عصر الثاني عشر من رمضان تدافع أهل السودان باكراً زُرافات ووحداناً الي أجهزة المذياع يحدوهم الشوق لمعرفة تفاصيل الحلقة 12 من مسلسل بيت الجالوص الذي يعالج قضية الفساد والرشوة في السودان ، والذي تُذاع حلقاته يومياً في الخامسة الاّ ربعاً عصراً وتُعاد في الثانية عشر الاّ ربعاً من ظهر اليوم التالي ، فمنهم من جدد حجارة بطارية مذياعه ، ومنهم من شحن راديو هاتفه الجوال وجهَّز سماعاته ، ومنهم من كلّف نفسه فوق طاقتها بشراء جهاز مذياع جديد يكون فعل المؤثرات الصوتية فيه أقوى وأوقع . قبل عشر دقائق فقط من موعد بث الحلقة 12 ، أي في الرابعة وخمس وثلاثين دقيقة ، والتي كانت مخصصة لفضح العلاقة المشبوهة بين رجل أعمال فاسد ورئيس تحرير مرتشي ، أصدر الزبير عثمان مدير الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون قراراً بوقف بث مسلسل بيت الجالوص الإذاعي بناءاً على توجيهات عليا من نافذين بالدولة !!! صُدم أهل السودان جميعاً من حلفا الي جودة ، ومن محمد قول الي خور برنقا !!! وفي الخرطوم التي أزكم أنوف أهلها الفساد كانت الصدمة أكبر وسالت دموع المستمعين حزناً على هذا الكبت والتسلط الذي تمارسه الدولة ... وفي الفيافي النائية القصِّية حطَّم الرعاة أجهزة الراديو بعد سماعهم نبأ إيقاف المسلسل !!! لقد بدأت الإذاعة السودانية بث مسلسل بيت الجالوص مع بداية شهر رمضان وأصبح الناس يتحلَّقون حوله كل يوم ، وهو مسلسل كتبه الأخصائي النفسي علي بلدو قاصداً به معالجة قضية الفساد وتفشي الرشوة والمحسوبية ، وكشف الإرتباط المشبوه بين السلطة والثروة والإعلام . وحسب إفادة الكاتب فإنّ المسلسل يتناول قصة واقعية لأحد رجال الأعمال المعروفين الذي يحاول طمس مصدر ثروته القذر عن طريق استخدام الآلة الإعلامية ووسائل الضغط الأخرى والخوض في العمليات المشبوهة والإبتزاز والرشوة وقد أدخلته محاولات إخفاء مصادر ثروته في صراعات نفسية عنيفة قادته للطبيب النفسي الذي يكشف من خلال التحليل الطبيعة المعقدة لهذه الشخصية . لقد خاض الناس في مواقع التواصل الإجتماعي في تخمين هوية شخصية رجل الأعمال وهوية شخصية رئيس التحرير وتحدثوا عن أسماء بعينها قالوا أنها هي المقصودة في هذا المسلسل ... ويعتقد الكاتب أن رجال أعمال بارزين ورؤساء تحرير صحف قد أوغروا صدور نافذين في الحكومة وحرضوهم على إيقاف المسلسل ووصفوه لهم بأنه يتناول ممارسة الفساد في الدولة وأنَّه سيُلقي بظلال قاتمة على صورتها أمام الشعب !!! إنّ دولةً يخيفها ويرعبها مسلسلٌ إذاعي يعالج درامياً قضايا الفساد والرشوة والمحسوبية ، لا شك أنها ضالعة وغارقة في الفساد حتى أذنيها ولا تريد أن تسمع أي حديث عن هذا الكابوس المرعب الذي يغض مضجعها ويؤرق نومها !!! ولقد كان حديث الرئيس أمام شباب حزبه يمثل قمة الفزع والهلع من هذا الكابوس حيث قال لهم بالحرف الواحد ( نتحدى أي زول يقول في مسئول أخد عمولة ) !!! ونحن نتحدى هذا الرئيس أن يكشف لنا ملفات فساد الشرطة التي قدمها له النقيب شرطة أبو زيد شخصياً !!! إنّ هذا الرئيس متهم لدى الشعب بإعاقة سير العدالة والتستر على فاسدين في جهاز حساس بالدولة وستظل هذه الإتهامات تلاحقه حتى يكشف للشعب عن أسرار هذه الملفات وسر ملاحقته للنقيب أبو زيد ومحاولات الإنتقام منه والتصدي لخصومته !!! لقد كان حديث الرئيس أمام شباب حزبه صدى لتأثير كابوس مسلسل بيت الجالوص في قمة هرم السلطة ، إذ كيف يعقل أن يُضمِّن رئيس بلد خطاب تنصيبه إنشاء مفوضية لمكافحة الفساد ثم يأتي بعد شهر من ذلك التاريخ ليحدث شعبه عن براءة كل مسئول في حكومته من تهمة الفساد !!! إنّ التفسير الوحيد لذلك هو أن هذا الرئيس ضالعٌ ووالغٌ في برك الفساد الآسنة وأنّه شريك أصيل لكل فاسد من أعضاء حكومته لذلك يشهد ببراءتهم ليبرئ نفسه لأنه يعلم تماماً أن أي قضية فساد تُفْتَحُ سيرتها ستنتهي خيوطها عند عتبة بابه !!! إذا كان هذا الرئيس يعتقد أن كل مسئول في دولته برئ فلماذا ضمَّن خطاب تنصيبه إنشاء مفوضية لمكافحة الفساد ؟ كيف تقوم مفوضية تضم جيشاً جراراً من الموظفين لتكافح فساداً غير موجود ؟ أين هذه المفوضية التي وعد الرئيس بقيامها ووعد بأن يكون قانونها هو أول قانون يجيزه البرلمان ثم ها هو البرلمان يذهب في إجازة طويلة حتى أكتوبر دون أن يُودع الرئيس منضدته أي مشروع قانون لإنشاء مفوضية لمكافحة الفساد !!! إنّ الحديث عن مفوضية للفساد تكون تابعة للرئيس هو ذروة وسنام الفساد ، لأن الرئيس الذي ينفي وجود فساد في دولته ، غير مؤتمن على متابعة ملفات الفساد ومشكوك في نزاهته لأنه بتصريحاته تلك يحمي كل فاسد ويحصنه ضد المساءلة ويضع نفسه خصماً لكل شخص يتحدث عن الفساد في هذه الدولة ولو كان مسلسلاً درامياً !!! Mahdi Zain مهدي زين [email protected]