مصر لم تتراجع عن الدعوى ضد إسرائيل في العدل الدولية    حملة لحذف منشورات "تمجيد المال" في الصين    أمجد فريد الطيب يكتب: سيناريوهات إنهاء الحرب في السودان    زلزال في إثيوبيا.. انهيار سد النهضة سيكون بمثابة طوفان علي السودان    ماذا بعد انتخاب رئيس تشاد؟    يس علي يس يكتب: الاستقالات.. خدمة ونس..!!    500 عربة قتالية بجنودها علي مشارف الفاشر لدحر عصابات التمرد.. أكثر من 100 من المكونات القبلية والعشائرية تواثقت    مبعوث أمريكا إلى السودان: سنستخدم العقوبات بنظام " أسلوب في صندوق كبير"    قيادي بالمؤتمر الشعبي يعلّق على"اتّفاق جوبا" ويحذّر    (ابناء باب سويقة في أختبار أهلي القرن)    عصار الكمر تبدع في تكريم عصام الدحيش    عبد الفضيل الماظ (1924) ومحمد أحمد الريح في يوليو 1971: دايراك يوم لقا بدميك اتوشح    قصة أغرب من الخيال لجزائرية أخفت حملها عن زوجها عند الطلاق!    الهلال يتعادل مع النصر بضربة جزاء في الوقت بدل الضائع    كيف دشن الطوفان نظاماً عالمياً بديلاً؟    محمد الشناوي: علي معلول لم يعد تونسياً .. والأهلي لا يخشى جمهور الترجي    مطالبة بتشديد الرقابة على المكملات الغذائية    السودان..الكشف عن أسباب انقلاب عربة قائد كتيبة البراء    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية تخطف قلوب المتابعين وهي تستعرض جمالها ب(الكاكي) الخاص بالجيش وتعلن دعمها للقوات المسلحة ومتابعون: (التحية لأخوات نسيبة)    شاهد بالصورة والفيديو.. "المعاناة تولد الإبداع" بعد انقطاع الماء والكهرباء.. سوداني ينجح في استخراج مياه الشرب مستخدماً "العجلة" كموتور كهرباء    بالفيديو.. شاهد رد سوداني يعمل "راعي" في السعودية على أهل قريته عندما أرسلوا له يطلبون منه شراء حافلة "روزا" لهم    برشلونة يسابق الزمن لحسم خليفة تشافي    البرازيل تستضيف مونديال السيدات 2027    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الترابي : أزمة فرد محنة وطن..!!.. إختيار الترابي للدين كمدخل للسياسة لم يكن إعتباطا
نشر في الراكوبة يوم 27 - 07 - 2015


بسم الله الرحمن الرحيم
عبدالله مكاوي
أعتقد أن أحاديث ومواقف الدكتور الترابي الأخيرة، غير ذات أهمية! وذلك ليس بسبب إزاحته من خانة التأثير، بفعل أبنائه البررة، كنتيجة لإحتدام الصراع حول السلطة، او واقعية غواية السلطة، وقدرتها علي تعديل موازين القوي والنفوذ، وتاليا المكانة والإحترام، بقدر كشفها لعورات الغرور ومكامن العجز ونواقص النفس والسلوك، وصولا للتضحية بالأبناء والآباء والرفقاء، وليس إنتهاءً بالتنكر للمبادئ والقيم والشعارات المرفوعة، علي مذابح إغراء المناصب وشهوة حب الرئاسة، فقط! ولكن في الغالب، لأنها تتقصد الفرقعات الإعلامية وجذب الأنظار والإنتباه، وتسقط الأضواء والإهتمام. بعد أن جارت عليه الأيام وودعته السلطة الي غير رجعة، وأحاطت به شرور أعماله إحاطة الفقر بجُل المواطنين. لتُردي به الي ركن قصي، كسير النفس حاسر التأييد خامل الذكر والتأثير، يلعق جراحه وهزائمه ويلعن حظه العاثر، ويتربص الدوائر بأعدائه وما أكثرهم، وهل لمن يعبد ذاته من أصدقاء سوي نفسه؟! ولكن ذلك لا يمنع أن لأقوال وأفعال ومواقف الترابي الأخيرة، جاذبية خاصة! تنبع تحديدا من طبيعة التناقضات التي تكتنفها، وآثار حكمة الزمان وقانونه الأزلي، عندما يضعان أبناء الحياة الضالين، أمام آثامهم وجرائمهم وأخطائهم وغدرهم، وجها لوجه. من هذه الوجهة فقط، تصبح للترابي أهمية ووجود، في عالم طابعه التسارع وتتجدد قضاياه بإستمرار. وهي غالبا تجاوزت نموذج الترابي أو من يسكن نفسه، منذ أمدٍ طويل، بوعيه او من دونه. والسبب في ذلك بسيط، ويرجع تحديدا لتعقد القضايا وتشابكها، وتاليا معالجتها تحتاج لمنظومة معقدة ومتشابكة من المناهج والنظم والأساليب، وهو ما يعني بدوره إستعصاء الحل علي الفرد مهما بلغ من قدرات! وهو ما داومت الإشارة إليه بصدق، بأنه عصر المؤسسية والمؤسسات. ولو أن ذلك لا ينفي، أن الفرد يمكن أن يدمر دول ويحطم مجتمعات، والترابي نفسه يقدم أفضل دليل علي ذلك.
