي للازمات، فالتجارب المتراكمة التي اكتسبتها المجموعات المهنية والتي أرغمت للهجرة خارج البلاد شكلت خسارة فادحة مما فاقم من ارتجاج القدرة علي مواجهة الضروريات الخدمية والاقتصادية مما عجل بالتردي المتمكن الآن.
* كيف إذن الخروج من هذا المأزق.؟
- أولاً هناك عدة أشياء، لا بد من التصدي لها، واذكرها بالرغم من عدم ايماني بمقدرة مجموعة معينة أو فرد بصرف الروشتات العلاجية لمآسي الوطن. لكن، أي متابعة لأزمات السودان السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، تشير في مجملها إلى اشكاليات غياب المشروع الوطني كما تحدثنا عنه في البداية. الاشكالية الثانية ، خلال العقدين الماضيين وبسبب سياسات التمكين والإحالة إلى الصالح العام، تم تغيير هوية الدولة، وطبيعتها. حتى عام 1989 كان للسودان أجهزة دولة تقريباً قومية، في الخدمة المدنية، وفي القوات النظامية، وفي القطاع الاقتصادي، ألخ…، لكن السياسات التي اتبعت اعطت الدولة وأجهزتها صبغة حزبية واحدة وصارخة جردتها من الانتماء القومي. هذة نقطة خطيرة لا يجب اغفالها عند التفكير في أي مشاريع متعلقة بالدولة. ثالثاً، وبنفس الأهمية لابد ان نعي ان المخارج من الأزمة هي داخل السودان وليس خارجه. أزمة السودان الحالية جذورها في الداخل، والبحث عن حلول خارج السودان لن يجلب سوى التبعية واعادة إنتاج الأزمة وتعميقها وتدويل قضايانا. السودان اليوم أصبح (شئنا أم أبينا) دولة محتلة بحكم وجود أكثر من 30 الف جندي أجنبي، في الشمال وفي الحدود مع الجنوب. والحل لن يكون في نسيان هذا الواقع ولا بمواصلة شجب وادانة وتخوين بعضنا البعض. لا بد من العودة إلى الطاولة الوطنية وبمشاركة الجميع علي قدم المساواة بدون هيمنة اواقصاء من أي طرفز خلاف ذلك لن نجد حلول للازماتنا المركبة والمعقدة والمتعددة المستوياتها في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية.
في نفس الوقت وحتي نتجنب الدمار الشامل (اذا دول مثل يوغسلافيا او الاتحاد السوفيتي اختفت من الوجود ماذا يمنع حدوثة في السودان – نحن وحدنا لاغيرنا من قوي خارجية مهما عظمت تستطيع تدارك الكارثة). ولا يجب أن نرهن طاقتنا الوطنية و المشروع الوطني برغبات ومصالح فئة (داخلية او خارجية) في الهيمنة والسيطرة وفرض مفاهيمها وأفكارها. من اولويات المشروع الوطني القناعة بان السودان ملك للجميع، لا لاثنية معينة أو رؤى عقائدية احادية، أو مجموعة دينية او عرقية او جغرافية دون أخرى. وهنا يحضرني ما كان يكرره الدكتور جون قرنق دائماً ، فلنتفق على الحقيقة الأولى أننا جميعا سودانيون، فليس هناك تناقض بأن يكون الفرد سوداني ومن قبيلة أو أخرى، أو مسلم او مسيحي او ديانات آخري، أو من منطقة جغرافية معينة. والحقيقة الأولى تشملنا جميعا كأبناء وبنات وطن واحد. هذه هي الأسس العامة وتتبعها أخرى يحتويها المشروع الوطني.
اذا لم نتدارك الأوضاع المأساوية الحالية فإن السودان سيواصل تدحرجه نحو أسوأ التجارب الأفريقية كدولة علي النمط الصومالي تعاني عاهات مستديمة وفاشلة في ابسط المهام وقابلة للتفتت مقرونة بمجازر عرقية علي أسس قبلية كحال رواندا في الماضي.
- للأسف الأوضاع العامة مثيرة للحيرة بسبب حزمة متناقضات سياسية واقتصادية؛ فالنظام في اضعف حالاته السياسية، ولكن القوي المعارضة أضعف حالاً. وفي ذات الوقت الاحوال الاقتصادية تغني عن السؤال والخوف من بعد 2012 فإن الحديث عن ثورة الجياع قد لايستمر طويلاً وهم اوخيال. فالغبن المتولد من التمايز في المقدرات والفرص والأوضاع المعيشية ليس فقط بين الهامش والمركز وانما في كل مكان يهدد بانفجارات شعبية خارج سيطرة القوي المنظمة، وتسرع ب “الدحرجة” التي ذكرتها في الاجابة السابقة.
