بسم الله الرحمن الرحيم د. سعاد إبراهيم عيسى اعتقد ان كل المعاناة التي يعانيها الشعب السوداني اليوم, وبمختلف أشكالها وألوانها, ترجع إلى سبب واحد يمثله, استجابة واستكانة أحزاب المعارضة لخدعة الحزب الحاكم التي مكنته من الانفراد بالسلطة والثروة ومن بعد أن تفعل ما تريد كما تريد بمن يريد. فحكومة الإنقاذ منذ مقدمها عملت على إغلاق أي مدخل قد يقود إلى رشد الحكم المتمثل في التداول السلمي للسلطة. وبعد ان افلح الحزب الحاكم من جعل السلطة والثروة ملك يديه وحده, خرج على بقية الأحزاب ببدعة المشاركة في السلطة باعتبارها تداولا لها, وللأسف قبلتها الأحزاب المعارضة, إلا من رحم ربى طبعا, ومن بعد أصبح على المواطن تحمل تبعات ونتائج ذلك العبث السياسي المتمثل في وجود حكومة بلا معارضة, وبالتالي بلا برلمان قادر على اكتشاف أخطاء الحكومة ومعاقبة المخطئ أيا كان موقعه.. فتداول السلطة بين مختلف الأحزاب كما تعلمون, هو الصيغة الوحيدة التي يجبر الحاكم من بين تلك الأحزاب والمعارض منها, على بذل أقصى الجهد لكسب ثقة الجماهير ورضائها, وفى ذلك فليتنافس المتنافسون, يفعلون ذلك لعلمهم بان الجماهير وحدها ولا طريق غيرها, يمكن ان توصلهم لسدة الحكم. وفى غياب تلك المنافسة, وفى حضرة الانفراد الدائم بالسلطة والثروة, يصبح رضاء الجماهير أو كسب ثقتها ليست هاما لدى الحزب الحاكم, الذى بدلا من ان يفعل ما تشاء وتختار الجماهير, فانه يفعل ما يشاء ويختار بها وهو الأمر الذي يعكسه ما يفعله المؤتمر الوطني بجماهير الشعب السوداني اليوم. المدهش ان الحزب الحاكم ومن كثرة تعلقه وتشبثه بالسلطة, فانه لا يرى أيا من عيوبها التي أورثت البلاد والعباد كل ما يواجهونه اليوم من مشاكل تزداد حدتها يوما بعد يوم , كما وانه كثيرا ما يحاول, لا إصلاح ما أفسده انفراده بالسلطة, بل العمل على تعزيز وتثبيت أقدامه على أرضها ومن ثم المزيد والجديد من مشاكلها. فقد صرحت قيادة الحزب الحاكم بأنهم كانوا بصدد الجمع بين حزبهم وحزبي الأمة القومي والاتحادي الديمقراطي الأصل, في حزب واحد, بمعنى الاستمرار على السير في طريق الشمولية, حتى ان انصهرت كل أحزاب السودان الأصلية منها والمصنوعة داخل المؤتمر الوطني. ثم جاءت آخر صيحة في الابتعاد عن التداول السلمي للسلطة وتكريس الشمولية, بطرح الشيح حسن الترابي لما اسماه (النظام الخالف) وهو نظام لن يختلف عن كونه طريقة أخرى لاستمرار الشمولية ونظام حكومة بلا معارضة.. وبالنظر لما يعانيه المواطنون اليوم من عذاب وشقاء بسبب غياب أهم ضروريات الحياة بل ومن أبجدياتها, كالمياه والكهرباء, أضف إلى ذلك ضنك العيش بسبب غلاء المعيشة وارتفاع أسعارها التي ضربت رقما قياسيا في ارتفاعها, وفوق كل ذلك ومن قبله وبعده, كبت الحريات الذى يحرم على المواطن مجرد التعبير عما يجيش بخاطره تجاه ما يكابد من ألام وأوجاع تترى عليه من كل اتجاهات