حينما قرأت الخبر الذي يقول إن "القُرعة التي أجرتها الآلية الإعلامية المشتركة، أعطت الرئيس البشير الحق في تدشين حملته الانتخابية، في الأجهزة الإعلامية الرسمية، قبل المرشحين الآخرين"، سألت نفسي سؤالاً واحداً، لم يجد عقلي ضرورة لطرح غيره، وهو "هل تواطأت القرعة مع المؤتمر الوطني ومرشحه الرئاسي، أم أنها تآمرت على الحزب الحاكم ومرشحه لمنصب الرئيس..!"، ذلك أن الانتقاد الذي سيترتب على التفضيل الذي وجده البشير من "القرعة"، يبدو أكبر بكثير، مما سيناله من تدشين حملته الانتخابية، في الأجهزة الإعلامية الرسمية، قبل المرشحين الآخرين. شخصياً استغربت جداً من الخبر، ولو أنني كنتُ في موقع المُشرف على المفوضية لقمت بإعادة القرعة مرة واثنين وثلاثة وعشرة، حتى لا تخرج الصحف إلى الناس بخبر فيه تفضيل لمرشح المؤتمر الوطني على حساب منافسيه في الانتخابات الرئاسية، تماشياً مع المزاج الحكومي العام الذي يرفض التشكيك في بوار وكساد الانتخابات، ويصادر الرأي الآخر الذي يسخر من إنتفاء العدالة الانتخابية بين المرشحين. لكن المفوضية لم تقم اعادة القرعة، ورأت أن يمر الخبر إلى الناس، لذا من الطبيعي أن ينْصب التفسير الأول والمنطقي للخبر، حول أن المفوضية بدأت أولى حلقات المحاباة المُعلنة، بعدما اختصّت البشير بمزايا حجبتها عن منافسيه. بل ستأتي تفاسير أخرى، تقدح كلها في ذمة المفوضية التي تلقّت ميزانية تسيير وإجراء الانتخابات من خزانة الدولة، بعدما أمسكت المنظمات المعنية بتطوير الديمقراطية وتشجيع التداول السلمي للسلطة، يدها عن دعم انتخابات أبريل 2015م، لعدم وجود توافق سياسي حولها. وأبعد من ذلك، سيشكك الناخبون في نتيجة القرعة، على الرغم من أن المرشحين قبلوا بها جزئياً، وسيقولون إنها من صنائع المفوضية، أو من فعائل أعضاء الآلية الإعلامية المشتركة، المنوط بها تقسيم حصص المرشحين في الأجهزة الإعلامية الرسمية، مثل التلفزيون والإذاعة وغيرها. لا أدري هل الأقدار هي من أوقعت الرئيس البشير في صدارة الجداول الزمنية الخاصة بتدشين حملات المرشحين، أم أن هناك "عبقرياً" تولي منح "البشير" ما يظنه تفضيلاً، وهو في الحقيقة ضربة قاضية للانتخابات.. لا أدري تحديدا، ماذا حدث، لكنني على قناعة أكيدة، بأن الأقوال كلها ستنحصر في أن المفوضية اختصت البشير بما سلبته وحرمته لمنافسيه. وظني أن المشكلة ستكون أكبر لو أن يداً تدخلت في تحديد مسار القرعة، لأن البشير نفسه أوصى - في رسالة نقلها اتحاد الطلاب في تعميم صحفي أمس - بضرورة أن "ينال كل مواطن حقه في الانتخابات بكل حرية وشفافية"..! ومع أن عملية "الخج" تعتبر محرمة في شريعة الانتخابات، وأنها مفسدة انتخابية ترقى إلى التشكيك في صحة الانتخابات، لكن كان الأفضل للقائمين على أمر الآلية الإعلامية المشتركة أن يقوموا ب(خج صندوق القرعة)، حتى لا تضع الرئيس على صدارة المرشحين في الحملات الانتخابية. إذْ أن ذلك سيُعرِّي المفوضية. هذا فضلا عن أن الرئيس البشير ليس في حاجة إلى "القرعة العبقرية" التي جعلته في صدارة الجدول الزمني لتدشين الحملات الانتخابية في التلفزيون والاذاعة، ببساطة لان الرئيس حاضر بشدة في الأجهزة الإعلامية الرسمية وغير الرسمية، بل سيكون حاضراً في تلك الأجهزة حتى بعد وصول قاطرة الانتخابات إلى محطة الصمت الانتخابي، وانتهاء مرحلة الحملات الانتخابية. نُشر بصحيفة (الصيحة) --