الشرطة: الحملة لن تكتفي بإبادة المخدرات فقط ونعمل للحيلولة دون زراعتها مجدداً إدارة المكافحة: قواتنا اشتبكت مع الخارجين على القانون وقبضنا عدداً منهم وزيرة الرعاية الاجتماعية: سيتم توفير بدائل للمزارعين حتى تنتهي زراعة المخدرات معتمد الردوم: المنطقة تحتاج لمشاريع قومية ونسمع عن البدائل ولا نراها تحقيق: صديق رمضان غريب أمر محلية الردوم، فأرضها عالية الخصوبة تنتج أكثر قصب يتمتع بنسبة سكريات عالية بالبلاد، وترفد الأسواق بأفضل أنواع المانجو والبرتقال وموالح أخرى وخضروات ومحاصيل صيفية وشتوية منها، وللمفارقة فإن هذه الأرض تحتضن زراعة البنقو، وتعتبر من أكبر مناطق إفريقيا إنتاجًا له، والمحلية الحدودية الثرية تعايشت مع زراعة المخدرات لأسباب يرى أهلها إن لم تجد حلولاً فإن النبات المدمر لن يتوقف ظهوره خريفاً، وهو ما جعل الدولة تبحث عن معالجتها، وفي هذه الأثناء أطلقت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات أخيراً أكبر حملة في التاريخ الحديث ليس لحرق حقول النبات المخدر بل للحيلولة دون زراعته مستقبلاً، فهل تسفر الجهود الحكومية عن إيقاف زراعة المخدرات بمحلية الردوم؟. موقع إستراتيجي في كل مرة نزور ولاية جنوب دارفور نقرر التوجه صوب محلية الردوم غير أنه تتم إفادتنا باستحالة السفر إليها اعتباراً من شهر أبريل حتى أكتوبر، وذلك لسببين، يتمثل الأول في بعدها عن حاضرة الولاية، حيث تقع جنوبها بأربعمائة كيلو متر، كما أنه لا توجد طرق مسفلتة تؤدي إليها، علاوة على العقبة الكبرى المتمثلة في هطول الأمطار الغزيرة طوال ستة أشهر تسهم في عزلها تمامًا عن العالم الخارجي، وهو ذات السبب الذي جعل معتمدها يعجز عن مغادرتها لأربعة أشهر قبل أن يصل نيالا في الثالث والعشرين من شهر "أكتوبر" الماضي. تقع محلية الردوم الحدودية بجنوب دارفور في زاوية جنوبية غربية، تحدها دولة جنوب السودان «على بعد «57» كيلو متراً» وكذلك دولة إفريقيا الوسطى، ويربطها بدولتي الجنوب وافريقيا الوسطى معبرا (الحجيرات – راجا) (دفاق – سنقو)، وتتمتع بطبيعة بستانية في اتجاهها الجنوبي الغربي بجانب أراضٍ طينية رملية صالحة للزراعة بأنواعها المختلفة من محاصيل وحبوب زيتية وكل أنواع الفواكه. أما ناحيتها الشمالية فتمتاز بأراضي قيزان خصبة تنتج المحاصيل النقدية والدخن والكركدي واللوبيا وإنتاج الماشية التي تقدر ب ب«15» ألف رأس، وتمتاز بإنتاج الأخشاب مثل (التيك والمهوقني وصندل الردوم)، ويتخذ أهل البادية الاتجاه الشمالي من الردوم موقعًا للرعي خاصة بعد انفصال دولة الجنوب التي حرمت الرعاة من عبور الحدود جنوباً، كما توجد بالردوم محمية قومية تقع بين نهري انبلجا وبحر عادا ممتدة حتى إفريقيا الوسطى، وتحتضن كميات من الحيوانات والزواحف بما فيها التماسيح، هذه المحلية التي تبعد حوالى «400» كيلو من نيالا حاضرة الولاية ورغم موقعها الجغرافي وطبيعتها السياحية، إلا أن بعدها هذا أدخل مواطنيها في نفق المعاناة والإهمال من قبل الحكومة، وهذا السبب جعلها من أكبر مناطق إنتاج المخدرات في البلاد. الطبيعة تفرض وجودها عثمان.. من مواطني الردوم، سألته عن أسباب اشتهارها بإنتاج المخدرات فلخص الأمر قائلاً: "هذا هو البديل المتاح"، طلبت منه تفسيراً منطقيًا لجهة أن معظم أهل المنطقة من حفظة القرآن ويدركون حرمة زراعة القنب الهندي، فقال إن الردوم تتمتع بأرض عالية الخصوبة مقرونة بتضاريس قاسية، وقال إن الخاصية الأخيرة أسهمت في تخفي من يزرعون المخدرات بعيداً عن أعين السلطات الحكومية، ولفت إلى أن المنطقة تمتاز أيضًا بغابات كثيفة تصل حتى دولتي الجنوبوأفريقيا الوسطى، ورأى أن هذه شكلت أيضاً حماية طبيعية لمزارع المخدرات، معتبراً أن الدولة تتحمل مسؤولية تجاه