الحياة, وفى ذات الوقت الذى يشاهد فيه المسئولين عن عذاباته وهم يسعون إلى علاجها بالمزيد من مسبباتها. وزير الكهرباء الذى أعلن في وقت سابق عن انه لن تكون هنالك برمجة لقطوعاتها, بمعنى توفرها طبعا, وقبل ان يتلاشى صدى تصريحاته, كان التيار الكهربائي قد عاد إلى عربدته القديمة, الأمر الذى اضطر سيادته للتخلي عن وعوده, والإعلان عن برمجة للأسف أثبتت إنها عملية خرمجة عندما أضافت لغياب التيار الكهربائي لثمان أو تسع ساعات وفى حر قائظ وفى شهر رمضان, أضافت لكل ذلك تمكنها من إفساد الكثير من المأكولات أو غيرها, مما يحتفظ بها البعض بالثلاجات فأصبح انقطاع التيار عبارة عن (سخرة وخم تراب) فلماذا لا يتم تقليل فترة قطع التيار وزيادة عدد أيامه ما دام فرضا لازم السداد؟ ما يثير الحيرة الآن هو ان التيار الكهربائي قد عاد للاستقرار منذ بداية أيام العيد, واستمر حتى صباح السبت ثم عاد إلى جنونه السابقة, فاعتبرنا النعمة التي عشناها طيلة الأيام الماضية عبارة عن مقدمة لمرحلة من مراحل العلاج بالكي, الذى تعود عليه المواطن عند كل أزمة اقتصادية تواجه السلطة, فلا يعرف أي مسئول طريقا لعلاجها أيسر من ان يدخل يده في جيوب المواطنين الخاوية على عروشها ليزيدها خواء. والسيد وزير الكهرباء لن يكون استثناء, فهو أيضا يرى علاج أزمة الكهرباء لن تتأتى إلا بزيادة تعرفتها والتي سيتكفل بتوفيرها المواطن لتزيد من طين فقره بلة. حقيقة لا ندرى ان كان هؤلاء المسئولين, وهم يرغبون في رفع الدعم عن السلع أو زيادة أسعار بعضها, قد جال بخاطرهم ولو مرة واحدة, مدى تأثير ما سيقدمون علي فعله على أحوال المواطنين الحياتية التي لا ينقصها المزيد من البؤس؟ وأخشى ان تعتبر الزيادات التي يعلن عنها فى كل عام, رغم ضعف تأثيرها في خفض معاناة المواطنين, هي العلاج لما يلحق بالمواطن من مضاعفات لمشاكله الاقتصادية المتصاعدة, فالمشكلة الرئيسة لكل العاملين بالدولة, طبعا ما عدا الدستوريين وأولاد المصارين البيض, لا زالت تتمثل في اختلال كفتى معادلة دخل ومنصرفات أي عامل, بدأ من أساتذة الجامعات إلى اصغر عامل بأى موقع كان. فمن من العاملين أمكن لمرتبه ان يغطى كل احتياجاته الحياتية لشهر كامل؟ السيد وزير الكهرباء وفى سبيل ان يهيئ المواطنين لما هو قادم من زيادة لتعرفة الكهرباء, أراد ان يطمئنهم أولا بان الزيادة ليست لتوفير موارد مالية للحكومة, بل لتحقيق قدر من العدالة بين فئات المجتمع, والحد من استهلاك ذوى الدخل المرتفع للكهرباء في ساعات الذروة. كما وانه لا توجد أسس أخلاقية ولا قانونية, تجعل الحكومة تدعم مواطنا مقتدرا. ورغم ان المقتدرين لن يمنعهم أي مقدار في زيادة تعرفه الكهرباء من الاستمتاع بها في ساعات الذروة, إلا ان هذا التبرير هو ذاته الذى أعلنته الحكومة لرفع الدعم عن المحروقات, إذ رأت بان الأغنياء هم الذين يستفيدون من ذلك الدعم أكثر من الفقراء. وهذا