شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    شاهد بالصورة والفيديو.. ناشط مصري معروف يقتحم حفل "زنق" للفنانة ريان الساتة بالقاهرة ويقدم فواصل من الرقص معها والمطربة تغي له وتردد أسمه خلال الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. ناشط مصري معروف يقتحم حفل "زنق" للفنانة ريان الساتة بالقاهرة ويقدم فواصل من الرقص معها والمطربة تغي له وتردد أسمه خلال الحفل    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء أثيوبية تخطف قلوب جمهور مواقع التواصل بالسودان بعد ظهورها وهي تستعرض جمالها مع إبنها على أنغام أغنية وردي (عمر الزهور عمر الغرام)    في اليوم العالمي لكلمات المرور.. 5 نصائح لحماية بيانات شركتك    خريجي الطبلية من الأوائل    لم يعد سراً أن مليشيا التمرد السريع قد استشعرت الهزيمة النكراء علي المدي الطويل    جبريل: ملاعبنا تحولت إلى مقابر ومعتقلات    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    موعد مباراة الهلال والنصر في نهائي كأس الملك !    مسؤول أميركي يدعو بكين وموسكو لسيطرة البشر على السلاح النووي    عائشة الماجدي: (الحساب ولد)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس    ستغادر للمغرب من جدة والقاهرة وبورتسودان الخميس والجمع    تحديد زمان ومكان مباراتي صقور الجديان في تصفيات كاس العالم    السوداني هاني مختار يصل لمائة مساهمة تهديفية    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البشير.. النسخة الإماراتية..!!
نشر في الراكوبة يوم 07 - 03 - 2015


بسم الله الرحمن الرحيم
عبدالله مكاوي
أردأ خطابات الإعلام تلك التي تستبطن أسئلتها الإجابات المسبقة، أي عندما يكون السؤال هو المقدمة المنطقية للإجابة المطلوبة او المعدة سلفا! بمعني، عندما يسمح الخطاب الإعلامي باستغلاله، لتبرير الفشل والتغطية علي الأخطاء وشرعنة الأوضاع غير الشرعية! أي الخطاب الإعلامي المعادي للحقائق ومزيف للوقائع ومضلل للجماهير! وهو ما يخالف رسالته التنويرية التوعوية، ودوره الكشفوي للحقائق والأخطاء ومكامن الضعف والفشل! من أجل التنبيه والعلاج وتلافي النواقص والقصور، وتاليا المساهمة الإيجابية في الترقية العامة والتقدم الي الأمام. وأبرز تجليات هذا الخطاب المُداهن و في أحسن حالاته المهادن، نجدها لصيقة الصلة بالديكتاتوريات/الملوكيات الحاكمة، التي تعتقد مسبقا ووهما، وقوفها البديهي في صف الحقائق والصاح المطلقين! وتاليا يتوقف دور الإعلام حصريا، في كشف الحكمة الغائبة عن الممارسات والسلوكيات والسياسيات الصادرة عنهما!! و إعلام علي هذا المستوي، مؤكد أن من يتبنونه ويقيمون عمارته ويجهدون من أجل إيصال رسالته، هم شريحة منحطة من الإعلاميين! تعمل كأدوات جريمة مكملة للجريمة الشاملة، التي ترتكبها تلك الأنظمة التسلطية المستبدة القاهرة المقيتة!
ويزداد الإنحطاط إبتذال، عندما يتضخم حجم تلك الشريحة(كأفراد وإحساس ومنظومة عمل!)، وعندما يكبر حجم المظروف(المقتطع من قوت الغلابة) الذي يتناولونه في الظلام! وتزداد رهافة حس الفنادق الفخمة، التي يتناولون فيها وجباتهم الدسمة وترتاح فيها إجسادهم المترهلة، من عناء السفر المترف ووعثاء التراطيب الرئاسية/الوزارية/الأمنية! ويجدون المساعدات اللوجستية او الحماية والتأمين الشامل، لتطوير وسائطهم الإعلامية المرفهة! وذلك بالتزامن مع الحرب المعلنة والخفية وشظف العيش والتضييق المهني، تجاه من يراهنون علي الشعوب ويتبنون وجع قضاياه الأصيلة، وقبل ذلك طلب الحق وقدسية الحقيقة، ووأجب المهنة ورسالتها النبيلة! وما يثير الإشمئزاز حقا، نبرة الفخر وحالة النشوة، التي يتحدث بها أولئك الصحفيون السلطانيون عندما يأتي الحديث عن المستبدين/الملوك( بعد الإعتدال في الجلسة ومراجعة الهندام، يبدأ حديث الفخامة والتاريخ المترف! في سفرتنا مع السيد الرئيس حصل كيت وكيت، والريس قالي كيت وكيت وأنا قلت ليهو كيت وكيت، وهي فرصة لإظهار نفسه بالناصح الأمين للريس العظيم! وبالطبع هي فرصة ذهبية لتوثيق أحداث التاريخ، عن فخامته وكرمه وسهره علي راحة شعبه وحرصه علي سلامته! وبالطبع يُفضل حكايات مشهودة للتأكيد علي عظمة جلالته، نحو تسديده لديون أحد المعدمين البالغة عشرة مليارات! او مساعدته لأرملة وراها كوم عيال! ولكن دون السؤال عن كيفية الإستدانة ومصادر الصرف، او سبب ترمل المسكينة؟! او السؤال عن ملايين المعدمين الحقيقيين والأرامل الثكلي، علي إمتداد بلاد العصف المأكول؟!..الخ من دراما الرئسيات والملوكيات الهندية المؤثرة!!).