في هذا السياق يصبح حديث الترابي والأصح أمنياته المريضة، عن قدرته علي طرح بدائل جديدة، لحل أزمات الوطن المتناسلة، والتي لا يصدف أنه من نسج قماشتها وأسس أرضيتها! بل يذهب أبعد من ذلك، بتوهم قدرته علي حل مشاكل العالم ضربة لازب او قبل ان يقوم من مقامه! او قدرته الفذة علي حل مشكلة دارفور قبل أن يرتد إليه طرفه. مجرد إعلان عن الحضور، وهو تعبير فاضح عن شخص (مفوت تاريخيا) او يعيش زمانه الخاص، والذي ليس بالضرورة أن يكون الزمان الفعلي، او زمان الآخرين، بل المؤكد أنه ليس بزمان الآخرين. ولكنه الزمان الذي يتحكم فيه كيفما شاء، وكأنه مراهق يبني مملكته الخاصة ويصنع ملكه المطلق، في عالم من أحلام الصحيان! والذي يقوم فيه بكل الأدوار، او يشغل فيه موقع الحكمة، إن لم نقل هو الإله، الذي يتحكم في كل خيوط المملكة ويخضعها لمشيئته. وما فاقم من هذه الحالة التوهمية، إتاحة الفرصة له للظهور في كل مرة، ليعيد علي مسامعنا الشقية، سيرة إنتاج ملكه ومملكته. وهو غير مدرك بالمرة، لطبيعة المياه التي عبرت تحت الجسور، وجرفت معها كل مصداقية، إن لم نقل معقولية، يتمتع بها هذا الكائن الخرافي. بمعني آخر، إن شطحات الترابي ومغالطاته للبديهيات، إفتقدت طابع الدهشة والغرابة، وهي درجة من الفوات، لا تشابه إلا مرض الزهايمر وتشويش او تهيؤات الشيخوخة، لهذا الطود الهلامي الشامخ! وكذلك يعود جزء من تفاقم حالة غربة الترابي، وشذوذه ومفارقته لأدني شروط الإتساق وإلإلتزام المبدئي، اللذان لأبد وأن يتوافرا، في كل من يقود بضعة أفراد، ناهيك عن حزب سياسي، وللمفارقة يتبني الإتجاهات الدينية، شديدة الحساسية للمسائل الأخلاقية! المهم، يعود جزء من مسؤولية هذا الإنحراف، الي الجماعة الإسلاموية المحيطة بالترابي! بتعبير آخر، الترابي بطموحه العريض وثقته الزائدة بنفسه، وقدراته الفائقة علي اللعب بالأفكار وعقول ومشاعر صبيانه، وصولا لإنتقائيته الرثة، للنصوص والشرائع الدينية! وفر علي أتباعه الإستقالة من رهق الفكر ووجع التساؤلات، وأكلاف المساهمة الإيجابية في الحياة العامة، ناهيك عن عدم القدرة علي الإعتراض علي تلك الإنحرافات، كثقافة تدجين زرعها في أتباعه، تستبطن السيطرة، وتنعكس في شكل أكلاف باهظة يدفعها المعترضون، ليس أقلاها الحكم بالطرد من جنة الحزب، وتشويه السمعة والحصار الإجتماعي(وهذا دليل ليس علي ضعف تدين الترابي فقط، ولكن علي هشاشة تدين أتباعه بصورة أكبر!). وبكلمة واضحة، مثَّلت وضعية الترابي المتجاوزة، إستقالة للإسلامويين من المسؤولية الوطنية(السياسية) والدينية (الأخلاقية) والحضارية(الإتساقية) هذا من ناحية! ومن ناحية أخري، قدم الترابي وبمشروعه الإسلاموي المتهافت، فرصة لنجاة الإسلامويين من السقوط في الفراغ والتهميش، وهم من هم علي هذا القدر من الكسب الأكاديمي (المجرد!) والحس المتعالي علي الأحزاب الطائفية (كمظهر متدني لا يليق بهم!) وفي نفس الوقت، العجز عن مجاراة اليسار وشجاعته في مصادمة كثير من المسلمات التقليدية، بغض النظر عن الخسائر الإجتماعية ولاحقا الإنتخابوية (وليس بمستغرب أن نفحات الإستنارة القليلة التي داعبت وجه الوعي الوطني، هبت عليه من جهة اليسار، جزاه الوطن والتاريخ عنا كل خير!). ليجد الإسلامويون في الترابي ومشروعه الهلامي، الذي يناسب ضعف ملكاتهم ورقة وطنيتهم، وتوقهم المرضي للتميز، ضالتهم المنشودة! التي تعفيهم من تقديم البديل المقنع عن اليسار من ناحية، والشجاعة والجرأة في مصادمة المعيقات التقليدية، وتحمُل التبعات من الناحية المقابلة. والمقصود، تقديم المشروع الهادف لتغيير المجتمع وبناء الدولة الحديثة، والذي لابد وأن يمر بمقاربة قيم الحداثة، بكل وضوح وصرحة.
