بعد صراعات دامية، اعتبرها البعض أشبه ب«لعبة شد الحبل» بين شمال وجنوب السودان، يخشى المحللون من المجهول على الحدود، ومن تصاعد حدة الصراع بعد طلاق الشمال من الجنوب، ورغماً عن تأكيد رئيس حكومة الجنوب ورئيس الحركة الشعبية، سيلفاكير ميارديت، أن الجنوب سيظل شقيقاً للسودان، توقع الرئيس السودانى، عمر البشير، نشوب حرب مع الجنوب بسبب «وجود قنابل موقوتة تؤجج الصراع بين الطرفين». وكان متوقعاً أن تساهم نتيجة الاستفتاء، التى أسفرت عن تأييد كاسح لانفصال الجنوب، فى تهدئة الأجواء باعتبار أن جوهر الصراع، وهو مصير الجنوب، حسم بصورة نهائية، ولكن ذلك لم يتحقق بسبب «القنابل الموقوتة» المتمثلة فى 3 مناطق حدودية، منحت بمقتضى اتفاق السلام وضعاً خاصاً، وهى: أبيى، وجنوب كردفان، وولاية النيل الأزرق. وتتزايد المخاوف من احتمالات عودة السودان بكامله إلى عقود حالكة السواد من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، وهى الحرب التى استمرت آخر جولاتها من عام 1983 وحتى 2005، وخلفت أكثر من 1.5 مليون قتيل من الجانبين. فبعد توقيع اتفاق السلام بين الطرفين فى نيفاشا عام 2005، وقعت حرب كلامية طاحنة بينهما، أعقبتها خلافات حادة حول قضايا كان تقرر إرجاء الحديث عنها مثل تقاسم السلطة، والثروة، وترسيم الحدود، ومصير المناطق الحدودية المتداخلة. وعلى مدى الأشهر الماضية، اندلعت اشتباكات عنيفة عبر الحدود، وكان أولها فى أبيى، وهى منطقة خصبة متنازع عليها، وتعادل فى مساحتها لبنان تقريبا. وأكد محللون أن الصراع فى أبيى ليس حول البترول كما يشار دائما، فالإنتاج النفطى من أبيى تناقص بصورة كبيرة، والاحتياطيات الموجودة فيها منخفضة ولا تشجع على الاستثمار، لكنه يدور حول الأرض ودعاوى تملكها، فهناك قبائل الدينكا نجوك الأفريقية، التى تعيش على الزراعة، وتؤيد حكومة الجنوب، فى مواجهة قبائل المسيرية العربية المسلمة والتى تؤيد الشمال، ويعمل أفرادها بالرعى. وكان مقررا أن يجرى فى أبيى استفتاء على حق تقرير المصير، لكن الخلاف على تحديد من يحق لهم التصويت فى ذلك الاستفتاء أدى إلى إرجاء الأمر برمته، والآن تتزايد المخاوف من أن الصراعات المحلية، قد تتصاعد إلى حد مواجهات جديدة بين الدولتين. وأعقب التوتر فى أبيى، اندلاع جولات من القتال المتقطع فى جنوب كردفان، وهى ولاية نفطية شمالية كبيرة، وتشترك فى حدودها مع كل من أبيى وجنوب السودان. وتقع «كردفان» على حدود جنوب السودان، وشهدت جزءا من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب (1983-2005) انتهت بتوقيع اتفاق السلام الشامل فى 2005. وتتركز فيها مناطق إنتاج النفط فى شمال السودان. لكن الصراع فى «كردفان» لا يتعلق بالانتماء للشمال والجنوب بشكل مباشر، بل بالجماعات العرقية التى تعيش فى تلك الولاية، فسكان «كردفان» منقسمون عرقيا بين قبائل من أصول أفريقية مثل النوبة وقبائل من أصول عربية مثل المسيرية. وبعكس ما حدث فى الجنوب وفى أبيى، فإن «كردفان» لا يوجد بشأنها أى اتفاق على إجراء استفتاء لتقرير المصير، وبدلا من ذلك تم الاتفاق على إجراء «مشاورات شعبية»، وهو تعبير فضفاض يشير إلى جلسات نقاش غير رسمى لتوجيه أسئلة لسكان الولاية بشأن ما يريدونه لمستقبلهم، ولكن حتى هذه المشاورات لم يقدر لها الاستمرار. ورأى أستاذ العلوم السياسية فى جامعة الخرطوم، صفوت فانوس، أن «استمرار تدهور العلاقات بين الطرفين سيؤدى لمزيد من العنف، بشكل مباشر أو غير مباشر». وسط توقعات بألا يكون «طلاق الشمال من الجنوب ودياً مثلما يتصور البعض المصري اليوم