انتشرت في الأشهر الماضية وعبر مواقع التواصل الاجتماعي صورة لطفل في التاسعة من عمره وهو يحمل سلاح ناري حديث . من ملامح الطفل فهو سوداني وتحديدا من دارفور او جنوب كردفان . خلفية الصورة مسجد وبعض المنازل الريفية , مجموعة من الاشجار الباسقة وتحتها الارض خضراء . هذا الطفل جزء من آلة الحرب والصراع , البعض يرجع أسباب الصراع للتمرد والمنافسة على موارد الارض (المرعى تحديدا ) . المسجد يدل على ان القوم مسلمون وهذا ما لا شك فيه وينفي أي نوع من صراع ديني , الأشجار والخضرة تعني ان الطبيعة سخية والأرض بخير والموارد جيدة وكافية وأيضا الخضرة دليل الامطار والنماء والخصب وهذا ينفي كون ان البيئة والطبيعة هي السبب في الذي يجري . لم ينشغل الناس كثيرا بتلك الصورة وإنما اخذها البعض كنوع من التسلية ...لم تجر كلمة بشأنها على لسان مسئول مع انهم يكثرون الحديث في الذي يعنيهم والذي لا يعنيهم .... كم مرة تضاربت وتعارضت تصريحاتهم وتطاول بعضهم على اختصاصات البعض في صميم مسؤولياته . لم يهتم أحد والسبب بسيط , صورة من الاطراف وبسببها لن تتوقف المواصلات او الكهرباء او الحفلات في الصالات الأسطورية ..... سوف تغني المغنية ويتراقص القوم ( مافي مشكلة ) . تتجدد اهمية الصورة اليوم بمناسبة ما طالعتاه عبر صحف اليوم عن صراع قبلي جديد وقتال في الريف الجنوبي لام درمان بين الهواوير والجموعية .... من المعلوم ان هذه المنطقة من الموردة مرورا بالفتيحاب والأرياف بعدها تسكنها قبائل الجموعية بصورة كبيرة وكذلك الهواوير وبصورة اكبر في مناطق الموردة . الفريقان من الحضر حول العاصمة مع نشاط زراعي لا بأس به وقليل من الرعي .ولا ندخل في تفاصيل تاريخية عن هجرات القبيلتين لتلك المناطق ووجودهم التاريخي ( الباب البجيب الريح ...) ...حيث لا يخدم ولا يفيد الوضع الراهن البحث في الجدليات . ولكن علينا ان نقول ان للقبيلتين ادوار في المهدية مع المهدي ومن بعده مع الخليفة عبد الله . للهواوير وجود كبير في كردفان , غرب كردفان في تمازج مع الجوامعة وفي شمالها مع الكبابيش وحتى مناطق الكواهلة .... ويمتد وجودهم شمالا مع البديرية . . المهم في الامر ان النار لم تعد في اطراف الثوب , بل وصلت الجلباب والعمة وحتى الطاقية . البعض يقول ان النظام الحاكم هو من أيقظ مارد القبلية واستثمر فيه ايما استثمار . شاهدهم ان النظام لجأ لتسييس القبائل ومبايعتها بالجملة والقطاعي في مبايعات مشهودة ومنقولة عبر الاجهزة المرئية ( قبيلة كذا تبايع المؤتمر الوطني ) . ويزيدون : انه استعان كثيرا بالمكون القبلي في صراعاته السياسية والعسكرية وبمقابل مادي ومعنوي ومكافآت في الحكم . . ويزيدون : في سعيه للموارد النفطية والمعدنية والاستثمار الخارجي في الزراعة ابتدع المساومات (والترضيات ) والتعويضات كمنهج غير موضوعي مما جعل للأرض قيمة عالية واكبر من عائدها الزراعي والرعوي بدرجات ومراحل . عاب الكثيرون على النظام عدم وعيه بمخاطر هذه السياسات في تفتيت المكونات الاجتماعية عبر التنافس والثراء السريع عن طريق التعويضات . وللدولة الحق في حسم تلك الامور عبر ولايتها على الارض الحكومية ( كل ارض لا يملك صاحبها او المنتفع منها صكوكا رسمية فهي ارض للدولة ) . يقول البعض ان النظام لا يتوانى في ارضاء بعض القبائل على حساب قبائل اخرى من حيث يدري ولا يدري . ما طالعناه في بعض الصحف يرجع اسباب النزاع بين الحموعية والهواوير للصراع على المرعى ...... هذا مضحك ...أي مرعى حول عاصمة سعر المتر فيها هو الاعلى على مستوى العالم . إذن هو صراع على ارض لها قيمتها كعقار وسكن ليس إلا . ناقوس الخطر : ما يحدث الان في الجزء الجنوبي الغربي للعاصمة بين الهواوير والجموعية قابل للتكرار في شرق النيل ونفس الاسباب والحيثيات موجودة فقط في انتظار قدح الزناد . ايضا قابل للتكرار في اقصى شمال العاصمة وحتى نهر النيل والشمالية , على الاقل بين القبائل القاطنة على النيل والقبائل الرعوية المحيطة بها من الشرق والغرب ( لا داعي لتحديد اسماء القبائل التي سوف تكون طرف في هذه الصراعات المحتملة ..... فقط نشير لصراع في نهاية التسعينات بين الجعليين والمغاوير والذي ازهقت فيه ارواح واحتاج لجهد كبير لتلافي استمراره وقد كان امرا مؤسفا جدا . على كل حال من المتوقع ان تشتعل كل المنطقة حول العاصمة , ربما تسلم او تتأخر المنطقة جنوب ثوبا بسبب وجود تكييف قانوني للأرض عبر مشروع الجزيرة ....اليس هذه محمده لمشروع حمل السودان اقتصاديا ردحا من الزمان وفوق ذلك كان سبب ونواة لتكوين وطن قومي . لا شك ان الذي يحدث من صراعات قبلية يؤكد غياب الدولة او عجزها تماما . هذا العجز السياسي والإداري لازم الانقاذ منذ بداية عهدها . اداروا اكبر دولة في افريقيا ومتداخلة اثنيا وثقافيا وامنيا وحدوديا مع عدة دول , دول لها اطماع مبطنة ومدعاة في ارض السودان , اداروا قطر بهذه الاهمية والخطورة والاتساع بعقلية الاستسهال والتبسيط واللامبالاة . اداروا السودان مثلما يدير صبية الحي ناديهم الرياضي , مثلما تدير نساء الحي صندوق العدة ( يمتد ليشمل الملايات والصابون ) . في احسن الاحوال اداروا الدولة السودانية بنفس العقلية التي كانوا يديرون بها اتحادات الطلاب . مع الاعتذار لصبية ونساء الحي ولاتحادات الطلاب . المحير في الامر : ماذا ينتظر هؤلاء حتى يتحركوا ويفعلوا فعل رجال الدولة ؟ الاغرب منه : تجدهم في المناسبات الوطنية العامة يجلسون في اول الصفوف ( ويعرضون مع اغاني السيرة والدلوكة ) ويستمعون بكل تأثر ووطنية مصطنعة لأغنية ابو داؤد ..... يا وطني العزيز يا اول وآخر بحياتك بمجدك افاخر . بماذا تفاخرون ؟ [email protected]