لا تقتصر أضرار التلوث على الخارج ولا تنتهي بمجرد غلق أبواب المنزل، وإنما تزداد تفاقما لأنها قد تشكل مزيجا بين تلوث الهواء الخارجي المتسلل عبر النوافذ، لا سيما لمن يقطنون العواصم شديدة الاكتظاظ أو على جنبات الطرقات السياراة، وبين الغازات المنتشرة في البيت التي تشمل مواد التنظيف وهواء المكيفات وإفرازات الحيوانات وعث السرير. وتبيّن، مؤخرا، أن هذه الأضرار إضافة إلى إضعافها للجهاز التنفسي، فقد تتسبب أيضا في إحداث خلل كبير بالحيوانات المنوية والمبيض، وقد تؤدي إلى العقم. العرب لندن - أثبتت دراسات علمية أن التلوث البيئي يؤثر في الشكل الطبيعي للحيوانات المنوية وفي عددها ونسق حركتها. وصنف تقرير منظمة الصحة العالمية 2002 مشكلة تلوث الهواء الداخلي بعد تلوث المياه والصرف الصحي، كأكثر المشاكل الصحية والبيئية التي تشكل مخاطر صحية في دول العالم النامية، فتلوث الهواء الداخلي في المنازل يقتل 1.5 مليون إنسان سنويا حول العالم. وكشفت الإحصائيات أن الفرد يقضي حوالي 90 بالمئة من وقته في مبان مُحكمة الإغلاق ورديئة التهوية. وتحتوي أجواء المنازل على العشرات من الملوثات المسؤولة على العديد من أمراض الجهاز التنفسي، والقلب، والحساسية والأورام السرطانية. ومن بين هذه الملوثات الغازات الناتجة عن عملية التدفئة، بشكل عام والتي تستخدم فيها حول العالم أنواع كثيرة من المواد تشمل الغاز والنفط والكيروسين والفحم والخشب. فتنبعث في أجواء المنزل غازات أحادي أكسيد الكربون وثنائي أكسيد الكربون وثاني أكسيد الآزوت والجسيمات الصلبة. وتزداد صعوبة السيطرة على هذه الغازات في فصل الشتاء، مع استعمال وسائل التدفئة بشكل مستمر في أماكن محكمة الإغلاق. وحصر الغازات بهذا الشكل يسبب ضيق التنفس والسعال المزمن والصداع والغثيان وأمراض العين، كما يمكن أن يصيب الأطفال بالتهابات رئوية حادة بسبب ضعف أجهزتهم التنفسية. ويعرف غاز أحادي أكسيد الكربون بتفاعله مع هيموغلوبين الدم مكونا كربوكسيلي هيموغلوبين الذي يتسم بعدم قدرته على التفاعل مع الأكسجين، فيشعر الشخص الذي يستنشقه بضيق في التنفس ودوار ثم نقص تأكسج دماغي وكسل في الجسم وميل للنوم إلى أن يصل إلى فقدان الوعي والاختناق والموت إذا لم يسعف. وبحسب الإحصائيات فإن المواقد غير السليمة يمكن أن تمثل خطرا على الصحة بمعدل دخان سيجارتين يوميا. وأن دخان المنازل يعتبر رابع سبب للأمراض والوفيات في دول العالم الثالث، وبالتالي فإن تحسين المواقد باستخدام وقود نظيف ومعايرة الحراقات بشكل دوري، وإضافة مداخن لها يمكن أن يخفض من نسبة التعرض للدخان من 30 إلى 50 بالمئة. وتنتج ملوثات خطيرة مسرطنة عن مواد البناء والمواد المستخدمة في الأثاث: كالأسبستوس المستخدم في العزل والصوف الزجاجي والذي يتراكم داخل الجهاز التنفسي ولا يمكن إزالته وبالتالي يسبب سرطان الرئة. الآثار الصحية على أجسام الأطفال الذين يكبرون في منزل يدخن فيه الأبوان فادحة وبالغة الخطورة وتستخدم المركبات العضوية على نطاق واسع في الاستخدامات المنزلية مثل الدهان والورنيش والشموع وجميعها تحوي مذيبات عضوية كما هو الحال في الكثير من مواد التنظيف والمعقمات ومستحضرات التجميل. ويصنف التدخين السلبي ضمن الملوثات الخطيرة التي لا تستثني أحدا داخل المنزل من أضرارها. ووفقا للدراسة التي نشرت في "دورية القلب الأوروبية"، والتي أجريت على أكثر من ألفي شخص، تتراوح أعمارهم بين ثلاث سنوات و18 سنة، تبين أن الأضرار التي لحقت بهم كانت نتيجة لتدخين كلا الأبوين.ويقول خبراء إنه لا يوجد مستوى "آمن" للتعرض إلى التدخين السلبي. ويكشف هذا البحث، الذي أُجري في فنلندا وأستراليا، الآثار الصحية الفادحة على أجسام الأطفال الذين يكبرون في منزل يدخن فيه الأبوان. وأظهرت أشعة بالموجات فوق الصوتية كيف أن الأطفال الذين يدخن آباؤهم، تحدث لهم تغييرات في الجدار الخاص بشريان رئيسي يمر من أعلى الرقبة إلى الرأس. مواد التنظيف تنتج غازات ضارة ورغم أن الاختلافات في مستوى تصلب الأوعية الدموية للشريان السباتي كانت بسيطة، فإنها أصبحت مؤثرة بعد نحو 20 عاما حينما وصل الأطفال إلى سن البلوغ، بحسب الباحثين. وقالت الدكتورة سينا غال، المشرفة على الدراسة من جامعة تسمانيا، "إن دراستنا تظهر أن تعرض الأطفال للتدخين السلبي يسبب أضرارا مباشرة ببنية الشرايين لا يمكن تداركها". ورأت أنه يجب على "الأبوين أو حتى الأشخاص الذين يفكرون في إنجاب أطفال الإقلاع عن التدخين، وهذا لن يعيد إليهم عافيتهم فحسب، لكنه سيحمي صحة أبنائهم مستقبلا". وكشفت دراسة علمية حديثة لباحثين أميركيين، أن النساء اللاتي يعشن قرب الطرق الرئيسية يكن أكثر عرضة للإصابة بالعقم بفعل استنشاقهن الهواء المختلط بأبخرة عوادم السيارات، وذلك مقارنة بالنساء اللواتي يعشن فى بيئة نظيفة. ولتأكيد نتائج الدراسة التي نشرها الموقع الطبي الأميركي ميديكال نيوز توداي، تابع الباحثون أكثر من 36 ألف امرأة في الفترة من 1993 وحتى 2003 وحللوا الهواء المحمل بعوادم المرور قرب منازلهن، لمعرفة أثره على حملهن. ورصدت النتائج 2500 سيدة أصبن بالعقم، مقابل معاناة 11 سيدة يعشن بعيدا عن الطرق السريعة من انخفاض الخصوبة. وقال رئيس فريق البحث الدكتور شروتى ماهلينجيا، الباحث في كلية الطب بجامعة بوسطن، إن عوادم السيارات تنتج مزيجا من الجسيمات الصلبة المتطايرة تشمل الغبار والأوساخ والدخان، والتي بدورها تؤثر على قدرة الإنجاب. وأضاف الدكتور مارك نيووينهاسين، الباحث في مركز بحوث علم الأوبئة الأميركي، ومعهد برشلونة للصحة العالمية، أن عوادم السيارات لا تسبب العقم فحسب بل أيضا ترفع من خطر الإصابة بالربو عند الأطفال والكبار، وكذلك خطر إصابة الأجنة بالعيوب الخلقية.