منطق لم نسمع بمثله في أي دولة أخرى تعمل على التمييز بين مواطنيها في تقديم أي خدمة لهم على أسس أوضاعهم الاقتصادية. المعروف والمألوف ان الأثرياء في كل دول العالم, يتمتعون بما يتمتع به كل المواطنين الآخرين من خدمات, كل الاختلاف أن الأثرياء في مثل تلك الدول, يدفعون من الضرائب ما يغطى كل ما تمتعوا به من خدمات بل وتفيض, بينما الاختلاف هنا, ان الحكومة لا تعطى أمر ضرائب الأثرياء حقها من الاهتمام, خاصة بالنسبة للأثرياء الجدد الذين لا يلتزم الكثير منهم بتسديد ضرائبهم كما الواقع والحقيقة, ورغم ذلك تغض السلطة الطرف عنهم, وتمعن النظر فيما بيد أصحاب الدخل المحدود والمهدود. على كل نحن في انتظار الكيفية التي ستعالج بها مشاكل الكهرباء, والتي تمثلها الزيادة في الطلب والقلة في العرض, خاصة ولم نسمع من الوزير ما يشير إلى علاج النقص الذى لن يتأتى عبر خفض استهلاك المقتدرين, وسننتظر أيضا ما ستسفر عنه نظرية عدم المساس بحق الفقراء في التيار الكهربائي, وألا يتأثر بزيادة التعرفة للكهرباء, وعلى ان يقتصر أثرها على الأثرياء وحدهم. أما انقطاع المياه, فهذه قمة الفشل لأي نظام حكم, خاصة في وجود وتوفر الماء مما يدل على العجز عن كيفية توفيرها للمواطنين. وقطعا سنسمع من المسئولين عنها المياه نفس المعزوفة التي تطالب المواطن بتوفير الأموال التي تساعدهم على معالجة أخطائهم.. فكم عدد المرات التي سمعنا فيها عن مشروعات لتغيير شبكة المياه التي آكل عليها الدهر وشبع, وكم عدد المرات التي دعم فيها المواطنون لتنفيذ تلك المشروعات ا وكانت المحصلة استمرار ذات المشكلة. وداخل عتمة هذه المشاكل أطلت على المواطنين بارقة أمل عندما أعلن السيد والى ولاية الخرطوم الجديد عن إعفائه لعدد 160 خبيرا ومستشارا, الحق بهم 26 من بين العاملين بالولاية, وقد مثل ذلك التصرف أول خطوة في اتجاه إصلاح الجهاز التنفيذي وحصر أعداد العاملين به فيما يحتاجه فعلا, الأمر الذى يقضى على الترهل الذى لازم كل الحكومات السابقة, والذي اقعد بها وحرمها من إسراع الخطى في اتجاه نهضة وتطور البلاد, وفى ذات الوقت العمل على تعميق مشاكلها الاقتصادية. ولعل ابتهاج المواطنين مرجعه إزالة أعباء الصرف على تلك الكتائب من الدستوريين. لكن وقبل ان تكتمل الفرحة, طالعنا المؤتمر الوطني بأنه, يتوقع زيادة الحقائب الوزارية بحكومة ولاية الخرطوم الجديدة, مبررا ذلك, نسبة لخصوصية الولاية, باعتبارها تمثل العاصمة القومية. وكأنما ولاية الخرطوم ستصبح العاصمة القومية لأول مرة الآن. ويضيف دكتور مصطفى عثمان, بأن الحزب قد أخلى عددا من المقاعد الوزارية, ومقاعد معتمدي الرئاسة, للأحزاب السياسية والتنظيمات التي خاضت الانتخابات الأخيرة, ونسال السيد مصطفى عن معنى معتمدي الرئاسة التي سيتكرم بها حزبه للأحزاب التي آزرتهم في تلك الانتخابات, المعروف ان هنالك معتمدي المحليات ومهامهم المعلومة, فما هي مهام معتمدي الرئاسة هؤلاء؟ يبدو ان المجموعات التي تخلص منها الفريق عبد الرحيم فأخرجها عبر الأبواب ستعود إليه مرة أخرى وعبر النوافذ. فالحزب الحاكم بصدد ان يكافئ كل الأحزاب التي وقفت بجانبه بعد ان تخلى عنه حتى البعض من كوادره الأصيلة, فأراد ان ينعم عليهم ببعض الحقائب الوزارية أو غيرها من المسميات التي لا يعجز عن اختراعها, و المؤتمر الوطني يفعل كل ذلك وهو يعلم علم اليقين انه في أسوأ حالاته الاقتصادية, بما لا يسمح بالمزيد من هدر الأموال في مجاملات لا طائل من ورائها. وهكذا تتضح أهمية التداول السلمي للسلطة التي يحصر عدد مقاعدها لما هو مطلوب فعلا ولصالح عضوية الحزب الحاكم دون غيره, فالمعارضة التي مكنت للحزب الحاكم من تحقيق هدفه في الانفراد بالسلطة والثروة, وبعد ان عجزت عن ان توحد صفوفها وكلمتها وتتمسك بإتباع الطرق الصحيحة والسليمة لتداول السلطة, فقبلت بمجرد المشاركة فيها, وبعد ان وقع الفأس على الرأس, أراد بعضها ان يستثمر في مخرجات عجزها عن انتزاع حقها في الوصول إلى إدارة السلطة كاملة, الأمر الذى أوصل المواطنين إلى هذا الدرك من ترد في الخدمات وحرمان من بعضها, الأمر الذى أجبرهم أي المواطنين,على الخروج للطرقات احتجاجا على كل ذلك. تحالف قوى الإجماع الوطني وهو يصحو على أصوات الجماهير التي تعالت بسبب المعاناة التي ظلت تكابدها وفى كل الجبهات, فخرجت تعبر عن حنقها على نظام عجز عن ان يطعمها من جوع, ويرويها من ظمأ, بل ويؤمنها من خوف. فأرادت تلك القوى ان تستثمر في هذا الوضع المأزوم, فرات ان توجه خطابا لما أسمتها القوى الوطنية, طالبة منها ان تعمل على تصعيد ودعم هذه الاحتجاجات المطلبية السلمية للمواطنين على تردى الخدمات, وصولا بها إلى الانتفاضة والعصيان المدني, والإضراب السياسي, وبالطبع والاهم الوصول إلى إسقاط النظام. ولنا ان نسال عن من هي القوى الوطنية التي ستقوم بتنفيذ ما تم اقتراحه من خطوات توصل تلك قوى التحالف إلى الغاية المنشودة, إسقاط النظام؟ فان كانت تلك القوى الوطنية من بين جماهير الشعب السوداني القابض على جمر كل تلك المشاكل, حتى دفعته لكسر كل حواجز الخوف والخروج لكي يسمع كلمته ويعلن عن رأيه, فهم قطعا مشاركين في كل ذلك التحركات, ومن ثم ليست في حاجة لمن يدلهم على الطرق التى يجب ان تسلك لتصل إلى غاياتها, والسؤال الأهم ان كانت قوى الإجماع الوطني ممن هم خارج السودان, يصبح ليس من حقهم ان يتدخلوا في شئون من هم بالداخل, فالذي يده في الماء ليست كمن يده في النار. وبمعنى آخر تعالوا للداخل لتقودوا الجماهير إلى حيث ترغبون. وسؤال أخير لقوى التحالف, لنفرض ان الحكومة خفضت الأسعار ووفرت تيارا كهربائيا لا مقطوع ولا ممنوع, ومياه خالية من الكدر والطين وصالحة للاستخدام الادمى, يعنى قد تم القضاء على تردى الخدمات, فأى الطرق ستقودهم إلى إسقاط النظام حينها ؟