بقلم أليكس بيري وآلان بوسول ترجمة نهى حوّا يفترض بالولادات ان تكون لحظات سعيدة، لكنها في السودان يمكن أن تشكل غنيمة جديدة للموت، فقد ظهرت في 9 يوليو الماضي، دولتان جديدتان إلى الوجود من خلال انقسام أكبر بلد افريقي إلى دولتين: دولة السودان الأصغر حجما، ومعظمها من العرب والمسلمين، وتحكم من العاصمة القديمة الخرطوم، ودولة جنوب السودان وهي تتشكل أساسا من الأفارقة السود والمسيحيين، وعاصمتها جوبا. تاريخ من الفشل كانت هيمنة العاصمة السودانية الخرطوم على مقدرات البلاد قد أدت إلى نتائج عكسية، حيث صاحبها تهميش اقتصادي لمناطق الجنوب. وكان التمرد في الجنوب قد بدأ حتى ما قبل الاستقلال، وذلك في عام 1956. وفي الثمانينات والتسعينات، انضم إلى التمرد أيضا مقاتلون من جبال النوبة ودارفور والنيل الأزرق، كذلك تسلح مقاتلو أثنية ال«بيجا» في الشرق، وكان هناك أيضا حركة لتقرير المصير في اقصى الشمال. وعلى الرغم من التسلح المتفوق لحكومة الخرطوم، إلا أنها لم تكن قادرة على هزم خصومها عسكريا، وقد كلفها الصراع الكثير في المال والجنود إلى جانب خسائر في التنمية الاقتصادية، ولا يكاد هناك وجود لاقتصاد خارج العاصمة، وبالتأكيد لا شيء يمكن وضع الآمال عليه للتخلص من 38 مليار دولار من الديون الخارجية. الآن، ومع إضعاف السودان بخروج الجنوب الذي يحتفظ بمعظم النفط السوداني، فإن نظام البشير يقاتل لمنع تشظ آخر في الشمال. والمستقبل لا يبدو ورديا في الجنوب أيضا، فقد توفي أكثر من 1800 شخص في الأشهر الستة منذ 9 يناير الماضي، عندما صوت الجنوب على الانفصال في الاستفتاء الذي نص عليه اتفاق السلام الشامل، وذلك بنسبة 99% لصالح الانفصال، أما معظم القتلى فهم من المدنيين الذين وقعوا في مرمى اطلاق النار بين الجيش الشعبي لتحرير السودان وميليشيا أخرى تتنكر لمبادئه السياسية. وتزعم هذه الميليشيا أن الجيش الشعبي لتحرير السودان وحركته السياسية، وصولا إلى الحكومة الجديدة، تهيمن عليها بشكل مجحف المجموعة الأثنية الأكبر في الجنوب، الدنكا. وتتركز هذه الميليشيا في ولاية الجونقلي، وولايات الوحدة وأعالي النيل، وليس بالصدفة أيضا أنها مناطق تحوي على الكثير من النفط. ونقطة خلاف أخرى، هي أبيي، منطقة حدودية غنية بالنفط يطالب بها كل من الشمال والجنوب، وقد ضمت إلى الشمال في مايو الماضي. وهناك شكوك حول فشل الاتفاق على مقاسمة الطرفين لما يتوقع ان يبلغ مردوده 6 مليارات دولار من الإيرادات النفطية هذه السنة، الموجودة في الجنوب، لكن العابرة بأنابيب عبر الشمال. يقول دبلوماسي غربي في جوبا: «القتال بمجمله هو حول الموارد وكيفية اقتسامها». وإذا كان يحكم السودان الحكم الفردي، فإن كل الدلائل تشير إلى ان الجنوب يحذو حذوه. ويحذر تقرير صادر عن مركز كارتر الذي يترأسه الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، من أن مسودة الدستور الانتقالي الذي صاغها الرئيس سيلفا كير مايارديت، تتضمن عددا من البنود التي ترجح تركز السلطة في حكومة مركزية. ويتحدث أحد الدبلوماسيين في جوبا عن فقدان ما مقداره 3 مليارات دولار من اصل 12 مليار دولار حصلت عليها الحكومة الجنوبية من إيرادات النفط منذ عام 2005. ويشير أحد المطلعين الغربيين إلى أن الجيش الشعبي لتحرير السودان يسيطر على نسبة تتراوح ما بين 40 إلى 60% من الاقتصاد الجنوبي، شاملاً الرواتب ومشاريع الأعمال ومستوى الفساد المتفشي بين أعضائه، أما الدولة الوليدة فلا يبدو أنها ستستفيد من حكومة أكثر كفاءة، فالمناصب تم توزيعها على أساس المحسوبية. وباحتساب ما تجنيه جنوب السودان، يفترض أن سكانها البالغ عددهم من 8 إلى 10 ملايين نسمة هم أغنياء، فبالإضافة إلى النفط، تنعم بلادهم بملايين الهكتارات من الأراضي الخصبة حول مستنقعات السدود الشاسعة، فيما الأبقار، والتي يعادل ثمن كل رأس منها ما بين 250 إلى 400 دولار، يزيد عددها عن عدد السكان. وفي الحقيقة، تشير مؤشرات الصحة والتعليم والفقر إلى أن دولة جنوب السودان لديها المؤشرات الأسوأ في العالم، فالأمية منتشرة بشكل كبير، ويصفها العديد من عمال التنمية ب«الدولة ما قبل الفاشلة». دور الدبلوماسية هل كان بإمكان العالم ان يفعل أكثر مما فعل لتجنب هذه الكارثة المزدوجة؟ كانت هناك فرص ضائعة. وكانت جهود التنمية الدولية المقدرة بحوالي 526 مليون دولار في الجنوب بطيئة، أما التغيير فقد كان يقتصر على جوبا. وكانت أميركا قد أظهرت للخرطوم حوافز سخية، مثل إزالتها من قائمة الدول الراعية للإرهاب إذا ما سمحت بإجراء استفتاء سلمي، إلا أنها لم تحقق ما لمحت إليه. والعالم يجد في تعقيدات السودان تحديا إنسانيا، حيث الحملات مثل «انقذوا دارفور» ومشروع «كفا»، إلى جانب إبراز أسماء نجوم مثل جورج كلوني وميا فارو، وكل هذه الحملات مرحب بها، إلا أنها تبسط القضايا، وغالبا ما تكون مهمة السلام التابعة للأمم المتحدة عاجزة أمام الأحداث. حقائق جغرافية تقع دولة جنوب السودان الجديدة في شرق إفريقيا، ويحدها من الشمال السودان ومن الشرق أثيوبيا ومن الجنوب كينيا وأوغندا وجمهورية الكونغو ومن الغرب جمهورية افريقيا الوسطى. وتبلغ مساحتها حوالي 600 ألف كلم مربع، أي حوالي 24% من مجمل أراضي السودان، أما سكانها فعددهم يمثل حوالي 20% من سكان السودان. وتعتبر مدينة جوبا عاصمتها وأكبر مدنها، ومن أهم مدنها الأخرى واو وملكال ورومبيك. وتضم جمهورية جنوب السودان عشر ولايات، وتحوي عددا من القبائل الإفريقية والجماعات العرقية المختلفة وأكبرها الدينكا تليها النوير، كذلك توجد فيها العديد من اللغات الإفريقية المحلية، ولكن لغة التعليم والحكومة والأعمال هي الإنجليزية وهي اللغة الرسمية لجنوب السودان منذ عام 1928، ولقد اعترف بها كلغة أساسية لجنوب السودان في أواخر ثمانينات القرن الماضي. وبالإضافة إلى اللغة الإنجليزية تستخدم اللغة العربية وثلاث لغات افريقية أخرى، وهي طوك جين أو لغة الدينكا وينطق بها 5 ملايين نسمة، وطوك ناس أو لغة النوير وينطق بها حوالي مليوني نسمة، وطوق شلو أو لغة الشلوك وينطق بها حوالي مليون نسمة. حقائق تاريخية كان السودان تحت الحكم المشترك المصري البريطاني من الفترة 1899 إلى موعد الاستقلال في عام 1956، حيث كان الحاكم العام البريطاني يدير شمال السودان وجنوبه ككيانين مستقلين. وكان البريطانيون قد أدخلوا خلال حكمهم أيضا مفهوم «المناطق المغلقة» لفصل السكان الأصليين عن شمال السودان. ومنذ 1956 اندلعت حرب أهلية في السودان بقيادة حركة تحرير جنوب السودان وجناحها العسكري «انيانايا» امتدت إلى عام 1972 وانتهت بالتوقيع على معاهدة سلام في أديس ابابا، أعطت حكما ذاتيا للجنوب. لكن الاتفاق لم يلبي تطلعات الجنوبيين لناحية دورهم في السلطة وحرية تقرير مصيرهم. فما لبثت ان اشتعلت الحرب مجددا في عام 1983 لاسيما بعد قيام الرئيس السوداني جعفر النميري بتقسيم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم منفصلة، وإقرار الشريعة الإسلامية في البلاد. ويقول الموقع الرسمي لجمهورية جنوب السودان، ان الحركة الشعبية لتحرير السودان التي أسسها جون قرنق عام 1983 وبعد تحليلها لواقع السودان توصلت إلى استنتاج مفاده أنه يتعين عليها ان تناضل لسودان موحد في عام 1983، لكن على أساس متعدد وديمقراطي وعلماني، وهو تقاسم سياسي مبني على الوقائع في السودان. لكن الحرب التي امتدت من 1983 إلى 2005 حصدت حوالي مليوني قتيل، وانتهت عندما قام جون قرنق مؤسس «جيش الشعبي لتحرير السودان» بالتوقيع على اتفاقية السلام الشامل مع الخرطوم في 9 يناير 2005، التي نصت على إعطاء الجنوب 6 سنوات من الحكم الذاتي على أن يتبع ذلك استفتاء على الاستقلال. ومن أهم بنود الاتفاقية: حق تقرير المصير للجنوب في 2011، وإجراء انتخابات عامة على كافة المستويات في مدة لا تتجاوز عام 2009، وتقاسم السلطة بين الشمال والجنوب، وتقاسم الثروة، وإدارة المناطق المهمشة والترتيبات الأمنية.