في التاسع والعشرين من يونيو 2004 كان الجنرال كولن بأول وزير الخارجية الامريكيةبالخرطوم ينزع قطعة مناديل ورقية ليمسح بها على وجهه.. مفاوضات شاقة استضافها القصر الجمهوري وترأس الجانب السوداني الرئيس البشير شخصيا..الجنرال باول رمى بجزرة حينما اخبر القيادة السودانية ان الرئيس الامريكي بوش يرغب بان ينال البيت الابيض شرف استضافة توقيع اتفاق السلام الشامل.. ولكن بعد نحو شهر من تلك المقابلة كان محلس الأمن الدولي يسن قرارا حمل الرقم (1556) يحذر من تردي الأوضاع في دارفور. كان ذاك التصرف الاممي مثيرا لغضب القيادة السودانية التى انتظرت المكافأة على جهدها في محاربة الارهاب وتنازلاتها في اتفاق السلام الشامل فنالت بدلا عن ذلك صفعة دبلوماسية..ولكن سوء الفهم بين واشنطنوالخرطوم بدا يتكرر حتى تحول الى عدم ثقة ثم ياس في علاقات مستقرة بين البلدين . سوء الفهم او ادعاء عدم الفهم يتضح جليا في تسويق نتائج زيارة دونالد بوث المبعوث الامريكي للسودان وجنوبه ..بوث زار الخرطوم باحثا عن الاستقرار في جنوب السودان ..امريكا تستشعر مسئولية اخلاقية في مصير الدولة الجديدة التي دعمت قيامها دون استشراف للمستقبل القريب..قبل ان تكمل دولة الجنوب عامي الفطام تحولت الى دولة مصدرة للاضطرابات وجيوش الفارين من جحيم الحرب.. رغم ان اجندة الزيارة واضحة الا ان بعض خبراء تغبيش الوعي خرجوا بتسريبات بان امريكا رفعت الحظر على منتج الصمغ العربي الذي يحتكر السودان إنتاجه بشكل كبير..الحقيقة ان امريكا لم تضع أصلا قيودا على استيراد هذه السلعة الحيوية. الحقيقة التي نرفض تقبلها ان بلدنا لا خاطر له عند امريكا..بمعني اننا لسنا دولة بثقل الخليج ولا تأثير ايران ولا حتى اهمية كوبا او خطورة كورياالشمالية الأمن القومي الامريكي..عدم الأهمية يضاف اليه الصورة السالبة لبلدنا في العقل الجمعي لامريكا ..ارتبط السودان بحق او بغيره في الوجدان الامريكي بالحروب والارهاب والتزمت الديني..مثلا تعاملنا مع السيدة مريم يحي التي تحولت عن الاسلام وحكم عليها بالردة ثم تم تصديرها الى الغرب في صفقة غير واضحة المعالم فباتت مريم هذه تجسد لصورتنا السالبة. في تقديري..ان تشخيص العلاقة مع امريكا يسبق تحسينها..في المعادلة الدبلوماسية نحن الطرف الأضعف ..بطاقات الضغط التي بايدينا ليست كثيرة ولكن من الممكن استخدامها ..الان الظروف تبتسم لنا عبر ملف الجنوب ..ذات الامر حدث قبل سنوات حينما كانت واشنطن تبحث عن مفاتيح للتعامل مع الحركات الاسلامية..التعامل ببعد نظر في الملف الجنوبي ربما يكون مدخلا جيدا وجديدا في تحسين العلاقة مع امريكا. بصراحة..لن يفعل وفد رئيس البرلمان الزائر لامريكا شيئا غير ان يتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة وبعض من النثرية الدولارية..مفتاح العلاقة موجود في الخرطوم ويتلخص في إقناع واشنطن اننا راغبون وقادرون على نكون عامل استقرار في الإقليم ثم لا ننسي الاحسان الى شعبنا المقهور . آخر لحظة