هذا إنطباع أولي عن زيارة البشير الي الإمارات وأحاديثه الصحفية(التي تثير العجب!)، وبغض النظر عن وجود مستشار صحفي يراجع إجابات البشير قبل نشرها كما أتوقع، وهو ما يُستشف أولا من مضمون الإجابات التي رغم مغالطتها للوقائع كما سنري لاحقا، إلا أنها تخالف ما علم عن البشير بالضرورة، من تواضع معرفته السياسية وقدراته الفكرية، ناهيك عن تفهمه للقضايا الدولية ذات الطابع المتشابك والمعقد! والإحتمال الآخر، أن محرر اللقاء أعاد صياغة لغة البشير(الشعبوية الإنفعالية!) وبما يتناسب ومنبره الإعلامي! المهم هذه اللغة والمضمون، لا يشبهان البشير الذي خبرناه لمدة ربع قرن البتة! والقصد من هذه العمليات الجراحية التجميلة للخطاب البشيري، هو إستدرار نسخة سياسوفكرية وإستراتيجودولية، تحسن صورته في دولة الإمارات، كمنبر إقليمي او خارجي! وهذه الإزدواجية في المعايير والرؤية والخطاب، لم يبتدعها البشير او وفده الإعلامي المرافق! ولكنها سنة إستناها شيخهم(المغدور من البشير شخصيا، كغداء يسبق التعشي به، في هذه المأدبة السلطوية اللئيمة!) الدكتاتور الدكتور الترابي! الذي تتعدد إزدواجياته وتاليا خطاباته، سواء للداخل او الخارج، باللغة العربية او الإنجليزية، داخل التنظيم او خارجه للآخر المختلف! وهذا دون قول شئ، عن إتخاذ الإنتهازية، كمبدأ وحيد لا يمكن الحياد عنه، لمجمل المنظومة الإسلاموعسكرية! وذلك ليس بسبب سوء طباع وأخلاقيات وطموحات المنتسبين لهما فقط! ولكن بشكل أساس، لإستعصاء الخطاب السياسي، ذي الطابع الجدلي والإنفتاح علي المستقبل والمرونة في التعامل مع الوقائع، علي الإنخراط في المدونة الإسلاموية(المنافية لطابعه) والمؤسسة العسكرية(المعادية له)! أي لصعوبة إدراج النص الإسلاموي (الغيبي الماضوي) والنزعة العسكرية (العنفية)! داخل المتن السياسي السلمي/المدني المنتسب بكلياته للحاضر والمنفتح علي المستقبل. في هذا المعني، تصبح النسخة البشيرية الإماراتية السياسية/الفكرية، حيلة تبريرية مكشوفة ومتهافتة، من أجل إمتلاك السلطة إحتكاريا اولا. وتسويق شرعيته (الباطلة) داخليا وخارجيا ثانيا. وتطمين صاحب الدار والمال، مهما كان الثمن مهينا ثالثا! وهذا غير أنه يحمل في جوفه إعتراف ضمني، بفشل المكون العسكري والإسلامي المدني و عجز الأداءة الإنقلابية، في الوصول الي السلطة او إكتساب الشرعية عبرهما! بمعني، النسخة السياسوفكرية البشيرية الإمارتية، تمثل دليل إدانة! أكثر منها فرصة للظهور بمظهر رجل الدولة السياسي المفكر، والعالم ببواطن وتوازنات السياسة الدولية من حوله!! والدليل كما سنري، تعارض كل أقواله مع سلوكه في الداخل، وتاريخه مع السياسة والحكم! وتصح في حالة واحدة، إذا إعترف أولا بأخطاءه السابقة وأعتذر عنها صراحة، وفارق السلطة نهائيا، كدخيل او كعبء ثقيل الوطأة علي عالمها الذي يلفظه مبدأً(كفرد مجرد من المواهب الإدارية والقيادية، مع توافر مواهب تدميرية، مهلكة للحرث والنسل والبلاد!).
فمثلا، تحدث عن علاقته الجيدة بالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي! وغير أن السيسي معادٍ لحلفائه المصريين وعزيزه المعتقل الدكتور محمد مرسي! فالسيسي نفسه صيغة إنقلابية، ولو تلبست الرداء الشرعي الباهت، والغلالة الديمقراطية الناعمة المنسوجة داخل أروقة المخابرات المصرية! بتعبير آخر، السيسي لا يمثل رجل الدولة او السياسة او الأنموذج/المثال الديمقراطي الحقيقي! أي صداقته تبرر إستيلائه الغادر علي السلطة، وتاليا رهن الشعب المصري من جديد، لمصالح المؤسسة العسكرية المنحرفة والنخب المباركية الفاسدة، اللتان إنتفض الشعب المصري ضدهما، وقدم من أجل ذلك أغلي التضحيات! وبكلام عام، من يناصر الديكتاتور أي ديكتاتور، هو في الحقيقة يناصر الديكتاتورية ويصبج طوعا في زمرتها، ومن ثم لا يحق له التنديد بالديكتاتوريات او الشموليات اوالإستبدادات بأي حال من الأحوال! أي لا يوجد إستبداد رحيم، ولكن المؤكد أنه توجد إستبدادات، أكثر شراسة ودناءة وتحلل إنساني وقيمي!
وتحدث أيضا عن تعرض الدولة العراقية للتقسيم بفعل ضغط الإشكالات المذهبية والعرقية. وهو نفس ما يعيشه السودان! وهو ما يستدعي تاليا، إيجاد صيغة من الحكم تسمح بالتعايش والمساواة بين هذه المكونات! وهو عين ما رفضه البشير مرات عديدة، وما زال يراهن داخليا(أي فعليا) علي الحلول العسكرية والمصلحية الطبقية الإنحيازية الضيقة للنخبة الحاكمة بغير وجه حق، والتي يمثلها البشير وجماعته حصريا(مع التذكير مرة أخري، برفضه لها في العراق والأصح علي الورق وفي الإمارات!). والأدهي وأمر، إعلانه صباحا ومساءً (ومجاهرته غدوا ورواحا)، عن عداءه لأي طرح ديمقراطي يصدر من المعارضة، تؤكد عليها وتتمسك بها، عن حق وبصيرة ومسؤولية!
