القاهرة- نرمين الخنسا، كاتبة وروائية لبنانية، ورئيسة اللجنة الثقافية في النادي الثقافي العربي، وعضو في اتحاد الكتاب اللبنانيين. صدر لها عدد من الأعمال، أبرزها "طفولة في عهدة أفعى"، و"مرآة عشتروت"، و"هذيان ذاكرة"، و"ساعة مرمورة". استعانت مدارس خاصة ورسمية عديدة في لبنان برواياتها في المناهج التعليمية، كما ضمّتها الجامعة اللبنانية- الأميركية إلى لائحة النساء المميزات في لبنان لدورها الفاعل في الحراك الثقافي على الساحة اللبنانية. عن روايتها الجديدة "شخص آخر"، وعوالمها الروائية كان لنا مع الكاتبة هذا الحوار. صدرت مؤخرا للكاتبة والروائية اللبنانية نرمين الخنسا، رواية "شخص آخر" عن منشورات "سائر المشرق"، والتي تناولت فيها تأثير الانقسامات السياسية على الشباب اللبناني، وما ألحقه بهم من تشرذم وتهميش للعلاقات في ما بينهم، إذ تدور الرواية حول مهندسة ديكور شابة تدعى علا، يتم اختطافها وسجنها، لتواجه ظلمة وظلام الاعتقال والحبس، ولتلقي من خلال أزمتها الضوء على أزمات المجتمع اللبناني ككل. نجحت الخنسا في أن تكون روايتها "شخص آخر" هي الأكثر مبيعا بين الروايات في معرض الكتاب العربي الدولي، الذي أقيم في بيروت خلال ديسمبر الماضي. القلم الكاشف في روايتها "شخص آخر" ألقت الخنسا الضوء على الانقسام بين المذاهب بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وعن تجنبها المباشرة في التناول قالت: لا شكّ في أنني قد تجنبت الوقوع في فخ المباشرة، وإلى مدى بعيد جدا، لسبب أساسي وبديهي، وهو أنّ الفن الروائي يتطلب تقنيات سردية وحوارية ذات نهج حكائي متداخل الخيوط، ومتشابك الأحداث، ومتمايز التوليف. فالروائي لا يؤدي دور كاتب سياسي، أو إعلامي يكتب عن وقائع ساخنة في بلاده. بل هو يحبك مقومات عمله الروائي بطريقة فنية أدبية يمازج فيها بين الواقع والخيال. وهذا ما فعلته في روايتي الجديدة "شخص آخر"، مثلما فعلت في كل رواياتي. وعن اتهامها بالمباشرة في الطرح من قبل بعض النقاد، أوضحت الخنسا أنها تغالط من يذهب هذا المذهب في اعتبار أن الرواية التي يكتبها الروائي من صميم مجتمعه، فيها مباشرة بالطرح. ففعل المباشرة يكون جامدا وخاليا من أيّة حبكة قصصية أو أيّة مواقف حدثيّة، أو حوارات اجتماعية وفكرية وعاطفية. واستطردت: روايتي "شخص آخر" عكست البنية الاجتماعية للشعب اللبناني، وقاربت التصدعات الأمنية والمذهبية التي تفاقمت بين أبناء المذاهب المختلفة جرّاء اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وهذا الأمر مكشوف أمام الملإ، لذلك أردت من خلال أبطال الرواية، أن أرصد التحوّلات التي تأثر بها جيل الشباب، ومن قبله جيل الآباء. وأضافت قولها "شخصيا أرى أن الروائي يحمل في قلمه مصباح الرؤية المكشاف، ويحرص بضميره على تخطي البؤر والندوب السوداء الموجودة في مجتمعه الصغير وصولا إلى المجتمع الكبير، كي يوصل إلى القارئ نقاط ضوء تساعده على التغيير والصمود. لذلك أربأ بنفسي أن أكتب روايات ليس لها حدود في العنف أو العصبية أو الإباحية، وأسعى دوما إلى إرساء حدود متينة للانتماء الوطني والمواطنة السليمة والتعاون الإنساني والاجتماعي، فضلا عن حدود الدور الأساسي لمفهوم الثقافة في مرتكزاته المعرفية والحضارية". وعن حجم الجهد البحثي الذي تطلبته روايتها الأخيرة "شخص آخر"، خاصة في ظل وجود الكثير من المعلومات عن الشعب الإسباني وعن الأندلس، أكدت الخنسا أنه ما من روائي يكتب عن مدينة غير مدينته ومجتمع غير مجتمعه، إلا بعد أن يكون قد عاينهما، أو قرأ عنهما في أمهات