من خلال تجربتكم في قوات التحالف السودانية كان هناك بعض أمل في قيام تجربة نوعية عمادها سياسيين من نخب المركز تهدف نحو التغيير باستخدام وسائل غير تقليدية، لكن هذه التجربة فشلت ، أو لم تؤتي أكلها في وجهة نظر كثيرين، ما هو السبب في عدم تقدم التجربة؟.
هي كانت تجربة طموحة للغاية بدوافع خيرة، فشلت “جزئيا” –لعدة عوامل داخل التنظيم وأخري خارجه، وبعض آخر متعلق بظروف العمل المعارض والاطر المتاحة في فترة التسعينيات. وهي عملية جديرة بدراسة متعمقة لانها تجربة فريدة حافلة بدروس هامة ومفيدة بالذات للأجيال الشابة المؤمنة بضرورة وشرعية برنامج وطني للتغيير الشامل في السياسةً والمجتمع والثقافة والاقتصاد.
* ذات تجربة التحالف شهدت انقسامات حادة، ما هو سبب ذلك، ثم ما هو تحليلكم كأستاذ علوم سياسية، وكسياسي أيضا لظاهرة الانقسامات السياسية في السودان/ مكونات / ودولة؟
- لا اظن يمكن التعميم من تجربة التحالف لأنها كانت بالفعل “حالة فريدة” (مثلاً كان هو الحزب الوحيد من بين فصائل التجمع الوطني الذي أسس بمواردة الذاتية اذاعة تغطي السودان كلة)، كانت حالة فريدة في مناحي متعددة، في الفكرة والتكوين والتنظيم والبرنامج الطموح وكان عمادها القوي الشبابية والذين قدموا مع قوي الهامش تضحيات خرافية الحجم. والفشل حدث عندما عجزت القيادة من مواكبة طموحات وأجندة التغيير فابتعد الشباب عن التنظيم. ومن انجازاتها انها قدمت واحدة من اكبر التضحيات لاي تنظيم سياسي، بأندماجها في الحركة الشعبية ليس لمكاسب انية او تكتيكية بل عن قناعة حقيقية ببرنامج السودان الجديد، وللدفع بة للامام.
تجربة التحالف تختلف كلياً عن انماط التنظيمات الوطنية منذ الاستقلال بالاخص التقليدية منها والتي اتسمت بالتهتك التنظيمي لتفضيلها الانصياع وانتظار “اشارة السيد” الذي بدورة يحرك جماهيرالطائفة. كما أن الانقسامات مرتبطة ايضاً بقضايا المؤسسية، شح النشاط الفكري،المرونة التنظيمية وممارسة الديمقراطية داخل الاحزاب.
اضف الي كل ذلك أن “آفة” العمل السياسي تاريخياً ارتبطت في الأساس بالكيفية التي تحقق بها الإستقلال والذي اثرت عليه تطورات وظروف تنافس اقليمي بين القوي الدولية المهيمنة في الخمسينيات من القرن الماضي، اكثر من الولوج الي عمليات نضالية طويلة المدي عمادها توعية وتنظيم وتحريك قطاعات عريضة من الجماهير الشعبية، فقد فضل الرعيل الأول من السياسين اختصار الطريق المضني للعمل التنظيمي بالاعتماد علي المعالاجات السريعة عبر “اشارات السيدين لمريدينهم”.
أنت من خلال كتاباتك أشرت إلى أن “السودان دولة كولونيالية، فلماذا تعزي فشل النخب في تحقيق مشروع وطني كان يمكن أن يحقق الاستقرار للسودان، وأن يمنع استقلال الجنوب؟.
- هذا الأمر مرتبط ايضاً بالاشكالية المشار اليها في السؤال السابق عن كيفية “الحصول” علي الاستقلال، وعدم الاعتماد علي تحريك الجماهير وطبيعة الدولة الموروثة من الاستعماروالتي انشأها أساساً لخدمة مصالحه والتي استمرت تعمل وفق ذات الرؤي والأساليب القديمة لسنوات طويلة. ولم تتم اعادة صياغة جذرية للدولة في مرحلة ما بعد رحيل المستعمر حتي تواكب الطموحات الوطنية للسودان الحرالمستقل. وحتي تعامل المركز مع الهامش لم يخضع لمراجعات اساسية واعتمدنا لسنوات طويلة علي ذات الهياكل والعلاقات الموروثة من الدولة الاستعمارية وأي تغيير طرأ كان شكلياً، جزئي وبالتالي بقي سطحي (يعني بطريقة قدر ظروفك). ونفس الأمر ينطبق علي “قوانين المناطق المقفولة” سيئة الذكر التي طبقها المستعمر في جنوب السودان والتي طالما ذكرنا انها رسخت للوقيعة بين ابناء الوطن الواحد وحملناها قدر عظيم في اشعال نيران الحرب الاهلية دون ان نحاسب انفسنا ان كنا بالفعل قد تحررنا من عقلية المناطق المقفولة بعد الاستقلال. هذة في مجملها أجزاء من اشكاليات غياب المشروع الوطني والذي من المفترض ان يضبط ايقاع العمل السياسي ويبلور اتجاهاته.