أما عند الحديث عن داعش، فهو يؤكد علي صلته بالقاعدة، او هو إبنها البار، علماً بأن التيار الإسلاموي علي عمومه يتقاطع مع داعش بشكل او بآخر! او علي الأقل لم يقدم في حقه رفض قاطع او إدانة واضحة ومعلنة لجرائمه العدمية! وأفضل ما يقدم ضده، صمت القبور او النقد الخجول الذي يؤيد أكثر ما يدين، وهو يتواري خلف جرئم العدو الصهيوني، وغيرها من الترهات التبريرية السمجة! وهذا غير إستضافة جماعة البشير الإسلاموية وعلي عهده، نجم القاعدة وصاحب القدح المعلي، في تعظيِّم جرائمها ومن ثم نشرها وإنتشارها إعلاميا ودوليا، أمير الإرهابيين أسامة بن لادن! وتحدث بثقة يحسد عليها، عن خطوات كبحها، بمراجعة مصادر التمويل او تجفيف منابعه! ولكن سياسة كهذه معلوم أنها تستدعي غير الشفافية، وجود قنوات مالية ومحاسبية ومهنية ومنضبطة داخل الدول ذاتها. ولكن هل هذه الحالة تنطبق علي البشير وعشيرته وجماعته، او علي المؤسسة العسكرية والأمنية..الخ؟! أي هل لوزارة المالية سلطة حقيقية داخل الدولة السودانية؟! وهل هنالك أي شبهة إحتمال لوجود أبسط معايير المحاسبة والتدقيق او الصرف والإيراد عبر القنوات المصرفية المعلومة! خصوصا عندما لا يتعلق الأمر بالهامش المالي من مرتبات وخلافه! وهي نفسها مصدر تفاوت وتجاوزات تثير الحيرة والحسد بين عموم طوائف الموظفين الكتبة!! بل مسألة الأموال تحديدا ومع صويحباتها الأمن والدفاع والمناصب الدستورية، تمثل أضعف حلقات المشروع الإنقاذوي المافيوي! وأكثرها فسادا وثغرات! وهذه الجزئية لوحدها، تجعل رأس الرضيع يشتعل شيبا! وذلك هولا وإندهاشا من شدة مفارقاتها وترديها في مهاوي الطغيان الفسادي الأعمي! والمؤسف أنه ينعكس مباشرة في مظاهر تردي الخدمات العامة وزيادة نسب الإفقار والتحلل في المجتمع! والمثير للأسي والسخرية حقا، تشكيكه في عجز إستخبارات أمريكا وإسرائيل عن فك ألغاز ومغاليق او عدم معرفة وسائل الدعم السرية (اللوجستية كما قال) لداعش! وهو حديث ضمنيا يعني، إيمانه بقوة وقدرة وإمكانيات تلك الدول! والسؤال في هذه الحالة، لماذا دأب البشير علي شتيمتها والدخول معها في صراعات دونكيشوتية فارغة، وثابر علي إستعداءها مجانا؟! رغما عن مخاطر ذلك، علي حاضر ومستقبل دولة، فقيرة وعاجزة ومشاكلها(متلتلة بستين نيلة)! ألا يشكل ذلك، قصر نظر وعدم مسؤولية، وفشل في تحمل أعباء الحكم وأمانة تكاليفه ومسؤولياته الجسام! وهذا بدوره لا يستدعي الإعتذار فقط! ولكنه يتطلب المحاسبة والعقاب الصارم!
وتحدث أيضا وبصورة مجانية عن توافر الشباب السوداني لدي داعش(كأننا ناقصين شبهات إرهاب وتضييق في الخارج!) ليس لدينا علم بدقة إحصاءاته او مصدرها! وأضاف الي ذلك، أن التنظيم أكثر إستقطاب للشباب السوداني( إذا صح ذلك او لم يصح، وأعتقد أنه غير صحيح!) فهذا يمثل دليل إدانة جديد للسيد المشير! أي كون فترة رئاسته علي سدة الحكم المطلق، شجعت شبابا سودانيين، علي مفارقة ديارهم وأهلهم، والإرتماء في أحضان تنظيم، هو الشر بعينه! ولو أن القراءة المنصفة، لا تفرق بين داعش(سيد الإسم) وداعش السوداني(الإنقاذوي) الذي يمثله البشير أفضل تمثيل. أي الإختلاف بينهما في الدرجة والأساليب، وليس علي مستوي النوع او الكيف، أي المنطلقات والأهداف المتوسلة من الإفراط في إستخدام العنف المجاني الإذلالي! ولكن الأعجب أن يتقدم بنصحه وحكمته للآخرين، مؤكدا لهم إن الصراع مع داعش، هو صراع فكري في المقام الأول، قبل أن يكون صراع آخر(يا للهول!) ولكن ما رؤيته للحلول الفكرية؟! هي تحصين الشباب بتعلم علوم الدين والشريعة!! أي فكر يتماهي مع المقولة النواسية المنتشية، داوني بالتي كانت هي الداء(دون تعليق!). وهنا تحديدا نصل لمفصل الفرق، بين حقيقة البشير كعسكري إنقلابي لا نصيب له، لا من السياسة ولا من القيادة، وبالطبع فراغه من الفكر كفؤاد أم موسي! ولأن الفكر الذي يتنطع به في دول الخليج، الأقل مرتبة علي مستوي إنتاج الفكر والقيم الإنسانية والتحررية! هو فكر مأزوم، يستهدف المصلحة وليس الحقيقة! لذلك قد يناسب هذه المنطقة من العالم، خطاب البشير الفقير المراوغ، والعاطل عن إبداع أي حلول حقيقية، سواء لداء داعش السرطاني او لشعب السودان المكلوم! وذلك ببساطة، لأنه فكر هروبي لا يقوي علي دفع إستحقاقات الإصلاح الحقيقية، التي لا تقنع الشباب وحدهم بالبقاء، ولكنها تعين جميع قطاعات الشعب علي العيش بكرامة، وتاليا القدرة علي العطاء والإبداع والإستمتاع، ومن ثم قطع الطريق أمام الظروف المنتجة لداعش او لغيرها من الأفكار والسلوكيات الإضطرابية الهوسية!
