الحادثة المهينة التي تعرض لها المهندس أسعد التاي المقيم في السعودية، التي شرعت وزارة الخارجية في التحقيق بشأنها- حسب البيان الصادر عن الوزارة- رغم أن الوزارة بدت لغتها في البيان وكأنه تمهيد لنفي الحادثة أو إيجاد العذر لتبرير فعلة منسوبي القنصلية، أي كان، هذه الحادثة تحدث بذات تفاصيلها بشكل شبه يومي في كل قطاعات الخدمة المدنية، نعم، قد لا تصل كل الحالات مرحلة الضرب والبلطجة لكن الإذلال والإهانة باتا عنوانا وشعارا للخدمة المدنية- بشكل عام- ربما الوضع في القطاع الدبلوماسي يبدو شاذا بعض الشيء، لكنه ليس قصرا على هذا القطاع، الفرق- فقط- في أن حادثة جدة وجدت طريقها إلى الإعلام- وللأسف البالغ- أن المهندس التاي لم يكن مستهدفا في شخصه كونه معروفاً عنه مناوئته للنظام، وهذا ما أشار إليه في البيان الذي كتبه، وهو ما يقود إلى أن هذا الوضع عادي ويُمكن أن يحدث لأي مواطن يحاول أخذ حقه. التحقيق المطلوب ينبغي ألا يقتصر على قنصلية جدة، بل ينبغي أن يكون الخطوة الأولى في تحقيق وطني في علاقة المواطن بنوافذ الخدمة المدنية. الآلاف المؤلفة من المواطنين يتجرعون صنوفا من المهانة وإهدار الكرامة- بشكل يومي- أمام نوافذ الخدمة، بدءاً من نوافذ بيع الكهرباء، والذين هم بعيدون عن هذا الواقع عليهم- فقط- أن ينظروا إلى موظفي مطار الخرطوم والروح البوليسية التي تتلبس بعضهم حينما يتجهمون أمام المسافرين والقادمين، وهم يمطرونهم بوابل من الأسئلة التجريمية. الخارجية هنا فقط أنموذجاً، والروح التي تحدث بها موظفو القنصلية في جدة- هي ذاتها- التي يتحدث بها موظفو الدولة في قطاعات واسعة، يجد بعض المواطنين أنفسهم في حالة إكراه أن يبرزوا نوعا من التعامل المخصوص حتى يكمل أحدهم إجراءاته التي هي من ضمن واجبات موظف الدولة، والتي يتقاضى عنها راتبا شهريا، ليُظهر كأنه يمنّ عليه بهذه الخدمة رغم أنها واجب ينبغي أن يؤديه دون أن يصمت. رد الفعل الذي قام به المهندس التاي مطلوب من قبل كل المواطنين الذين يواجهون ذات المهانة في كل مؤسسات الدولة التي ترتبط بتوفير خدمة مباشرة للمواطنين، ولو أن كل مواطن تعرض لهذا النوع من الاستكبار واجهه بذات رد الفعل الذي قابل به الحادثة المهندس التاي لكان الوضع متغيّرا الآن، حادثة قنصلية جدة ينبغي أن تفتح الباب واسعا لثورة في علاقة المواطن بالخدمة المدنية، لتكن هذه الحادثة فاصلة ليست- فقط- فيما يتعلق باستخراج الأوراق الثبوتية، إنما في كل الخدمات التي ينبغي أن يتلقاها المواطن وهو عزيز مكتمل الكرامة. التيار