أما مسألة ترحيل الفساد الي المجتمع، من مدخل رمتني بداءها وأنسلت! فهو من باب تحصيل الحاصل. بمعني، وبما أن الترابي مُنزَّه عن الفساد، فتاليا أتباعه ومشروعه لا يقلون عنه تنزُّه، مع حفظ المقامات بالطبع، إلا في حالة معارضة الترابي! فعندها يتم التخلي طواعية عن حالة التنزُّه العامة، التي تُسيطر علي الجماعة التُرابية! ومن ثم التردي في بيئة الفساد، للأتباع الضالين او المطرودين من رحمة الترابي. وفي كل الأحوال، يصبح المجتمع بمعارضته وعدم قبوله الإيمان المجاني، بالترابي وأطروحاته (خطرفاته!) هو علامة علي العصيان، بل والكفر والخروج من الملة الترابية، هو ما يعني آليا السقوط في بركة الفساد، وغيرها من الشرور والآثام. وهكذا يصبح فساد المجتمع، هو نتيجة طبيعية، للإبتعاد عن الصراط الترابي المستقيم. أما أسباب الفساد الحقيقية وأساطينه، فهذا من الهُراء الذي لا يُصدق، عن دولة الإستقامة الترابية، إن لم يمثل دليل إدانة للكفرة او الخونة لا فرق! والذين يشكل حضورهم، حاجة وجودية، للدولة الهلامية (الترابية) كغيرهم من الأعداء الوهمين. أي كشماعة تعلق عليها كل الخيبات والفشل! وكحاجة مكملة للأجهزة الشرطية والأمنية والأبواق الإعلامية والأساليب الإرهابية، التي تحل محل القبول الطوعي، او مجرد الإقناع، للآخر الشريك في الوطن، المختطف او المنتهك (ترابيا!).
وكل هذا يقودنا الي المجازفة بالقول، إن إشكالية الترابي الحقيقية، هي نفسية مرضية، أكثر منها سياسية فكرية! وإن كانت تمظهراتها السلطوية، هي الأكثر ظهور والأبلغ تأثير والأفجع ضرر. ولكن، هل يعني ذلك، إيجاد المبررات والأعذار لممارسات الترابي وأخطائه؟! ومن ثم غفران ذنوبه العصية علي الإحاطة! أي كمريض يستوجب التعاطف. لأ أعتقد أن ذلك صحيح تماما! بمعني، إن الإستعطاف يستوجب، الإستجابة من المريض والرغبة في الشفاء (وكما يقال لا شفاء لمن يحتاج لمرضه!) وكذلك حضور الذل والإنكسار، كإحساس بالضعف والهوان، من سطوة المرض وسلطته الغادرة. وكل هذا يتعارض تماما، مما عرف عن الترابي، من شدة الغرور والمكابرة والعناد، والتعالي علي الإعتراف بالأخطاء، والترفع عن فضيلة الإعتذار، التي لا تتماشي مع حالة نصف الإله، التي يتلبس دورها! علي الأقل، فهو من يمنح الشفاء والحكمة والخلاص للآخرين! فكيف يستقيم عقلا، أن يصبح هو مدار لعلاج، أقوام تقل عنه، معرفة وخُلق وحكمة، وإستشراف للمستقبل. أي لا يصح مع شخصه ومكانته، إلا التبجيل والتعظيم ونيل صفات الكمال! بل بقدر حبه والتعظيم لشخصه، تزداد الحظوة والمكانة، ليس في نفس الترابي فحسب، وإنما كقيمة حياتية(رضا الترابي) يخلعها علي أنصاره والمريدين، وذلك من خلال التنظيم أيام سطوته او من خلال مشروع الإسلام السياسي، بإمتداده العابر للدول والحدود( بقدر تقييده للنظر سواء للعالم او الآخر!).