وبتعبير آخر، علاج داعش او غيرها من الإنحرافات البشرية والسياسية والفكرية، يتم في بيئة من الحريات والحقوق العامة، سياسية إجتماعية إقتصادية..الخ، مع إتاحة الفرصة لكل المكونات المحلية، الإجتماعية والمناطقية والعمرية والمهنية..الخ للتعبير عن نفسها، وفي نفس الوقت أن تجد نفسها ممثلة في السلطة الحاكمة، التي تتطلع للإستجابة والقبول من جميع المواطنين! وكذلك المشاركة العادلة في الأنشطة الإقتصادية(الثروة القومية) والنفاذ للساحة العامة دون عوائق، وتاليا الترقي والصعود وإثبات الذات، بناءً علي المعرفة والكفاءة والأهلية. أي عندما تتحول السلطة الحاكمة، الي إدارة سلمية للصراعات والمصالح والتناقضات المجتمعية، وذلك بالتوازي مع نيل رضا المحكومين، وإشباع حاجاتهم للأمان والحماية والعمل والخدمات..الخ! وبقول وأضح وفاضح ومختصر، البشير أعجز من أن يقدم رؤية حل لإشكالات داعش او للمسألة السلطوية بصفة عامة! وهذا لا يعني بدوره، أن الخليج(ممالك وإمارات) هو الأقدر او الأكثر تأهيل لتقديم أجوبة مقنعة اومقبولة للمسائل المطروحة! بل بالعكس هو الصحيح، فالخليج أكثر عجزا من تقديم رؤية معاصرة لمسألة السلطة تحديدا! كآلية حضارية لإدارة المجتمعات المحلية علي قدم المساواة! وتاليا معالجته لداعش او لغيرها من المشاكل، تظل في حدود الأدوات الأمنية والحوافز المادية! ولكنها لا تطال معالجة الجوانب السياسية/الإجتماعية والمبادئ الإنسانية بحال من الأحوال! وذلك ببساطة لأن مثل هذا المسلك يرتد إليها في نحرها! أي (إجتماعيات حاكمة) تعاني من الجمود وتوقف لحظات التاريخ، ولا تحتمل أي حركية سياسية او تطلعات إجتماعية خارج الإطار او مجرد هبة نسمة حرية في البيئة الداخلية المغلقة(نموذج البحرين)! وهذا يفسر بدوره طبيعة التحالفات القائمة بين الخليج بملوكه وأمراءه من ناحية، وبين العسكرتارية المتسلطة علي الشعوب العربية من الناحية المقابلة! أي تحالف بين بطر النعمة الخليجية، والجوع العسكري!
وفي الحقيقة ليس بتحالف يحمل طابع الندية، ولكنه أقرب لشراء النخبة العسكرية(رغما عن الشعارات اليسارية الإسلامية العلمانية والإستقلالية، التي تصدع بها رؤوس الشعوب المقهورة، والشتائم العلنية التي تكيلها لرجعية الخليج وترفه وعمالته!) وتاليا إرتهانها لمشيئة ومصالح ملوك الخليج(الأصح ملوك كل البلاد العربية، لأن من يملك المال يستعبد الفقراء! كأحد سمات المجتمعات الفقيرة حداثيا وحقوقيا وإنسانيا!) ومؤكد أنها مصالح ضد الشعوب العربية، بما فيها مصالح الشعب الخليجي بصورة أخص!! وهي مصالح تقايض الإستقرار الشكلي( توفير لقمة العيش والحماية من الجوع، والأمن بعيدا عن السلطة، وتقديم بعض الخدمات في شكل عطية ومنة، وأحيانا العجز عن كل ذلك، وإستبداله بالإرهاب والبطش وعلاقات الخوف!) مقابل مصادرة حرية وكرامة ومشاركة الشعوب في مسألة السلطة! أي يتم تكريس نسخة من السلطة في صيغتها الأسوأ والأكثر تخلفا! ومن أبرز ملامحها، إحتكار كل الإمتيازات وإمتلاك الفضاء الوطني بالمطلق! أي ما يمكن تسميته بالسلطة الإبتلاعية او السلطة المهيمنة او النهمة من دون شبع كجهنم! بعد أن تعطلت لديها كل مستقبلات التنبيه والتعقل والحياء او مجرد الإكتفاء!! وفي هكذا وضعية إستغلالية إستبعادية إستعبادية إحتكارية، يصبح نصيب بقية المواطنين التنافس والتقاتل علي الهوامش الفارغة! أي يتم نوع من الفصل بين المواطنين العاديين والإمتياز، بقدر ما يتم الربط المحكم بين الإمتياز المترف و الحكام ملوك/عساكر(نسخة مشوهة من الملوك!). وبقول ثابت، تكريس نمط العيش العربي الموغل في القدم منذ عشرات القرون، ولم يطرأ علي بنيته التراتبية التمييزية أي تغيير! أي مازال يعمل بكفاءة ونحن علي مفتتح القرن الحادي والعشرون، ولكن مع إعطاء لمسات حداثية عمرانية وتكنولوجية لزوم التمويه! مع الإشارة الي أن الرسول(ص) نفسه، والذي تستند إليه بعض الدول الخليجة والإسلامية في إضفاء شرعية علي طبقتها الحاكمة، لم يكن ملكا! بل قام مشروعه الرسالي ضد الإمتياز والسادة تحديدا! والأبعد من ذلك ربط مسألة التميز والأفضلية بقيمة مطلقة فوق أنها غيبية(التقوي)!
بتعبير آخر، نفي التميز والإستغلال والإفتخار بين الناس، أي التساوي بينهم كأسنان المشط، علي مستوي الحقوق والواجبات! إضافة الي أن الملكية وسلالة النبلاء وغيرها من التعابير الإمتيازية الفجة! كانت إبنة مراحل تاريخية محددة، وأدت وظائف محددة، كانت مرتبطة عموما بالحروبات والتفوق القبلي وإغاثة الملهوف والمحافظة علي التقاليد كنوع من وسائل الحماية او الخوف من الإنقراض..الخ! وهي حاجات إنتفت تماما في هذا العصر، ونابت عنها دولة المؤسسات الخدمية، برباط بين المواطنين والحكومات، قائم علي نيل الحقوق وأداء الواجبات، في أفقهما الحيادي العابر لجميع مكونات المجتمع، ومحروس بإحترام الدساتير! أي السلطة ليست مسألة تأبيدية تجهد الملكيات والعسكريات في تأكيدها سواء بإغراء المال او ببطش الدبابات! لذلك الفرصة الوحيدة المتاحة أمام الملكيات لتبقَ، هي تحولها الي ملكيات دستورية ذات صفات تشرفية طقسية! أمام العسكريات فلا فرصة أمامها إلا الرجوع الي سكناتها، وتخليصها من مغامرات القاصرين! لتحافظ علي هيبتها ومكانتها التي تستحقها! لذلك أي مراهنة علي الخليج وتقاليده وتراثه وثراءه، في التخلص من حياة الذل، والإنطلاق الي آفاق أرحب من الكرامة والحرية والتقدم والإبداع، تظل مجرد خرافة، يستفيد من تسويقها أولياء نعمته!! بتعبير آخر، لوم الإمارات او غيرها من دول الخليج، علي منحها الهارب من العدالة الدولية المتهم البشير، الفرصة لفك عزلته الدبلوماسية الماسة لكرامة منصبه! ومنحه مساحة إعلامية، لتبرير جرائمه وتلميع صورته، والأهم إهدار حق الشعب السوداني، في أن يعش في ظل سلطة ديمقراطية تحترم حقوقه! أي مشاركته نفس الجرم! يظل لوم قاصر وليس في محله!!
