لم يكن مفاجئا لخبراء الاقتصاد أو حتى للمواطن أن يأتي مؤشر التضخم عن شهر يونيو المنصرم مرتفعا عن مايو فقد ظل التضم يرتفع في الفترة الأخيرة نظرا للانفلات في أسعار جميع السلع الاستهلاكية والضرورية والخدمات ووصولها إلى أعلى مستوى لدرجة ارتفاع أسعار الخبز بنسبة 34% وقد أكد خبر أن التضخم ما كان له أن ينخفض في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار السلع والخدمات فكان من الطبيعي أن يوالي معدل التضخم الارتفاع للشهر الثالث على التوالي، ويسجل في يونيو 14.31%، مقارنة ب 13.98% في مايو، بعد أن بدأ الارتفاع بشكل طفيف في أبريل الماضي مسجلا 12.85%. ارتفاع أسعار السلع ويشير التقرير الدوري الذي يصدره جهاز الإحصاء المركزي شهريا والذي صدر أمس الثلاثاء فإن معدل التضخم السنوي ارتفع إلى 14.31% خلال يونيو وأعاد التقرير الارتفاع إلى الزيادة الحادة في أسعار السلع الاستهلاكية والخدمات موضحا أن شهر يونيو شهد تصاعد الرقم القياسي العام لأسعار السلع الاستهلاكية والخدمية خلال الشهر الماضي بمعدلات متفاوتة في 13 ولاية، إذ سجلت ولاية النيل الأبيض أعلى نسبة وصلت إلى 8.14% بينما حققت ولاية سنار النسبة الأدنى في التضخم بنسبة 1.21%، بينما استقر الرقم القياسي للأسعار لولاية غرب دارفور، وشهدت جنوب كردفان انخفاضا للشهر الثالث على التوالي بنسبة 4.62% مقارنة بشهر مايو الماضي. صدمة الانفصال ويعيد الخبراء ارتفاع التضخم وتدني المردود الاقتصادي إلى انفصال الجنوب في العام 2011، وفقدان ثلاثة أرباع إنتاج البلاد من النفط الذي كان يعد المصدر الرئيس للعملة الصعبة الضرورية لدعم الجنيه السوداني وتمويل واردات مثل الأغذية وغيرها، الأمر الذي أكده الخبير الاقتصادي عصام بوب والذي قال في تصريح صحفي إن انفصال جنوب السودان في العام 2011م وخروج النفط أحدث فجوة في إسهام الصادرات التي لم تعوض بغيرها ما خلق أزمة أظهرت حجم التضخم، تأكيدا على أن الاقتصاد السوداني كان مصابا بما يعرف بالمرض الهولندي وهو اعتماد الاقتصاد على مصدر واحد ما أحدث صدمة كبيرة للاقتصاد بخروج عائدات النفط.. ويشير خبراء إلى أن الاقتصاد حاول التخلص من صدمة الانفصال لكن الزيادات التي اقرتها الحكومة بزيادة أسعار الوقود في العام 2013 ادت إلى ارتفاع معدل التضخم، إلا أن ذلك الأثر نفسه بدأت حدته تقل منذ ذلك الحين، حتى مارس الماضي إذ ظل معدل التضخم يسجل انخفاضا طفيفا حيث بلغ حينها 11.70%، قبل أن يبدأ الارتفاع هازما محاولات الحكومة الوصول بالتضخم إلى رقم أحادي لإحداث استقرار في أسعار السلع والخدمات. ارتفاع متواصل واعتبر عصام بوب، أن الارتفاع المتواصل في معدل التضخم أمرا متوقعا وكونه استمر لسنوات مرجعا أسبابه للسياسات الاقتصادية الكلية للدولة مقرونا مع انخفاض معدلات الإنتاج الحقيقي لقطاعي الزراعة والصناعة، متوقعا أن يواصل معدل التضخم في الارتفاع، مؤكدا أن لا مخرج من الوضع الماثل إلا بإجراء إصلاحات في السياسات الاقتصادية وتقليل الإنفاق الحكومي وتوجيه الموارد إلى القطاعات الإنتاجية، مؤكدا أن الحكومة غير قادرة اتخاذ إجراءات إصلاحية حقيقية على الاقتصاد على اعتبار أن الاقتصاد القومي لم يخرج حتى الآن من المرض الهولندي عندما لجأ إلى منشط آخر بعد خروج عائدات النفط واعتماده على الذهب الذي يرى أنه لن يدعم الاقتصاد. تدني الإنتاج وربما يتفق الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة أم درمان الإسلامية د. محمد سر الختم مع الخبير بوب في أن الحكومة نفسها غير قادرة على معافاة الاقتصاد مبينا أن كل اقتصاديات دول العالم تعتمد على "المناولة" وتبادل السلع بينما يسعى الاقتصاد المحلي إلى تبادل النقود، مشيرا إلى أن الاقتصاد لن يخرج من وهدته ما لم يكن هناك إنتاج حقيقي غير أنه قال "الواقع يؤكد أن حديثنا عن الإنتاج لا ينزل إلى أرض الواقع" معتبرا أن ارتفاع التضخم امرا متوقعا وعاديا في ظل تبادل النقود على اعتبار أن أي منتج لابد له من أن يرفع سعر منتجه لمواكبة ارتفاع أسعار السلع الأخرى وخلق التوازن السلعي. ضعف إرادة سر الختم يرى أن معالجة الاقتصاد تحتاج لإرادة سياسية ومراقبة من الدولة لمنتجاتها ومدخلات الإنتاج مشيرا لوجود سياسات تسعى لتكسير الإنتاج عبر تحويل الأراضي الزراعية مثلا إلى أراض سكنية وعدم متابعة التصاديق التي تمنحها الدولة لإدخال مدخلات الإنتاج الزراعي وعدم متابعتها صرف الأموال على تأهيل البنيات التحتية للمشاريع فضلا عن الضرائب والرسوم التي تفرضها الدولة على المنتجات رغم وجود قرارات تمنع ذلك منتقدا اعتماد الموازنة العامة على الايرادات والرسوم والضرائب داعيا إلى أهمية متابعة الدولة لمنتجاتها الزراعية والحيوانية باعتبار أن الاقتصاد ينمو بالإنتاج مشددا على أهمية تنفيذ الخطط والدراسات التي عمد على وضعها خبراء عديدون وتوفير الإرادة السياسية والدعم لها. الصيحة