وأيضا مصدر عدم التعاطف، يطل من بين الدوافع الغريزية المتفحشة، التي يبرزها الشيخ بتوحش، وهو يتهافت علي الإمارة! وكأنها حق مقدس، والأصح أنها حق شديد التقديس، يكمل دائرة القداسة المحيطة بشخصه! لأن هذه الثغرة (السلطة!) تطعن موضوعيا في حالة القداسة التي يتمثلها الترابي! وهل يعقل أن يتجرد المقدس من السلطات؟ او يتحرر من الأوامر والنواهي وتوقع الطاعات؟ فماذا تبقي للمقدس والقداسة إذا؟! وفي الحقيقة، هذه المواقف الغريزية، في طورها الصبياني وسعارها الشبقي، لم تجلب النفور من الترابي فقط! ولكنها وسمت الجماعة الإسلاموية ككل! بمعني، النفور العام الذي تقابل به جماعات الإسلام السياسوي، يعود بشكل أساس الي أنها حركات او جماعات غريزية، ذات منازع سلطوية جبارة! والمقصود، طغيان الغرائز وحاجاتها ودوافعها وإندفاعها، علي مكونات العقل والتعقل والذوق والسلوك المتحضر! كنهج او سمة الجماعات البدائية، في أطوارها الهمجية، التي لم تمسها أنامل الحضارة بلطافتها او يغشاها التهذيب برقته! وهو ما أفقدها جانب الحكمة السياسية والرزانة الوطنية والخلق الديني القويم! لتصبح كتلة من التهور والجحيم، تحرق أخضر ويابس القضايا الوطنية الحقيقية، وتهدر فرص الخلاص التاريخية. وهي تستبدل لغة السياسة والحوار والمشاركة، وتعبيرات قبول الآخر والتسامح بين فرقاء الوطن الواحد! بلغة الإنقلابات العسكرية ونفي الآخر وتخوينه، وإستخدام لغة العنف ووسائل الإكراه والإرهاب، وصولا الي الإنحدار لحالة من التخلف والرجعية، تنذر بفتنة الحرب الأهلية الكبري، والتي لن تقوم بعدها للدولة السودانية، بشكلها ومكوناتها المعهودة قائمة أبدا. وهو ما ترتب عليه، تحول الجماعات الإسلاموية، بمختلف تشكيلاتها وتياراتها وطموحاتها، الي خميرة عكننة، وتهديد للسلم والأمن والتعايش الوطني، داخل الدولة الواحدة وبين الدول بعضها البعض. وهذا بالطبع، دون نسيان دورها التاريخي، كأكبر معيق لعبور الأوطان الي حالة الدولة الديمقراطية، ذات الطبيعة المدنية المستقرة. بمعني آخر، بدلا من صرف الجهود الفكرية والسياسية الوطنية، لمعالجة المعضلات التنموية والإدارية للدولة الوطنية. إنصرفت معظم الجهود، والأصح أهدرت، بالدخول في صرعات دون كيشوتية، مع جماعات خارج التاريخ، تدمن تزوير الأحداث والأفكار! وبدلا من رؤية المستقبل والإستفادة من ممكنات الحاضر، نجدها إنكبت علي التنقيب في التاريخ، بإنتقائية وتخيُّل وتصورات رغبوية، لتُخرِج منه كالسامري عجل مثالي له قدرات (مارد الجان) تتعلق بأستار عبادته! والسبب في إخلاص العبادة له، ليس ديني بالطبع، بل فاقع الدنيوية، ويعود تحديدا، لإباحته الإحتيال علي الواقع والسطو علي الوقائع، وإحتواء الآخرين وإحتكار البلاد بصفة عامة! من أجل الوصول لمنابع الإمتيازات وتلبية نداء الشهوات، بشكل حصري. والحال كهذا، يصبح الترابي، ليس عالم دين او مفكر اوقائد..الخ من أوصاف يلصقها به أتباعه، لينالوا من الفضل جانب؟! ولكنه وفي أحسن الأوصاف، مُنتحِّل لصفة المفكر ومنتهك لقداسة الدين، وهو أقرب لأن يكون ساحر او مشعوذ تحت الطلب، يُحيِّل بلعبة فكرية او حيلة سياسية او حركة مسرحية، كل إنحراف وطني او منكر ديني، الي مباح او وأجب يؤجر من يأتية، حتي ولو من دبرٍ! وبكلمة واحدة، الترابي منبع للشرور والفساد والفتن، وتاليا ما يتبناه من مشاريع سياسية او فكرية او دينية، لا تعدو كونها حيل إجرامية، مُؤسِسة لمشاريع وآليات هدامة، لا تكتفي بهدم الدول وتخريب المجتمعات فقط، ولكنها تتعداها لتنال من صحيح الدين نفسه، لتكون مكارمه وقيمه السامية أول ضحاياه! وإستطرادا، تصبح مشاريع وحركات الإسلام السياسي، هي نفسها، منبع للشرور والفتن ونشر الفساد في البر والبحر! وليست وسائل او أدوات او مشاريع، لتقديم أجوبة دينية او ردود فكرية او بدائل سياسية جديدة، تحمل التطور للوطن والخلاص للمواطنين.