والسبب، أن الجنرالات البشير والسيسي و ملوك الخليج، وجهان لعملة واحدة! عنوانها الأعرض إحتكار السلطة والإمتيازات بشكل مطلق!! ورهن شعوبهما، للتهميش الإجتماعي والإقتصادي وتدني الخدمات، وتشويه الثقافة والسياسة وتخريب البنية التعليمية المعرفية القيمية، وصولا للحروبات العبثية مع دفع أكلافها وآلامها حصريا! ومن هذه الزاوية، يظل صراع ملالي إيران مع ملوك الخليج، هو صراع مصالح ونفوذ علي إمتلاك كل الفضاء الإقليمي! وتاليا ليس للشعوب العربية والفارسية مصلحة حقيقية فيه! بل قد يتوجه المنتصر فيه، بعد زيادة وتقوية أدوات قمعه! لإستغلالها وإرهابها بأسوأ ما هو قائم الآن!! لذلك أي تحالف بين العرب من جانب والإيرانيين من الجانب الآخر، يجب أن يقوم علي القضايا الأساسية والمشتركة، أي تبيئة الديمقراطية وتمكين الحريات والحقوق وتعلية المصالح المشتركة لخير الشعوب فقط! وهذا بدوره يستدعي عدم التورط في الوقوف مع طرف ضد آخر، في هذا الصراع السلطاني العبثي! بكلام آخر، أن يتوجه الصراع نحو وجهته الصحيحة، وهو صراع الشعوب ضد الإستبداد بجميع صوره، سواء أكان ملكي او عسكري او ديني! من أجل تحرير السلطة والفضاء العام من عقلية/ذهنية/نفسية الإمتلاك الحصري وتاليا التوظيف الحصري! ومن ثم فتحهما نحو العامة (إلقاء الخاصة والخصوصية) وفق أصول مرعية تحفظ حق كل الأفراد فيهما، دون تمييز أي كان نوعه! وفي نفس الوقت تجريد السلطة من وضعيتها التاريخية، كمنبع للقهر والتسلط والفساد اوالإمتياز المجاني! أي بمقاربتها من وضعية المسؤولية وتقييدها بالدستور وضبطها بالمحاسبة والرقابة وإدراجها في سياق التبادل الدوري!
بالرجوع لمسألة الشباب السوداني العائد من داعش، وتحوله الي ناصح أمين لبقية الشباب المحلي! في الحقيقة لم أسمع بهم، وإحتمال هي نوع من الديكور لزيادة التشويق والإقناع للحبكة والسردية البشيرية! أي لإستكمال جوانب الحالة البشيرية السياسوفكرية، أي كمنبع للحكمة وتقديم الخبرات والتجارب الذاتية الناجحة للآخرين! أي هي دعاية رخيصة(إذا كانت حقيقة!) وإن كنت أشكك فيها! بدلالة بماذا سينصح العائد رفقائه في الداخل؟! وهو عائد أساسا لكنف حالة إرهابية شبيهة! بل لماذا سافر أساسا، وما يطلبه تركه في بلاده؟! ومن نكد الدنيا علي الشعب السوداني، أن ينحدر إرهاب البشير الي درجة أقل، أو أن يشارك هو نفسه في محاربة إرهاب أكثر وحشية وتهديدا!! بمعني، أن يكتسب إرهاب البشير صفة إيجابية، بوصفه إرهاب رحيم، عند مقارنته بجنون داعش وأفاعيله الشيطانية او تعطش القاعدة لسفح دماء الأبرياء! وهذا بدوره ينضاف الي مساوئ داعش الذي لا تنقضي فظائعه! والذي قسم الإرهاب نفسه الي درجات، إحتل منفردا أقصاها وأرعبها وأكثرها وحشية وتهورا! ليزيح بدوره خطر إرهاب البشير وبشار وقبلهم الطغاة الهالكين القذافي وصدام وبول بوت ومن لف لفهم وعاث فسادهم ورعبهم، الي مرتبة أدني! تبيح التسامح او التعامل معها دوليا، وغض الطرف عن جرائمهم او تأجيل البت في أمرها الي وقت لاحق، لا تنذر الأوضاع القائمة وإزدواجية معايير(ثبات مصالح) الغرب بدنو أجله!! أي داعش يضر ويغدر بالشعوب مرتين، مرة بإرهابها مباشرة، ومرة بتبرير إرهابها عبر الطغاة، والعكس أيضا صحيح في خدمته للطغاة وما يوفره لهم من غطاء!(وهذا مصدر إتهام الإستخبارات بمختلف مناطقها ومصالحها، بصناعته! أي ككيان يعيش في الظلام ويمارس افعال ظلامية وينتسب له تكوينيا!).