الكتب، أو بحث عن المعلومات الدقيقة من خلال محرّك "غوغل". وهذا ما حصل معها حين كتبت عن إسبانيا التي لم يتسنّ لها بعد زيارتها، مضيفة: اعتمدت في توصيف مدينة من المدن الإسبانية جغرافيا وحضاريا على ما يوفره الإنترنت ومحرك "غوغل" من مواقع مرئية دقيقة التصوير والتسمية والعرض ومن معلومات معرفية؛ اجتماعية وسياسية وبيئية وثقافية وسواها. وعن سبب عدم وصول الرواية العربية إلى العالمية رغم ازدهار مكانة الرواية العربية بشكل كبير في السنوات الأخيرة، تقول الخنسا "رغم وصول روايات الراحل الكبير نجيب محفوظ إلى العالمية ونيله جائزة نوبل للآداب، ورغم ترجمة أعمال العديد من الروائيين العرب، إلى لغات شتى، إلا أن الرواية العربية لم تأخذ مساحات عالمية واسعة من حيث التأثير والشهرة، ولم تصل إلى المكانة التي وصلت إليها الرواية الأميركية اللاتينية. وأعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى وقوع الرواية العربية في هوّة زمنية، كان الروائيون فيها يبحثون عن منافذ الجرأة في تقديم الطروحات التي لا يصطدمون من خلالها بالتابوات بشكل كليّ، وكانوا يبحثون عن الأشكال السردية الملائمة التي تمكّنهم من مقاربة قضايا الشعوب العربية ومشاكلهم الاجتماعية. ولكن عندما وجدوا الجرأة والشكل السردي، عوّق انطلاقتهم نحو العالمية العثور على مواصفات الهوية الفنية للرواية العربية، لذلك أرى أن الزمن الآتي سيكون المحصلة الطبيعية لوصول الرواية العربية إلى شعوب العالم". تصنيفات جندرية وعن دور الجوائز الأدبية ومكانتها بالنسبة إلى الكاتب تلفت الخنسا إلى أن الجائزة الأدبية شيء مهمّ للكاتب ولكتابه، شيء يحفّز الكتّاب على تقديم أروع الأعمال وأهمها. فالجميع يدرك أنّ الجوائز العالمية هي التي شجّعت العديد من الروائيين والشعراء حول العالم على كتابة روائع أدبية لا تنسى. إلاّ أن الجوائز العربية في بلادنا، لم ترتق بعد إلى المستوى العالمي الموثوق فيه؛ إذ ثمة تساؤلات حولها وشكوك، معبرة عن تمنياتها بأن تتحول المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية في وطننا العربي إلى هيئات نخبوية تلتزم معايير النقد والحكم، بعيدا عن أيّة محاباة أو وساطة أو إيعاز من سلطة ما. وأضافت "أعتقد أن كثرة الجوائز المعطاة في سياق من المحسوبية والوجاهة والعلاقات، أضرّت في مستوى النتاج الأدبي العائم على وجه الماء، واجتذبت بشكل مصطنع أقلاما لا علاقة لها بملكة التأليف، أي بموهبة الكتابة الجادّة". وعن تصنيف وتوصيف البعض لها بالكاتبة النسوية تقول نرمين الخنسا "لا تحمل الكتابة حسب رأيي تصنيفا جندريا؛ فالكتابة ليست جسدا، بل هي فكر وقلم وإحساس ولغة ومخيلة. أنا أصف طويّة الرجل، تماما كما أصف دخيلة المرأة. أكتب عن مشاعر الرجال وأحلامهم وطموحاتهم ومواقفهم، من خلال مقاربة مشاعر النساء ومخاوفهن وأحلامهن ومواقفهن أيضا. كتابتي تضيء على المرأة والرجل معا، وتضيء على شرائح المجتمع بشكل أو بآخر". واستطردت "ليست المسألة في من هو الأقدر على التعبير عن جندريته، المسألة هي تلك الغاية المأمولة من التعبير عن النفس وعن الآخر وعن المجتمع وعن الواقع من خلال الحكي. لذلك أنا لا أدخل في معمعة التصنيفات التي تجعلنا نقف في دائرة واحدة". وعن رؤيتها للوضع السياسي الراهن في الدول العربية بعد 4 سنوات من ثورات الربيع العربي، قالت "كوني كاتبة لبنانية وعربية، يحزنني جدا ما يشهده عالمنا العربي، ويخيفني ما يحاك له من مؤامرات شيطانية، وكلام عن شرق أوسط جديد يقوم على نيران الجريمة وأحكام الفوضى".