وطبيعي مشاريع منبتة ومضللة وفاسدة كهذه، أن تصل في منتوجها النهائي لنموذج داعش! هذه الحالة الخرافية، من العبث والجنون والعنف والوحشية والعدمية والتخلف والخراب! وهذه النتيجة او الثمرة (الداعشية) المُرة! ليست غريبة او غير متوقعة، بل قد تكون حتمية، لكل جماعة او تيار يعاند حركة التاريخ، ويزدري الحضارة وجهد الإنسان وخبراته، وسعيه للترقي، وقدرته علي مواجهة واقعه وحياته، من دون إضافات خارجية! لا يندر أن تستخدم كحيل ووسائل تخدير وتنويم مغنطيسي، من قبل ضعاف النفوس والقدرات، كبار الرغبات والشهوات. بمعني، ليس هنالك مخارج آمنة(جبانة!) فإما الإنخراط في حضارة العصر والإستفادة من فرصها بكل ثقة وإتساق(شجاعة!)، او مواجهتها وغالبا بغير لغتها وأدواتها! وتاليا السقوط في فخ داعش وأمثاله من مكونات مشوهة وشاذة. فداعش في أبسط تفسيراته، هو مواجهة للحظة الحضارية الراهنة، بكل قيمها ومدنيتها وفرصها! ولذلك نجده لا يتورع عن إستخدام أكثر الأساليب معاداة ومعارضة، لهذه القيم الحضارية الراهنة. بتعبير آخر، عنف ووحشية داعش الموصوفان، لا يعبران عن كائنات متوحشة وشاذة بالفطرة، بقدر ما يعبران عن حالة رفض عدواني، لواقع معاصر او غير محتمل لكائنات غير حضارية، او يستعصي عليها إستيعاب لحظة حضارية، لم تساهم في تشكيلها بشكلٍ فعَّال، أن لم نقل إستوعبتها بشكلٍ معكوس او إنهزامي وسلبي، يرفضها بكل منجزاتها! وفوق ذلك، هي عاجزة عن مواجهتها بالحسني، لأن الحسني نفسها، قيمة حضارية مفتقدة، لدي هذه الأمساخ البربرية المتوحشة، التي يبدو أنها كالبوم لا تعيش إلا حول الركام او في وسط كهوف الظلام. وعموما، ليس هنالك خيار في عيش اللحظة الحضارية، كما يبدو في الظاهر! لأنها تمثل القانون الحاكم العام. فعدم الرضوخ له او أقلاه معرفة آليات عمله وتشغليه، يعني السقوط تحت طائلة جرائمه وعقوباته. ومن خداع الذات توهم العيش خارجه، رغم أن الجميع يتنفس هوائه. وهو ما يعني، أن داعش خيار عدمي، يتحمل أصحابه تبعاته، دون تبرير او شفقة! حتي لو إنتمي إليه أقرب الأقربين. فهؤلاء ليس من أهل اللحظة الحضارية الراهنة، ومسلكهم غير حضاري، ويسري عليهم قانون اللفظ الحضاري، وعذاب النفي، وجحيم العزل والرفض الإجتماعي. ولا نامت أعين الطامحين في الإنتماء إليه!!
ولكن السؤال المُحير، كيف لشخص كالترابي، بكل هذه الدرجة من التناقضات والإرتباكات، والإرتكابات الفظيعة، والتبرير للأخطاء والجرائم، وإستخدام الأسوأ من الوسائل والسلوك! وشخص تكتنف رحلته السياسية والفكرية والدينية، كل هذه التشككات والطعون! وليس قليلا من كشف المثالب والإنحرافات، بكل أوجهها الذاتية منها والموضوعية. أن يصبح مصدر جذب للأنصار والمؤيدين؟! وقائد لقطاعات عريضة من المتعلمين؟! يقودهم كالقطعان الضالة من محنة الي كارثة، ومن دون رؤية كل هذه النواقص او إحساس بالذنب وإستعداد للندم. والأنكي وأمر، أن البعض من الشعبيين ما زال يواصل مسيرة الغيبوبة، بعد إنقشاع الغُمة، وسقوط قناع الدين والفكر والخلق القويم، في معركة السلطة وجانبها الدنيوي الإمتيازي حصريا، والمفارقة ضد بعض أبنائه. أي بعد تعريته التعرية التي لا تغطية بعدها أبدا (بالطبع، بعد إزاحة أطماع السلطة جانبا، والتي توهمها البعض، أنها لا محالة سترسو في شاطئ الترابي، او كما يتوهم الشيخ الخرف حتي الآن!). فمؤكد أن جزء من عوامل الجذب، تتمثل في وجود نوع من المشتركات او الصفات المتطابقة، بين الترابي ومناصريه. وبما أن الترابي، وبعد هذه المسيرة العملية الطويلة (بيان بالعمل!) أثبت أنه لا يتمتع بأي فضائل او صفات إيجابية في حدودها الدنيا، سواء أكانت سياسية فكرية او دينية خُلقية! فعندها تصبح نقاط الجذب والإلتقاء، كلها سلبية او ذميمة. بمعني آخر، ما يجمع شُلة الجماعة الإسلاموية، ليست قيم دينية مُعلنة او قضايا وطنية مؤرقة، او هموم تنموية، او رغبات جادة في إنجاز تطورات، في طريقة إدارة الدولة السودانية! ولكنها