مواطنين بالمنطقة إلى زراعة البنقو، وشرح قائلاً: من يزرع الموالح وقصب السكر والخضروات والأرز وغيرها من محصولات يجد صعوبة بالغة لإيصالها إلى مناطق الاستهلاك، وهذا يعني أنه يزرع ما يكفيه أو أن يترك مهنة الزراعة، فالمحلية تنقطع عن العالم الخارجي طوال ستة أشهر ولا توجد بها خدمات بالمستوى المطلوب، كما أن التواجد الشرطي فيها لا يتسق مع مساحتها الشاسعة وموقعها الحدودي والاستراتيجي، وهذا يعني أن الدولة بتقصيرها ساعدت في رواج زراعة البنقو التي تستقطب قادمين من خارج المحلية، ويرى أن إيقاف زراعة المخدرات يرتكز على توفير قوة ضاربة دائمة بالمنطقة بالإضافة إلى سفلتة الطريق المؤدي الى مدينة نيالا حتى يتمكن المنتجون من تسويق محاصيلهم. القوة الضاربة القوة الضاربة والدائمة التي أشار إليها المواطن عثمان تحوّلت إلى واقع وذلك عقب وصولها المنطقة بعد رحلة استغرقت ستة أيام متواصلة انطلاقاً من نيالا، والقوة الضاربة هي الذراع التي تستعملها الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، في تنفيذ حملة المكافحة الكبرى بحظيرة الردوم بولاية جنوب دارفور لإبادة الحشيش بمناطق زراعته بمساندة من قوات الاحتياطي المركزي وطيران الشرطة وشرطة ولاية جنوب دارفور، وشهدت تنفيذ الحملة اشتباكات مسلحة بين القوة الحكومية والمتواجدين بتلك المزارع، وقال مدير الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، اللواء محمد عبد الله النعيم، إن هذه القوات تحركت إلى مناطق زراعة الحشيش بحظيرة الردوم وباشرت عمليات إبادة زراعة المخدرات وصاحب ذلك اشتباك بالأسلحة مع الخارجين على القانون، وأضاف أن القوة استطاعت السيطرة عليهم والقبض على عدد من المتهمين ولايزال العمل مستمراً فى عمليات الإبادة، مشيراً إلى أن هذه القوات تم تدريبها تدريباً متخصصاً لتنفيذ هذه المهمة، وأن هذا العمل يأتي ضمن الخطة المعدة من قبل الإدارة والتي تهدف إلى إبادة المخدرات فى مناطق الزراعات بالسودان. خطوات استباقية والحملة الكبرى التي أطلقتها الإدارة العامة لمكافحة المخدرات سبقتها في العام الماضي حملة للتوعية من قبل شرطة ولاية جنوب دارفور للحد من زراعة البنقو الذي كشفت الشرطة أن منطقة "الردوم" تأتي في المرتبة الأولى بأفريقيا في إنتاج البنقو الذي يزرع في مساحة 34 ألف كلم، "ما يعادل مساحة دولة البرتغال"، وكشفت شرطة الولاية وقتها أن "الحملة الكبرى" تم من خلالها عمل توعوي كبير تخلى بموجبه عدد من المزارعين عن ممارسة تلك المهنة، وتعهدت باستمرار الحملات المكثفة للقضاء على الاتجار بالحشيش، وفي ذات العام أعلنت وزارة الداخلية عن اتجاهها بجانب وزارة المالية للبحث عن بدائل للمخدرات لتزرع في المنطقة، وكانت منظمات دولية قد طرحت إمكانية توطين زراعة التمباك بديلا للبنقو، والبدائل التي وعدت الحكومة بتوفيرها بعد أن طرحت فكرتها وجدت تجاوباً كبيراً من مواطنين بالمحلية، طالبوا بالإسراع في توفيرها حتى يتم القضاء نهائياً على زراعة المخدرات. عمل على الأرض من ناحيته، يشير مدير الشرطة بولاية جنوب دارفور اللواء بله محمد حسين الى أن الحملة أطلقتها الإدارة العامة لمكافحة المخدرات يؤكد أنها تتمتع بإمكانيات عسكرية ولوجستية عالية وقد بدأت عملها على الأرض بقوة كبيرة، موضحاً في حديثه ل(الصيحة) أن الحملة هذه المرة لن تكتفي بالإبادة فقط بل للحيلولة دون زراعة المخدرات مجدداً، مبيناً أن القوة التي وصلت الردوم ستقيم فيها بصورة دائمة حتى تمنع زراعة المخدرات في العام القادم، مبينًا عن اتجاه الدولة في أعلى مستوياتها لمنع زراعة النبات الضار، وفي ذات الوقت إيجاد بدائل للاستفادة من الإمكانيات الزراعية الكبيرة المتوفرة بمحلية الردوم، مؤكداً أن القوة التي توجهت الى