الإشكالية الحقيقية مع التيارات الدينية، بمختلف إتجاهاتها ودرجات حماسها وعنفها وتورطها في الشأن السياسي، تتمثل في غيبوبتها الحضارية او إنقطاعها عن رأهنها جذريا! ويقوم مشروعها إجماليا علي مسلمة فاسدة من كل أوجهها، عمادها إن المجتمعات المسلمة تعاني من النقص في الدين، الشئ الذي سبب لها البلاء العميم! في حين إن الأشكالية الحقيقية للشعوب المسلمة ولغيرها من الشعوب الفقيرة المقهورة، هي النقص المريع في الحريات والحقوق والتنمية! وبكلمة مختصرة، التشخيص الخاطئ للمشاكل(وهي الوضعية التي يمثلها الإسلام السياسي) لا يقود لتعقيد المشاكل بدلا من حلها فقط! ولكن المؤكد أن الأخطاء تصحبها كوارث ومغالطات، يحتاج التخلص منها لتكلفة هائلة من التضحيات والزمن!! والأهم من ذلك، إن الحداثة والتطور والخير او الصالح العام، ينعكس مباشرة في شكل ترقي وتحسين يطال ليس الدين وحده، ولكن مجمل الحياة والمجالات. أي ترقية الدين او الوعي الديني مرهونة بترقية الوعي والفضاء العام، وأهم أدواته او تسهيلاته، تحرير العقل والإرادة وترقية الذائقة الإنسانية والجمالية والمعرفية! ومؤكد أن ترقية كهذه يستحيل، أن تكون أدواتها، القهر والإرهاب وإلغاء حرية الإنسان من معادلة التفاعل مع الحياة، او تغيبه من الوجود مرة واحدة! كما تعتقد الجماعات الإسلاموية، وتمارسه داعش عيانا بيانا، بكل جرأة وجبن وتوحش فاجر!
أما ما يخص الدولة الليبية والإدعاء بعدم التدخل لمناصرة أحد أطرافها! تنفيه إتهامات المسؤولين الليبيين للحكومة السودانية (حصريا) من دول الجوار، بتوريد سلاح للداخل، بدلالة هبوط طيرانها دون علم السلطات الليبية داخل أرضها! وهذا بالطبع دون قول شئ، عن إعترافات البشير المجانية وبلسان عربي فخري مبين، عن تدخلات الدولة السودانية أثناء الثورة الليبية ودعمها بالسلاح! ناهيك عن إتخاذ السودان كممر للأسلحة القادمة من قطر والإمارات لمساعدات أطراف دون أخري! إذا لم يكن هذا تدخلا فما هو التدخل إذن؟! فالتدخل في ليبيا او في غيره من البلاد، يحمل طابع الخطر علي المستقبل! أي عندما تستقر الأحوال في ليبيا، وتبدأ في عملية جرد حساب للأصدقاء والأعداء. وهذا غير حساسية موقف العمالة السودانية داخل ليبيا(والفيهم مكفيهم!!). وكما أسلفنا، فإن الدولة السودانية أضعف من أن تحتمل، إرتدادات تدخلات هوجاء غير مدروسة، لمصلحة فصيل محدد، يتلاعب بمصالح وسلامة الدول السودانية حاضرا ومستقبلا(علما بأنه نفسه إنتقد هذا المسلك سابقا!)! او الدخول في صراعات إقليمية، وأطراف الدولة تتهدد وتنتقص كل حين! والسلطة الحاكمة أعجز من رد الصاع بنصفه!
أما الحديث عن مصادر ومصاعب صراعات الدولة الليبية، التي نسبها لطبيعة الشعب الليبي والنظام السابق! فهذا قول مردود علي البشير! ليس لأنه خطأ، ولكن لانه يمارس لغة الحرب والسلاح عوضا عن لغة الحوار والتصالح وتفهم مطالب أهل البلاد، في كل مبادراته لحل إشكالات البلاد، ذات الطابع المركب والمشابه للمشكل الليبي بشكل او بآخر! وهذا ناهيك عن تسليحه للقبائل ضد بعضها، وتقنينه لوضع مليشيات منفلتة! وإضافة الي أنه نسخة مشابهة لنظام القذافي، لم نسمع يوما واحدا أنه وجه نقدا ولو باردا لنظام القذافي أثناء حكمه! وأنَّي له ذلك؟! فهذا مرتقي صعب يعجز عن بلوغه ولو أراد!! والتدخل الذي يستنكره البشير، نجده يطال الدولة السودانية عند الحديث عن دولة الجنوب وشجونها! وإتهام السلطة الحاكمة في الجنوب للدولة السودانية بدعم ومساعدة معارضيها(وهو نوع من تصدير المشاكل المتبادل بين الطرفين، هروبا او تعبيرا عن العجز، في حل الإشكالات الداخلية لكليهما!). أما حديثه عن الإتفاقيات مع دولة الجنوب وتباطؤ الإخوة في الجنوب عن تنفيذها! فهذا التباطؤ يعود حصريا لإنعدام الثقة في البشير ونظامه، سواء من جهة التجويع والحرب الإعلامية او الألفاظ العنصرية التي توجه بها لإخواننا في الجنوب أكثر من مرة! وخلاصة هذه الجزئية، رواية عدم التدخل في شؤون الغير، رواية(بايخة) او سيئة الإعداد والإخراج، ومليئة بالثقوب والفراغات، ويستحيل تسويقها! سواء تلبس البشير وهم السياسي المفكر او ترك علي سجيته العسكرية الفارغة من أي مضمون او منفعة عامة تنعكس علي السودان او غيره!!
أما الرواية المخجلة بحق وحقيقة، وتبين مدي إنتهازية البشير، وتورطه في المستنقع الإسلاموي البراغماتي الآسن حتي أذنيه! فتتعلق برايه حول تنظيم الإخوان المسلمين، ورفضه طابعه المتجاوز للدول!! فهذه الرواية الكاذبة، إضافة الي تهافتها وصفقاتها وإنتهازيتها الفجة، فهي تنسف تاريخ البشير ومصداقية سرديته الشخصية، التي يفاخر بها بمناسبة ومن دونها! عن إنتماءه للجماعة الإسلاموية منذ وقت مبكر، وأن أباه نفسه إنتمي لهذا التنظيم(إذا صحت الذاكرة)، كنوع من المزايدة أيام سطوة الإسلاموية السودانية! وهذا غير أن التنظيم نفسه لم يعرف عنه منذ ميلاده الكارثي، إلا طابع التجاوز للدول! بل التجاوز للدول هو مرجعيته الأساس! أي الدولة او الخلافة الإسلامية التي تحكم الشعوب المسلمة كافة، لدرجة لا يعبر فيها المسلم عن صحيح إسلامه، إلا بتاييد ودعم هذه الدولة والدفاع عنها بالدم، ومحاربة أعداءها من العلمانيين واليساريين وغيرهم! أي رابطة العقيدة/الدولة تعلو علي الرابطة الوطنية وعلي غيرها من الروابط! أي تعلو ولا يُعلي عليها! وعلي قدر تعصب الفرد وهوسه بهذه الدولة الخِلافية/الخلافية الخرافية، يكون صعوده وترقيه علي عتباتها، ولكن دون مركز الخليفة/القائد/الإمام! ولو كان البشير مفكرا حقا او مجرد مطلع علي تاريخ هذا التنظيم الإخوني الشرير! لعلم أن مسألة تجاوزه للدول والحدود، من البديهيات والمسلمات الأولية، ولا يصح الإنتماء للأعضاء إلا بعد الإيمان بها! وأن هنالك تعارض جذري بين الدولة القطرية الحديثة وبين الدولة/الخلافة الإسلامية! لا يحل الإشكال بينهما، إلا إهدار دم الحدود والرابطة الأهلية المواطنية! أي الفصل التام بين الدولة(المقدس) والشعوب(الرعايا/المدنس)، أو الربط التام بين العقيدة والسلطة!