فقط، تتمحور حول السلطة وأمتيازاتها. والدليل الصمت علي الترابي، وهو يقوم بكل هذه الألعاب السياسية الفكرية الدينية (البهلوانية!) والتي لا تصمد أمام أي رؤية سياسية فكرية دينية جادة او خلق مستقيم! وعوضا عن النقد الموضوعي لها، ولا نقول الإعتراض(حتي لا نحملهم فوق طاقتهم وهم يسكنون مملكة الرعب الترابية!). نجدهم فضلوا الإختباء، خلف فقه الضرورة حينا! والإتكاء علي حائط مبكي المظلومية التاريخي، او الدخول في سردية وأوهام نظرية المؤامرة والإستهداف والإستضعاف كل الأحيان. وهذا دون الحديث عن تسليم كل أوراق اللعب ليد الترابي، يحركها كما يشاء، ويفعل بأتباعه ما يريد! وكأنه أحدث فيهم حالة من غسيل الأدمغة الكاملة، بل وعمي البصر والبصيرة لدرجة محيرة، والأصح محزنة (أتذكر بعض الزملاء من الطلاب وقبل المفاصلة بوقت وجيز، ومكانة الترابي في نفوسهم وعقولهم، وإستعدادهم لعمل كل ما يطلبه منهم، دون سؤال او نقاش! وعجزهم عن رؤية شيخهم علي حقيقته، رغم الوضوح!!). وهو ما جعل الحركة الإسلاموية نفسها تبدو كعلبة مغلقة، تعتمل في داخلها كثيرا من تفاعلات الضغوطات والإحتقانات والرغبات المتضاربة، وكبت التناقضات والصمت علي المفارقات، حتي حدوث الإنفجار (الفضيحة!) أي حادثة المفاصلة، عندما بلغ سيل الصراع علي السلطة الزبي! لنشهد بعدها نزول الشيخ من عليائه (عرشه او ربوبيته المتوهمة!).
ليصبح مجرد قائد فاشل ودكتاتوري متسلط..الخ من مساوئ، يستحيل أن ترد علي لسان أحدهم(رغم قناعته بها!) أيام سطوة الشيخ! ليتم تحميله كل الأخطاء والأوزار (عموما له نصيب الأسد منها، علي ألا ينتقص ذلك من جرائم الآخرين شيئا!). بل أصبح شجب الترابي ونقد سلوكه من(الرميات اللازمة، حسب تعبير البوني ورمياته) او المقدمات لكل من ينضم لجناح القصر او يطمع للترقي فيه! أي كره الترابي ولعنه، دلالة إخلاص للقصر وساكنه! وسبحان مغير الأحوال. ولم يتأخر الشيخ نفسه، في التحول الي كتلة من الحقد والغضب، ولم يتورع عن إستخدام، نفس الألفاظ والأساليب الفاسدة، التي كان يستخدمها ضد الأعداء! ليعيد إستخدامها ضد أبنائه، وإن بشكل أكثر حدة ومرارة (ولسخرية الزمان في إسلامييها شؤون!). وكما إن المكر السيئ لا يحيق إلا باهله، فقد شرب الترابي من نفس الكأس، التي سقاها لشركاء النظام الديمقراطي الذين إنقلب عليهم غيلة وغدرا! والأكثر مرارة، أن أسلحته أصابها الصدأ، وأصبحت لا تخيف أحدا. خصوصا من يتمرغون في نعيم السلطة، من أتباعه ومثيري حنقه وحقده! إلا من باب التشفي والتهويش الطفولي والإزعاج، الذي يحاكي طنين الذباب، الذي يسببه لأتباعه القدمي في سدة السلطة، ولكنه لا يقتل أحدا ولو معنويا او يحرم سلطة ولو شكليا. والمحصلة، تكشف ما كان معلوما بالضرورة، عن هذه الجماعات، التي تتاجر باسم الدين! وهي في حقيقتها لا يجمعها إلا حب السلطة والجاه، وتبرأ أسم الله منها ومن متاجرتها الرخيصة. وذلك بدوره يدفعنا للقول إن منظومة المؤتمر الوطني، أفضل بما لا يقاس عند مقارنتها بمنظومة المؤتمر الشعبي (لاحظ التشابه في الإسم الذي يدل علي الفقر في الخيال والمتاجرة بخداع البسطاء!) وذلك رغم الموبقات والأخطاء والفساد، التي مارسها ويمارسها المؤتمر الوطني، علي الأقل فهؤلاء واضحون في أغراضهم السلطوية القحة! إضافة الي عدم نسيان، إن الشعبيين أنفسهم كانوا شركاء في التأسيس لهذه الكوارث، ولم يعتذروا عنها بوضوح، ويدفعوا أكلاف أخطاءهم علي دائر المليم. بمعني، إن الشعبيين الذين يلتفون حول الترابي بعد المفاصلة، ليمارس أضاليله ومكره من جديد، ويصرون بغباء وعبث عجيب، علي إعادة جثة الحركة الإسلاموية، من العدم بعد أن شبعت موت، ومكانة الترابي من الحضيض، بعد أن خالط عظمها اللحم بالتحلل والمظهر المضمون بالتلوث! لهم أشد بأسا وأسوأ طوية وأخطر علي البلاد وأشر علي شعبها. وإنهم لو كانوا في مكانة المؤتمرجية الوطنيين، الذين يحلمون بإزاحتهم والحلول محلهم، لكانوا أكثر