لقد اهتم مركزكم ” مركز بناء السلام في القرن الأفريقي” بشرق السودان وتحقيق السلام فيه، فما هو تقويمكم لاتفاق سلام الشرق؟
اتفاقية الشرق كوثيقة لا غبار عليها. لكن، الاشكاليات تكمن في ضعف توفرالإرادة الساسية عند الطرفين للوصول الي استقرار وسلام حقيقين و التركيز علي معلاجات ومكاسب سريعة واحياناً شخصية. وتقاعست جبهة الشرق عن تطوير ذاتها من مجموعات احتجاج مسلحة الي تنظيم حي وفاعل. ولا أعرف لماذا كان ذلك الخوف من تنظيم وتوعية الجماهير. خلاصة الأمر أن الطرفين فشلا في استغلال الاتفاق وتحقيق الفرص الكامنة بة واكتفيا (لاسباب داخلية تتعلق بكل طرف) بتركه في حالة خدر كمجرد اتفاق وقف للعدائيات واطلاق نار.
- في سبتمبر 2011صدر تقرير مشترك وقصير جداً من الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي عنوانه يغني عن اي تفصيل – “شرق السودان: بركان في انتظار الانفجار”. وبذات الاختصار أري أن عدم الجدية في معالجة جذور النزاعات المسلحة من المؤكد يقود الي تفجرها من جديد وبدرجات أعلي من العنف والدمار من المرات السابقة. وللاسف اذا لم يتم تدارك الموقف وبسرعة بالشرق في طريقه الاشتعال.
أنت من الذين يعتبرون أن حركات الهامش”هي حركات مطلبية أو حركات احتجاج، فما هو سبب هذا الوصف؟
- حقيقة من الصعب اعتبارها “حركات” فهي مجموعات احتجاج مسلحة مع عدم التقليل من حجم المظالم التاريخية والحقيقية التي دفعت الي رفع السلاح بعد فقدان الثقة في اساليب الشكاوي السلمية.
الاشكالية هي وعلي الرغم من التضحيات الجسيمة التي يفرضها العمل المسلح والثمن العالي الذي يدفعة المجتمع فإن هذه المجموعات تفتقد لأغلب اشكال العمل المؤسسي والهياكل التنظيمية أو اللوائح والبرامج الواضحة المعالم، وبالتالي يصعب اعتبارها حركات او تنظيمات او أحزاب. والخطورة انها بذلك تعجز عن استثمار نجاحاتها سياسياً او حتي عند الوصول الي اتفاق متابعة تنفيذه لأنها لاتملك الآليات لذلك، وبالطبع الفشل في تنفيذ ما يتفق عليه يقود الي اشتعال القتال من جديد والدخول في دوامات تواصل الموت والدمار.
الفكرة من حيث هي بتوحد او تنسيق بين قوي الهامش هامة وضرورية للوصول الي مجتمع عادل، مستقر وآمن. لكن مكونات الجبهة تعاني من نفس السلبيات المشار اليها في السؤال السابق عن مجموعات الاحتجاج. المعلوم ان بعض مكونات الجبهة تملك قوات ومقدرات قتالية قوية ومؤثرة. غير أن ذات المجموعات وجودها السياسي ضعيف ان لم يكون غير موجود. اذاً كيف ستترجم الجبهة وجودها وانتصاراتها في ميادين القتال الي فعل وواقع سياسي ينعكس علي أوضاع وأحوال المواطنين الذين من اجل تحقيق مستقبل افضل لهم تدور الحرب. وفي كل الأحوال لا تغني المقالات الصحفية او الاجتماعات الأممية والبيانات الثورية مهما كانت درجة حرارتها عن توعية وتنطيم وتحريك الجماهير، ولا تتم اي من تلك الضروريات من دون وجود تنظيم علي أرض الواقع لا علي الشعارات.
* في الآونة الأخيرة بدت حمي “الهبوط الآمن” التي يبدو انها مرتبطة بالوضع السوداني فما هو تقويمك لها؟
- عموماً الفكرة اساساً ترمز الي تشجيع الحوار وبذل كل جهد ممكن لتفدي تصاعد العنف والاشتباكات والصراعات المسلحة بالذات عند تغيير الأوضاع السياسية. وبالتالي فهي فكرة مستحبة لأنها تسعي لتجنب الموت والدمار.
غير انه من الضروري مراعاة خصوصية كل حالة. ففي الظرف السوداني كما ورد عاليه، فهوية الدولة وأجهزتها تبدلت وانتفت الصبغة القومية. لذلك من الضروري توخي الحذر في هذة الحالة حتي لاتختلط الأمور ويصبح الهبوط الآمن في نهاية المطاف تأجيل للحلول وتعميق للأزمة وانعاش ومد في روح جذور الكارثة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.