وتاليا الأهلية الوطنية الحقة تكتسب شرعيتها من الإنتماء للإسلام تحديدا! ولكن بدرجات تمكن أصحاب الحل والعقد(تحالف مكونات السلطة) من حيازة المكانة الأسمي في هذه الرابطة الإسلامية/الخلافية! مما يستدعي ليس نفي الآخر غير المسلم وتهميش حتي المسلم غير السني والسني غير الملتزم(من وجهة نظرهم) الذين يجدون أنفسهم في ركن ضيق قصي! وإنما حتي أتباع التنظيم ما دون السلطة(الغالبية) يتم التميز ضدهم علي مستوي المنافع المحدودة في المغنم، ودفعهم لبذل التضحيات العظام في المغرم! أي يستخدموا كأدوات بأيد النخبة الإسلاموية المتمركزة حول السلطة وإمتيازاتها! أي إعادة إنتاج ظلم الدولة في الداخل التنظيمي او العكس صحيح أي تصدير الظلم التنظيمي الداخلي الي فضاء الدولة العام! وبتعبير واحد، الدولة الإسلامية هي دولة التظاهر بالتقوي، أي الوجه الآخر للفساد المؤسسي في طابعه المقدس أي الأشد تعفن وركود! وتاليا هي دولة النفاق حصريا(صعود الموالي الأفاك، علي حساب الأجدر المستقيم!) مما يعني هدر حق الآخرين في حيازة أي نوع من الإمتياز ليس في الدنيا فقط! ولكن حتي الحق في الآخرة، الذي تتم مصادرته هنا والآن! والنتيجة تراكم الأخطاء والفشل والعجز بصورة متوالية، حتي نصل مرحلة تحلل الدولة او تحولها الي مجرد خيال او ظل والأصح جهاز شبحي ينال فضله الأشباح حصريا!
لذلك حديثه عن عن النسخة الشمولية من التنظيم الإخواني، هو من باب لغو الحديث، الذي لا تسنده أي مرجعية، لا تاريخية ولا عملية! وذلك ليس لأن التنظيم لا توجد به نسخة شمولية، ولكن لأنه يمثل الشمولية بعينها، أي يتمثلها من أعلي رأسه حتي أخمص قدميه! أي هو نوع من الشمولية الصماء، التي لا تسمح بالإنقسامات او وجود تراتبيات تحوز أحدها أي نوع من الإيجابية او الإستقلالية او تدافع عن المصلحة العامة، الغائبة في أفق هذا التنظيم الأشد خصوصية حتي من العصابات الإجرامية! بمعني تصميم المشروع الإسلاموي نفسه لا يحتمل أي مساحة للمفاضلة او الخيارات! والسبب في ذلك، أنه يمثل الصاح او الحق المقدس بإمتياز، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بالطبع! أي لا يوجد فيه نقص أساسا، حتي يحتاج لإكمال او مراجعة او تصحيح او خيارات، فهو مكتمل بذاته، فوق أنه معيار او أنموذج للآخرين! وبالتالي محاولة تجزئة المشروع الإسلاموي، ومن ثم شيطنة جزء منه، بغرض إلباسه كل الأخطاء والشرور والموبقات! تمثل خدعة مكشوفة، لا تنطلي الي علي المغرر بهم(المسطحين) او من يتطلعون لجني مكاسب من هذا المسخ المسمي بالتنظيم الإخواني! المهم رواية البشير تضعه بين أمرين(إما إسلامي جاهل او عسكري فاشل، وفي الغالب الأمرين معا!).
ولكن لماذا يهين البشير مشروع هو إبنا له، بالحق او بالتمثيل المصلحي؟! وبني علي أكتافه إمبراطوريته السلطوية المترفة، واحتكر عبر أعوانه الدولة السودانية، كملك عضوض أعاد سيرة بني أمية، خصوصا جانبها الأكثر ظلما وفساد! وما زال يلعب بمفرداته حتي الآن، من أجل مغازلة تدين جموع البسطاء(بل يقال أن التنظيم هو من إستدعاه للقيام بالإنقلاب في اللحظة الأخيرة، نيابة عن بديل تبدو عليه النباهة و الخطر، مقارنة بالبشير!)؟! السبب بالتحديد يتعلق بإستدعاء البشير المحاصر بالفلس بعد قفل حنفية الجنوب البترولية، والعزلة الخارجية! من قبل ملوك الخليج، لغرض الإساءة للجماعة الإسلاموية المحاصرة هذه الأيام! خصوصا بعد سقوطها العاجل في معقلها، أي الدولة المصرية! وتحولها تلقائيا الي جماعة إرهابية، تملك مسبقا كل حوافز التنشيط والتحول(المقدس) الي مستوي الإرهاب العابر، وتاليا قض منام الجميع! بتعبير آخر، الغرض توظيف البشير، وبما يملكه من أسرار عن هذا التنظيم، وعن إستعداده لبيع الحلفاء وقبض الثمن(والتنظيم نفسه لن يتوانَ عن فعل نفس الشئ ضده إذا إتيح له الخيار!)! لمساعدة الخليجيين والجنرال مرسي، من أجل القضاء المبرم علي التنظيم الإسلاموي الدولي، وما يسببه من قلق وصداع وإرهاب مزمن، للسطات الحاكمة ولجموع المواطنين! وهذا بدوره يقودنا مرة أخري، لطبيعة صراع ليس للجماهير العربية ناقة او جمل فيه! أي صراع بين السلطات الملوكية/العسكرية الحاكمة وبين الجماعات الإسلاموية، من أجل الحصول علي إمتياز السلطة حصريا!