منهم فسادا وإهلاكا للحرث والنسل. وما يجعل هذا التوقع، ليس رجما بالغيب، بل يكتسب صدقية كلما تلفتنا حولنا او تمعَّنا في أفراد وبرامج الشعبيين! أن الترابي ما زال علي رأسهم، لأنه إذا فسد الرأس، فلا تسأل عن باقي الجسد. ولذلك يستغرب المرء، من أولئك الذي يضعون أيديهم، في أيدي فلول الشعبيين! وعلي قيادتهم الدكتور الترابي، صاحب القدح المعلي، فيما أصاب الدولة السودانية من تدهور ودمار. بكلام ثانٍ، مجرد الإقتراب ناهيك عن وضع اليد في يد الشعبيين، يعني بدوره، الدنو من الترابي منبع الكوارث والمحن، وهو ما يعني بصريح العبارة، الصفح عن مجرم كالترابي وصحبه الأشرار! ويعني بصورة أكثر شمول، ليس تهديد المستقبل ونذره للخطر فقط، ولكن ضياع الزمن والتضحيات ودماء الأبرياء والمظالم وفرص البلد في العمار والتقدم والرخاء، هباءً منثوراً. إضافة الي أنه لا يشكل قطع، مع تشكيل العصابات، وممارسات الإجرام والفساد بإسم القانون، والسطو علي السلطة بإسم الشرعية الدينية، وما ترتب عليه، من إهدار فرص تراكم التجربة والخبرات الديمقراطية. وعلي العموم، التحالف مع الشعبيين لا ينقذهم من السقوط الوطني، ولكن للأسف، يسقط المعارضة في قاع السذاجة والخفة والسخافة، وصولا للبراغماتية في نسختها الأكثر إنتهازية. ومؤكد وعي وسلوك كهذا، فوق إحباطه العام، فهو يسبب عسر في ميلاد الخلاص القادم، إن لم يُمكِّن أعداء المعارضة (الإنقاذيون المتخفون!) من النيل منها. وخاصة إذا كان المعارضون بهذا المسلك، يتوهمون أن في حزب المؤتمر الشعبي فائدة ترجي منه، او سلاح تكتيكي يمكنهم من النيل من المؤتمر الوطني او الحكومة الحالية! فهذا بدوره يمثل ضلال أشد إحباطا! ولكنه لا يقل وهما، من توقع أن الجماعة الإسلاموية بصفة عامة، لديها ما تقدمه! او يمكن أن تجد لها موضع قدم، في أي خطوة إصلاحية او طموحات مستقبلية! إلا في حالة إستمرار مسلسل الهوان الوطني، في هذا الوطن المسكون بالوجع، وإعادة إنتاج الفشل، وحكمة تجريب المجرب وتوقع الأفضل!! والسبب في ذلك، ليس أخطاء الجماعة الإسلاموية، وعلي رأسها قائدها الذي علمها، المكر والدسائس والفساد وإدمان النهب والتخريب! ولكن في الأساس، لأن الجماعة الإسلاموية تفتقد للمشروع السياسي الحقيقي، إضافة الي أنها لا عهد لها، ولا يأمن جانبها إلا القوم الغافلون! وبكلام أخير، التحالف مع المؤتمر الشعبي، يعني صبينة سياسية لا تليق بأحزاب وطنية، لديها مشروع حقيقي للتغيير! ويجب بعد هذه المحنة الوطنية الأليمة، وضع حد فاصل بين الدين والوطن! ومنع تكوين أحزاب علي أسس دينية بالمطلق! لأنها لا تمثل أكثر من حيل والأعيب ومكر، يستثمر في العواطف والمشاعر الدينية! وهو ما يصح وصفه بالسمسرة السياسية، التي تعتاش علي هامش وإنحرافات القضايا الوطنية الجوهرية، بقدر ما تعبر عن أزمة أصحابها والمتعاطفين معها. كما أن تحريم الأحزاب الدينية، يسحب أهم كرت من تجار السياسة، مما يدفعهم، إما للكدح والجدية بتبني مشاريع سياسية حقيقية، وتعبر عن إحتياجات آنية وشعبية! او سد الطريق أمامها، والخلاص من شرها ومكرها وفسادها مبكرا، وقبل التورط في إتاحة الفرصة، لزراعة الشعوذة وحصاد الكوارث. (وعلي العموم كل من يرغب في تكوين حزب ديني عليه بالسفر لأفغانستان وعلي الدولة واجب مساعدتهم بالتذاكر المجانية وتأشيرات الخروج دون عودة، ورافقتهم السلامة والقلب داعي ليهم، وحلال عليهم الحسني والجنة وأنهار الخمرة والغلمان والحور العين! ولا عزاء لنيل الزيادة والتي يقال في بعض التفسيرات أنها رؤية الرب، فالجماعة مشغولين مع الحور والخمور وما فاضين!). فيا أيتها المعارضة، ما حك جلد قضايا وحقوق الوطن في عنقك، مثل ظفر نضالك ووضوح أدواتك الديمقراطية المبدئية! فأتركوا كعب أخيلكم (الشعبيين) وقوموا الي رهان تحرير الوطن، بصدق الطرح، وإقناع جماهير شعبنا الوفية! من قبضة الإنقاذيين الإجرامية، يرحمكم التاريخ ويبركم الوطن ويحترمكم المواطن.
