يدخل المراجع المكلف بحسابات التلفزيون أمس إلى القاعة متأبطاً (كيساً) يعجّ بالأوراق والمستندات.. الجلسة التي ناهزت الخمس ساعات، كان كل طرف يدفع فيها بأسئلة واستطرادات وتعقيبات تعضد وجهة نظره الرامية لتثبيت الذنب أو دفع غائلة الاتهام. وبينما تولى المراجع العام مهمة كشف الحقائق والحديث بالمستندات، كانت الاستفهامات والتساؤلات الجديدة تتفتح مع كل إفادة يدلي بها، كونها تكشف المزيد من المستور في القضية وتضيء بعض معالم العتمة في التعاملات المالية في دهاليز التلفزيون. وكانت حالة من الشد والجذب بين طرفي الاتهام والدفاع شهدتها أروقة محكمة الخرطوم شمال أمس (الثلاثاء)، في جلسات محاكمة محمد حاتم سليمان مدير التلفزيون الأسبق، نائب رئيس المؤتمر الوطني ولاية الخرطوم، المستشار السابق برئاسة الجمهورية، والمتهم في قضية الفساد المالي والإداري بالتلفزيون القومي. 1 "مخالفة للوائح التعاقد" وكشف المراجع خلال جلسة الأمس، وبوصفه مكلفا من المراجع القومي بمراجعة الحسابات، عن رفعه تقريراً لمدير عام التلفزيون -المتهم محمد حاتم- أفاده فيه بعدم تقديم مستندات عن عقودات مبرمة بين التلفزيون وشركات، ثم رفع تقريره إلى نيابة الأموال العامة بوجود مخالفات وتجاوزات، حيث أكد أنه قام بمراجعة العقود المبرمة منذ العام 2010 وهي فترة عمل المتهم بالتلفزيون القومي، وقبلتها المحكمة كمستند اتهام، وكشف عن أن العقود ال(7) إجمالي أموالها 1.771.469 مليون جنيه أبرمت بين المتهم وشركة "أدفايزرس" للأنشطة المتعددة. وخلال المراجعة تبين وجود عقدين مكتوبين يتعلقان بتنفيذ كافتريا للعالمين، وإفطار وسحور العاملين بالتلفزيون، ولكن تبين من المراجعة وجود 5 عقود ليس لديها مستندات. وقال في أقواله إن أي اتفاقية وعقود لمؤسسات حكومية لابد أن تكون هنالك حاجة ماسة لها، وأن تكون هنالك لجنة إجراءات، وأن تقدم بواسطة مجلس الإدارة للمؤسسة الحكومية المعنية وبواسطة الوزير المختص. وأشار إلى أنه خلال المراجعة لم يتم العثور على أي مستندات تؤكد أي من هذه الشروط، ولم تكن هنالك اعتمادات لإبرام العقود، وأكد عدم وجود أي إجراءات قانونية للتعاقد وتنفيذها، وقال إنه استفسر مدير الحسابات بالتلفزيون حول تنفيذ العقود، وأكد للمراجعة عدم علمه بالعقود، واعتبرها المراجع مخالفة للوائح التعاقد، وقال إنه لم يجد اعتمادات مالية أو دراسة مسبقة أو اعتماد من وزارة المالية لتنفيذ التعاقد. 2 مقاصة "أدفايزرس" ويكشف المراجع أيضاً أن هنالك ممثلاً لوزارة المالية داخل التلفزيون إلا أنه لا علاقة له بالعقود المبرمة والاتفاقيات المالية التي تمت، كما أن التعاقدات لم يتم رفعها لوزارة المالية حتى تمنح الإذن لإكمال التعاقد، وحينما طلب المراجع من مدير التلفزيون (المتهم محمد حاتم) إذن التعاقد لم تجد المراجعة أي مستندات مع شركة أدفايزرس للدعاية والإعلان المحدودة، ووضح من خلال المراجعة أنه تمت مقاصة مع الشركة مقابل السداد من أموال الإعلانات والرعاية، بالاتفاق مع إدارة الإنتاج التجاري بالتلفزيون بمنح الشركة زمن دعاية إعلانية للتسويق عبر الشريط الإعلاني، واعتبر المراجع الاتفاق مخالف لأنه منحة للشركة ومخالف لقانون الشراء والتعاقد وبدون طرحه في عطاء للشركات للتنافس، وفيه حصرية للإعلان والتسويق للشركة. 