بمعني ليس للجماهير العربية أي مصلحة في هذا الصراع، الذي يتغذي علي قضاياها ويتاجر بهمومها ويصادر خياراتها! أي صراع لا يستهدف، التأسيس لأنظمة ديمقراطية، تلبي طلبات وشغف الشعوب العربية، للحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية وحقوقها الدستورية والتنمية الشاملة المستدامة! ولذلك واجب الشعوب العربية، التضامن عبر أحزابها ومنظماتها الديمقراطية والمدنية، للنضال السلمي المستمر، ضد الحكومات الديكتاتورية/الملوكية والجماعات الإسلاموية معا! حتي تنجز أهدافها الكاملة! أي صراع من أجل تحرير السياسة والسلطة والمجتمع وتاليا مصالح الجماهير، من قبضة المفسدين الكبار والإرهابيين الضالين، سواء أكانوا جنرالات إنقلابيين او ملوك سلطويين او إسلامويين دجالين! وعدم الإرتهان او الإنخداع لدعاوي أي من الأطراف، سواء الحكام الذين يدعون المحافظة علي المصلحة العامة والأمن العام(الخاصة في الحالتين!) او الإسلامويون الذين يدعون المظلومية، وهم يستبطنون إمتلاك السلطة وإحتقار الشعوب غير المتدينة( وإلا علاما يستمدون تميزهم، إذا لم يكن الآخرين ناقصي دين و أخلاق و وطنية!). وبكلمة واحدة، مرحب بالحكم الديمقراطي وحرية الشعوب، ومعا من أجل تنزيل ذاك الحكم وتلك المضامين علي أرض الواقع، غصبا عن الديكتاتوريات والملوك والعقائد البالية! ولكن أي محاولة تتم لأجل التفاضل بينهما او فصل مساراتهما او مرحلة الصراع ضدهما معا! تعني إضاعة فرصة إستعادة الشعوب، لحريتها وحقوقها وعائد جهدها وتحصيلها الإنساني والوطني او وجودها الحقيقي! وبتعبير مخجل، تخلي النخب الديمقراطية والمستنيرة عن وأجبها التاريخي ومسؤوليتها الراهنة! أي مقاربة أزمنة الحداثة ومنجزاتها ضد الزيف الشمولي والتقاليد الجامدة! مما لا يصح بعدها الندب علي الزمان او البكاء علي ضياع الفرص او لطم الخدود ولوم الشعوب وسب الإستبداد!
قبل الختام
أن يطلب ديكتاتوري فاقع إستبداده، أضاع بلاده وأذل أهلها، وأساء للسلطة والرئاسة، مثل البشير! من رجال مشهود لهم بالوطنية والدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والنضال من أجل تثبيت حقوق المواطن السوداني في بلاده، وتخليص السلطة من براثن الإنقلابيين الأشرار الذي لا تؤتمن بوائقهم! الإعتذار حتي يفرج عنهم! فهذا للأسف أقل ما يقال عنه أنه(وقاحة) سياسية! لا تسئ لهؤلاء الرموز الوطنية المعتقلة في سجون النظام فقط! ولكنها تسئ بدرجة أكبر، لخذلان جماهير الشعب ونخبه السياسية ومنظمات مجتمعه المدني، لأولئك الرموز! بتركهم لقمة سائغة بين فكي زبانية النظام، يتلاعبون بصحتهم وكرامتهم ويستهترون بتاريخهم ومواقفهم النضالية الوطنية!! والسؤال يعتذرون عن ماذا؟! ومن يتوجب عليه ليس الإعتذار فقط! ولكن أن يجرجر من أزياله الي ساحة المحاكمة العامة، وأن ويحاكم علي الملأ، علي جرائمه الفادحة وإرتكابته الحمقاء! حتي يعلم المجرمون في كل مكان أي منقلب ينقلبون وأي مصير ينتظرون! جزاءً وفاقا، علي جرائمهم وفظائعهم وأخطاءهم الكارثية في حق بلادهم وشعوبهم! التحية للدكتور أمين مكي مدني، الذي يشرف السياسة والمحاماة والديمقراطية وحقوق الإنسان والوطنية النبيلة، قبل أن يشرف المواطنين ويشعرهم بالهيبة ووسامة الإنتماء لوطن يتشاركونه مع هذه النوعية من الرموز الرائعة! والتحية تمتد بالتأكيد وبكل فخر، الي العميد عبدالعزيز خالد، ولتاريخه النضالي المشرف، وموعدنا غدا مع صبح التحرر من هذه الطغمة الباغية! اليس الصبح بقريب!!
كلمة أخيرة
نكتة المستبدين السمجة، التي درج البشير علي تكرارها كل موسم إنتخابي او بطولة إنتخابية خاصة ينظمها ويفوز ببطولتها قبل إنطلاقها! والتي يدعي فيها، أن الشعب هو من يريد ترشيحه وترئيسه، غصبا عن ممانعته(الرغبوية) وهذا هو السبب الإساس في عزوفه عن الإعتزال السياسي الرئاسي! فهو علي كل حال مغلوب علي أمره! وتحت أمر الشعب وخادمه(النهبوي) المطيع! فهذه النكتة المستهلكة وبطرحها الفنتازي الإستبدادي الفج! تصلح أن تُحكي لشفع الروضة زمان، مع أمنا الغول وفاطمة السمحة والمصباح السحري! أما أن تسرد في هذا العصر، ووسط هذا الكم الهائل من الدمار الوطني والهدر الإنساني، والجوع السائد والفساد المستشري، والمستقبل القاتم والفشل الأسطوري الذريع! فهذه أحد محن السودان الممحنة للمحن! او محنة تناظر محن داعش من حيث الجنون والخبل واللامعقول! أي نكتة بقدر رعبها وسخافتها، فهي منتهكة لحق الآخر، في الحكم والإختيار الحر ولشرعية التبادل السلمي للسلطة! فوق إمتهانها لعقل وكرامة المواطنين وأهلية الوطن!! (آل إنتخابات آل). ودمتم في رعاية الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.