يبدو أن السيد والي الخرطوم جاء إلى المؤتمر الصحفي الذي عقده لإعلان حكومته بسياسة (الترهيب والترغيب) فالوالي الجديد يعلم كارثية الوضع في ولأيته.. الوضع السابق لعهده والواقع الحالي الذي يحتاج إلى إعلان حالة الطواريء.. لذلك عمد إلى سرعة إدارة المؤتمر الصحفي وإعلان الحكومة (على عجل) وفي ذات الوقت عمد إلى التخويف لصد الصحفيين عن إطلاق الاسئلة المحرجة.! ولاية الخرطوم منذ سنوات طويلة لم تجد حظها من الاهتمام من قبل الولاة الذين تعاقبوا عليها.. فانعكس ذلك سلباً على مستوى الخدمات (غير المقدمة) من قبل مؤسسات الدولة المختلفة.. وحدث انفلات في الأسواق ليس على مستوى الغلاء المعيشي فقط بل على مستوى جودة السلع ونظافة الخضر واللحوم والأطعمة في الكفتريات المنتشرة بكثافة وساد الغش التجاري والاحتيال وبدأت ملامح الانفلات الأمني تطفو إلى السطح.. النهب المسلح والعصابات المنظمة والتنامي السريع لهذه العصابات.. والجديد.. السرقات السريعة التي ظهرت في الشوارع الكبري وفي الأحياء للموبايلات وشنط السيدات ويرفع الجناة شعار (الجوع يدفعنا للسرقة).. فأصبح المواطن يعيش حالة فقدان الأمن بالاحتيال المباشر والمؤسسي والسرقات الليلية والنهارية.. هذا غير القضايا الأخرى المتعددة في تنفيذ مشروعات الولاية تارة بالإهمال واللامبالاة ومرات أخر بالفساد.. وقضايا التعليم التي أصبحت (مسخرة) وتفوقها قضايا الصحة التي فتحت لها ملفات سوداء في المستشفيات الإقليمية ووسط كل ذلك تسبح العاصمة الآن في أطنان النفايات التي فشلت كل الحكومات السابقة في حسم أمرها على الرغم من المبالغ الطائلة التي صرفت على مشروع نظافة الولاية.! لابد أن يعلم الوالي أن القضية ليست في كشف المستخبي أو هجوم الصحافة أو المواطنين.. العلاقة بين المسؤول والصحافة والمسؤول والمواطن مرتبطة مؤشراتها بمدى قيام المسؤول بمهامه بمسؤولية وضمير وصدق وبكفاءة عالية.. والأعمال تتحدث عن نفسها ولا تحتاج إلى تقارير (وكشف إنجازات).. العاصمة في أية دولة هي عنوان الدولة الذي يكشف ما يحدث في بقية أجزائها.. والعاصمة الخرطوم ظلت أكثر من مخجلة وأسوأ عنواناً للسودان.. حتى الاستثمارات الأجنبية وقبلها المحلية هربت (ونفدت بجلدها) من سماسرة الاستثمار من أعلى القمة إلى قواعد الموظفين الذين يحرسون بوابات الاستثمار..! الفريق عبدالرحيم الوالي الجديد يحتاج إلى منهج جديد يدير به الولاية إذا كان يريد فعلاً تحقيق نصر يحسب له في هذه الولاية (المظلمة.. المظلومة).. ويحتاج إلى بطانة صالحة (تبكيه) قبل أن (تفرحه). فالخلل أكبر بكثير مما يعتقده سعادة الوالي.. فسوف تتكشف له الأمور تباعاً إن فتح عينيه وأرهف سمعه.. فالخرطوم هي السودان بكل إشكالات التنوع الوارد من تعدد البيئات والمناخات والسحنات والعادات والتقاليد والصالح والطالح.. ووالي الخرطوم بدرجة (رئيس جمهورية) الأمر الذي يلقي على عاتقه مسؤولية كبرى وخطيرة.. اختيار القيادات فيها يحتاج إلى إعمال كل العمليات الحسابية.. ليت والينا الجديد يدرك أهمية الكرسي الذي جلس عليه حتى يملأه فالذين سبقوه لم يقدروا أهميته لذلك غرقت في شبر موية الجريدة