الردوم ضاربة وأنها وصلت حدود المحلية التي تحادد دولتي الجنوبوأفريقيا الوسطى، مبدياً تفاؤله الكبير بنجاح الحملة. أسرع النباتات نمواً معتمد الردوم، عثمان رمضان مصطفى، الذي قضى أربعة أشهر متواصلة بالمحلية الحدودية بداعي انقطاع الطريق الرابط بينها وحاضرة الولاية مدينة نيالا، قال ل(الصيحة) تعليقاً على الحملة الكبرى التي أطلقتها الإدارة العامة لمكافحة المخدرات إنها خطوة مهمة في طريق القضاء نهائياً على زراعة النبات المخدر الذي لم ينف زراعته بالمحلية، إلا أنه كشف عن اتخاذ مزارعيه ومروجيه مناطق بعيدة عن المدن والقرى حقولاً لإنتاجه، وكشف أن مناطق زراعته يتحرك إليها المروجون عبر الحمير، مؤكدًا أن 60% من مزارعيه قادمون من خارج المحلية، كاشفاً أن اتجاه البعض نحو زراعة المخدرات بالردوم يعود إلى أن عملياتها الفلاحية لا تستغرق جهدا ووقتاً طويلين لجهة أن النبات المخدر والمدمر يحتاج فقط الى ثلاثة أشهر للنمو وصولاً الى مرحلة الحصاد، مبينًا أن زراعته تبدأ في شهر يونيو وعمليات حصاده في شهر سبتمبر. رداءة الطرق ويعتقد معتمد محلية الردوم عثمان رمضان، أن من أبرز أسباب تفشي زراعته رداءة طرق المحلية الداخلية وتلك التي تربطها بحاضرة الولاية، وفسر قوله هذا حينما أشار إلى أن الطرق في الخريف لا تصلح للحركة وتتعرض المنطقة للإغلاق التام، وهذا يساعد مزارعي المخدرات والتجار في تنشيط عملياتهم، ورأى أن سفلتة الطرق يساعد القوات النظامية في الوصول إلى كافة مناطق المحلية في وقت قياسي ومن ثم محاربة زراعة المخدرات وترويجها، ويؤكد أن وصول القوة الرادعة إلى المحلية جاء في توقيته الملائم، ويلفت إلى أن بقاءها هام ومطلوب لامتلاكها القدرة على منع عمليات زراعة المخدرات. البدائل والوعود سألنا المعتمد عن البدائل التي سيتم توفيرها لمزارعي المخدرات خاصة أنه يتحدث عن "نجاح متوقع للقوة الرادعة في إيقاف زراعته"، فأشار عثمان رمضان إلى أن الدولة وعلى أعلى مستوياتها في الوزارات الاتحادية طرحت أمر البدائل وهذه بحسب المعتمد خطوة جيدة تؤكد جدية الحكومة على وضع حلول نهائية لهذه القضية، إلا أن المعتمد يلفت إلى أنهم ظلوا يسمعون عن البدائل ولا يرون لها وجوداً على الأرض خاصة من جانب الحكومة، مبيناً عن جهود تبذلها المنظمات الطوعية الوطنية ومنها منظمة الردوم لتوفير بدائل إلا أن إمكانياتها ومنعها من الذهاب الى الحظيرة يقلل من أثر مجهوداتها، ويرى المعتمد أن البدائل يجب أن تكون مشاريع إنتاجية كبرى تفجر إمكانيات المنطقة وتوجهها نحو الإنتاج، وينادي بتنفيذ المشاريع القومية، مفاخراً بإمكانيات محليته الضخمة وأبرزها الأراضي الخصبة والمياه المتوفرة، ويرى إمكانية إنشاء مصنع سكر لأن المنطقة تنتج أفضل محصول للقصب، وتمنى دخول الشركات الاستثمارية للردوم، ويقطع في نهاية حديثه بقدرة القوة الرادعة على إيقاف زراعة المخدرات بالردوم، ويؤكد وقوف المحلية والمجتمع المدني معها لإنجاح مهمتها. حملة شاملة الحملة التي أطقلتها الإدارة العامة للمخدرات تعني أن وزارتي الداخلية والمالية بدأتا في تنفيذ خطتيهما الراميتين إلى إيقاف زراعة المخدرات، وما يشير إلى أن هذا البرنامج مثار اهتمام الدولة فإن وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي ممثلة في وزيرتها مشاعر الدولب كشفت عن مساع لتمليك مزارعي المخدرات وسائل إنتاج. ويعتبر بقاء القوة التي بدأت عملياتها على الأرض بمحلية الردوم حتى الخريف القادم للحيلولة دون زراعة المخدرات الخطة الأكثر تأثيراً في الحرب ضد النبات الضار، كما أن التحرك المبكر للوزارات الاتحادية وحكومة جنوب دارفور لتوفير مدخلات إنتاج لمحاصيل أخرى قبل حلول الخريف للمزارعين يسهم أيضًا في وصول الحملة إلى غايتها المنشودة.