3 تدريب كوادر "الوطني" المراجع دفع في إفاداته بما يفيد عن تبديد المتهم 4 ملايين و503 آلاف جنيه من جملة 5 ملايين و961 ألف جنيه بدون مستندات تم صرفها من حساب باسم مشروع التدريب الاستراتيجي الإعلامي، لتدريب كوادر المؤتمر الوطني التابع للتلفزيون، مجنبة في حساب الأمانات بالتلفزيون. وأكد صرف المبالغ خارج الوحدة الحسابية للتلفزيون، وسوء استغلال للإدراة، وتبديد وإهدار موارده، ما أدى لدخوله في أزمة مالية، وعجز عن سداد مرتبات العاملين والمديونيات للدائنين. وقال المراجع إن التلفزيون لم يقدم حساباته الختامية لديوان المراجعة منذ العام 2010 وحتى العام الحالي، وأن آخر مراجعة روتينية تمت لحسابات التلفزيون كانت في العام 2013. وقال إن مسؤولية تبديد الإيرادات بالتلفزيون تقع على المدير (المتهم محمد حاتم). وكشف عن أن الحساب به أكثر من 27 مليون جنيه تتبع للتلفزيون لا يعرف مصدرها ولم تقدم مستندات لمراجعتها ولم تجد المراجعة ما يفيد بأنه حساب خاص. 4 مقاصة "نازو" في رده على تساؤلات الاتهام، كشف المراجع أمام القاضي صلاح عبد الحكيم بمحكمة المال العام بالخرطوم شمال، عن تجاوزات في مبالغ عقودات أبرمها التلفزيون مع شركة (نازو) للدعاية المحدودة لسقف المسموح به وتم سداد مبالغ العقودات ك(مقاصة) بالإضافة إلى أن التعاقدات التي قدمها المراجع في التقرير المقدم للمحكمة كمستند اتهام في مواجهة مدير التلفزيون، تمت مباشرة دون مناقصة وطرحها للمنافسة، وأكد المراجع أمام القاضي عدم وجود أي مستند يوضح موافقة وزارة المالية لإبرام العقود وتجاوز سقف مبلغ العقودات المباشرة، لافتا إلى عدم وجود أي مستندات من وزارة المالية لحساب مشروع التدريب الاستراتيجي الذي يرأس مجلس إدارته المتهم أو مستندات توضح تبعية المشروع للتلفزيون، عدا مستندات عبارة عن دفاتر حسابات الأمانات التابعة للتلفزيون، مؤكدا بأن قطاع التلفزيون لم يقدم أي قرار للمراجع يفوض من خلاله المدير العام في أن يكون له الحق في تخفيض قيمة الإعلانات. 5 "محاسب ومدير إنتاج" وكشف المراجع عن عدم وجود إدارة خاصة بالإنتاج بالتلفزيون، وأماط اللثام عن ازدواجية في المنصب بشغل محاسب لوظيفتين –"محاسب ومدير إنتاج"، فيما كشف المراجع عن عدم وجود فواتير مبدئية ونهائية خاصة بالإعلانات، وعدم وجود ايصالات واستخدام ورقة (A4)، وأكد بأن التلفزيون لم يقدم مستندات توضح استدانته مبالغ من أي جهة. 6 "سوء استغلال الإيرادات وتبديدها" في إفاداته، كشف المراجع عن أن صرف المتهم للإيرادات خارج الأطر المحاسبية والمالية وسوء استغلال الإيرادات وتبديدها أثرت على التلفزيون وأدت لدخوله في أزمة وعدم توفر للسيولة ما أدى لعجزه عن سداد استحقاقات العاملين، وديون الدائنين، وقال إنه من واقع الكشوفات المراجعة تبين أن هنالك نحو (27) مليون جنيه، وما يزيد أموال متراكمة، لم تقدم للمراجعة لسنوات، ولم تظهر كمديونيات في حساب التلفزيون، قام مدير الحسابات بحفظها في كشف، وحينما طالبته المراجعة بمستنداتها لم يتسلمها المراجع ما دفعه لمخاطبة المدير العام للتلفزيون، لكن الأخير بحسب إفادات المراجع العام لم يقدم المستندات المطلوبة حتى تاريخ مغادرته العمل بالتلفزيون، وظهرت في شكل شيكات بالدولار ومبالغ مختلفة لجهات، ولكن غير مفصلة، ولم يتسن للمراجع معرفة حقيقتها وأوجه صرفها وما إذا كانت حقيقية أم لا لعدم تقديم المستندات المؤيدة للصرف للمراجع. 