وبعد كل هذه المسيرة المريرة والسيرة الكئيبة، ما هي الفائدة التي يتم جنيها، من سيرة طابعها كل هذه المراوغة والإلتواء، وإحداث كل هذه الكوارث الوطنية والنكبات الإجتماعية والمصائب الدينية! الفائدة الوحيدة، في إعتقادي من مراجعة تجربة نموذج الترابي، وما سببه للوطن من محن حامضة، هو نيل العظة والإعتبار علي جري قصص عادٍ وثمود من ناحية! ومن الناحية المقابلة، أخذ الحيطة والحذر من تكرارها، او تصديق زعماء الدجل وكبار المشعوذين بالدين او بالمشاريع الطوباوية والخيالية الحالمة! وذلك من أجل تكوين وعي أرضي واقعي، ينخرط في راهنه، وبأدوات وأساليب راهنه. فإن لم يكن ذلك من أجل إحترام الراهن، ومتطلبات العصر، ورغبات الأجيال الجديدة، كدلالة نضوج وعلامة حكمة وإحساس بالمسؤولية! فأقلاه بالإستجابة للمقولة العربية العتيقة، لكل مقام مقال ولكل أوانٍ رجال.
آخر الكلام
إختيار الترابي للدين كمدخل للسياسة لم يكن إعتباطا، فهو يعلم يقينا، أنه أكثر الحقول خصوبة للإستثمار، ولو أنه لا يمثل الحقل الأفضل سواء للسياسة او الوطن! عوضا علي أنه يدل علي شيوع ثقافة الإستسهال والإستهبال، او الركون لوضعية العطالة والإستعباط والضحك علي الذقون! الشئ الذي ينعكس علي الأنشطة الإقتصادية والإنتاجية والسياسية وحال البلد بصفة عامة، أي كبيئة عامة سائدة (الفهلوة/السمسرة!). كما أنه أقل حاجة للإبداع والإبتكار وبذل الجهد، وهو ما يؤدي لنفس النتيجة السابقة، ولكن بوضعية معكوسة، أي إحتقار الفنون بما هي إبداع و ثقافة العمل بما هي كدح..الخ (تبدل القيم او إنقلابها!). ولذلك وبعكس ما يعتقد البعض، فإن المشاريع الدينية لا تحتاج للذكاء العالي والقدرات الخلاقة والإمكانات الخارقة! وفي الغالب الأعم، وبفعل محدودية الحركة والحرية في محيطها، يتحول الذكاء الي مكر ودهاء، والتجديد الي تلفيق وتزوير، لا يليق لا بالقضايا المطروحة ولا بالمصلحة العامة! وكل ذلك من أجل مواكبة لحظة راهنة، هم كارهين لها مبدئيا ورافضين لها في العلن، ولا يستقيم مشروعهم إلا بهذا التلاعب والدجل (وفي هذا مصدر التناقض!). وإذا كان هذا سمة، كل قادة المشاريع الإسلاموية السياسوية الماضوية، فهو في حالة الترابي أشد وطأة وأقوم حيلة! ولكل ذلك، فيا أيها الدكتور الترابي او الشيخ المتصابي(سلطويا!) فالتعلم أن صمت الدجال عبادة! وإعتزاله خير عميم! وإن لم يكن فيه خير لأمته، وهو الغالب، فمن باب أولي أن يكف شره عنها! وبما أننا نعلم بأننا نؤذن في مالطة، ولا حياة شريفة وإيجابية لمن ننادي! بحكم أننا ننادي سيد الغافلين ورسول الضالين، وأن الكبر والعناد وقرا في قلبه، والفساد في سلوكه والتلون في مواقفه، والمراوغة في أقواله وأفعاله، والتذبذب والتراجع عن مبادئه إن وجدت! فإننا رضينا من الغنيمة بالإياب!! ودمتم في رعاية الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.