7 عقد "نازو".. مخالفة أخرى يشير المراجع إلى وجود اتفاق مع شركة نازو للدعاية تقوم الشركة فيه بدفع مبلغ 538 جنيها مضروبة في عدد الشرائح الإعلانية المنفذة في الشهر، على أن يتم تقسيم الأرباح مناصفة بين التلفزيون والشركة بعد تجميع المبلغ، على أن يقوم التلفزيون بحجز المساحات الإعلانية للشركة في الشريط الإعلاني للتلفزيون، وأن يدفع التلفزيون الرسوم الضريبية والقيمة المضافة وأي رسوم شهرية أخرى، وأودعت شركة نازو شيكا عاديا بمبلغ الشرائح الإعلانية المنفذة. وعد المراجع الاتفاق مخالفا للائحة التعاقد، لأنه أبرم مع وكالة للإعلان ولم تتح الفرصة للوكالات الأخرى، للتنافس في سوق الإعلان، كما أشار المراجع إلى أن العقد مخالف لأن المبلغ المقدم الذي دفعته شركة نازو تم إدخاله في إيرادات التلفزيون وحينما طالبت المراجعة بالمستندات لذلك لم تجد ما يؤيد ذلك، بينما كشف المراجع عن مخالفة أخرى في عقد التلفزيون وشركة نازو، وأشار إلى أن المتهم قام بمنح الشركة تخفيض 50% من قيمة الإعلان على الشريط الإعلاني للتلفزيون وليس لديه الحق في التخفيض ما عده إهدارا للمال العام وسوء استغلال للمنصب وإعطاء المتهم لنفسه السلطة المطلقة دون الرجوع لمجلس الإدارة، كما أنه قام بتوثيق العقد لدى محامي "موسى البشرى"، بالرغم من وجود مكتب مستشار قانوني للهيئة. 8 مفاجأة: "كشف حساب 90 ورقة" حينما جاء الحديث عن حساب مشروع التدريب الاستراتيجي الإعلامي لتدريب كوادر المؤتمر الوطني، جاءت إفادات المراجع بأنه قام بمخاطبة مدير بنك أمدرمان الوطني فرع بحري الصناعات لتقديم كشف حساب عن "الحساب"، ولكن الإفادات لم توضح مصادر تغذية الحساب، والجهات التي تورد الأموال فيه، ولم يتم تقديم أي مستند للمراجعة عن مصدر أموال الحساب؛ من أين تأتي؟ وما هي طبيعتها؟، هل من القصر الجمهوري أم من المالية أم من الإعلانات في التلفزيون؟ ولم تقدم له مستندات عن المشروع. وربما كانت المفاجأة للمراجع نفسه حينما قدم له الاتهام وقاضي المحكمة كشف حساب من تسعين ورقة، قال المراجع إنه لم يره إلا أمام المحكمة الآن، وأنه طالب بكشف الحساب ولكن لم يتلق أي مستندات تفيد بذلك، وكشف المراجع أنه باستجوابه لمدير الشؤون المالية والإدارية بالتلفزيون "بدر الدين سيد أحمد" أكد له أن الحساب لا يخص التلفزيون، ولكن تبين للمراجعة أنه به أموال مجنبة ولكن لا يعرف ما إذا كانت مبالغ ذاتية لا يتأثر بها التلفزيون، أو أنها أموال أتت بطريقة غير مشروعة أم إنها إيرادات ذاتية مقدمة من المالية أو من أي جهة حكومية، كل هذا لم يتبين للمراجعة لعدم وجود مستندات تؤيد الصرف، وأشار إلى أن كل تلك الأموال لم تظهر في الحسابات والإيرادات الخاصة بالتلفزيون، وإنما ظهرت في حساب الأمانات كأموال مجنبة لم تورد في حساب التلفزيون. وقال إن المسؤولية تقع على المدير العام "المتهم محمد حاتم"، وقال إن المتهم لم يقدم له الحسابات الختامية للمراجعة رغم المطالبات المتكررة له. 9 "المستندات لدى المدير العام" حينما استفسر "عبد الرحمن إبراهيم الخليفة"، الدفاع عن المتهم، الشاهد "المراجع" عن المصادر التي استند عليها في كتابة تقريره للنيابة، خاصة بعد تأكيدات المراجع في كثير من إفاداته للمحكمة بأنه لم تتوفر له مستندات تثبت كثيرا من الإجراءات المالية والتعاقدية التي تمت، قال المراجع إن عدم وجود مستندات في حد ذاته مخالفة للوائح، وأن كل الذين استدعتهم المراجعة أفادوا بأن المستندات لدى المدير العام اليوم التالي