ضبّاط الإسعاف، جنود مجهولون، يلبون نداء الواجب بسرعة وكفاءة، جلّ غايتهم أن يكونوا سببا "بعد الله" في إنقاذ روح إنسان، بإغاثتهم لجريح أو مصاب، ولكن!! وفي بعض الأحيان!!تجري الرياح بما لا تشتهي السفن !!! لذا "نحاول في الحال" تسليط الضوء على أبرز الذكريات الصعبة والإنسانية التي مرّت ببعضهم، أثناء تأديتهم لواجباتهم، طوال مشوارعملهم الممتد لسنوات، من خلال سردٍ لبعض القصص الطريفة حيناً،والمؤلمة حيناً آخر. ضابط الإسعاف في الهلال الأحمرالفلسطيني عيد أبو منشار, تحدث عن إحدى هذه الذكريات"في إحدى المرات وصلني وزميلي حسن عوض وأحد المتطوعين بلاغاً عبر جهاز اللاسلكي، حيث أُعلمنا بوجود طفل حرارته مرتفعة جدًا، وأنه بحاجة إلى النقل فورا من مستشفى الإعتماد في بلدة يطا جنوب محافظة الخليل إلى مستشفى الخليل الحكومي , وعلى الفور شغّلنا لوّاحات و صفارات الإسعاف, وانطلقنا إلى هناك, وما ان وصلنا, حتى تجمّع الناس لرؤية الطفل الذي أدخلناه على الفور إلى سيارة الإسعاف, وقام زميلي عوض والمتطوع بحمل الطفل ووضعه على السرير المخصص لذلك, أما أنا فكنت أنتظر الإنتهاء من وضع الطفل، لأقفل الباب الخلفي وأنطلق، لكنني فوجئت بدخول ((6 أشخاص من أقارب الطفل إلى السيارة "الجد، والعم، والخال، ...الخ "!! فأبلغتهم أنه يُمنع مرافقة أكثر من شخص واحد للمريض، إلا أنهم لم يعيروا قولي أي اهتمام !!". الأدهى من ذلك والحديث ل عيد أبومنشار أنه و بينما كنّت أطلب من ذوي الطفل النزول من السيارة، وإذا بأحد أقرباءه يجلس مكاني"خلف المقود" وينطلق بسيارة الإسعاف بأقصى سرعة!!!! لأجد نفسي بالشارع !!ففورا قمت بإبلاغ مركز الخليل ورام الله , كما أبلغ الإرتباط بدوره الجانب الإسرائيلي , لتبدأعملية البحث عن سيارة الإسعاف ومن فيها !! أما أنا فقد إضطررت لركوب تاكسي أعود فيه إلى المستشفى!! . ضابط الإسعاف حسن عوض والذي شاءت الأقدار أن يبقى إلى جانب الطفل لعلاجه في الحين الذي كان يقود فيها أحد أقارب المريض سيارة الإسعاف!!تحدث بدوره عن ذات الحادثه "رغم مرور سنوات على الحادثة، إلا أنني لا زلت أذكرها جيداً، حيث أنه وإضافة إلى ما قاله زميلي عبد، فقد قام أقارب الطفل بدفع عبد عن الباب الخلفي للسيارة، حتى إستقر به الأمر ملقى على الأرض!!! بعد أن وجهوا لكلينا كلمات نابية!! وقالوا(إجباري رح نطلع)!! وما زاد الأمور تعقيداً وتوتراً، قيام أحدهم بالفعل بقيادة سيارة الإسعاف!! بعد أن إستدل بطريقة أو بأخرى على كيفية إشغال اللوّاح والصفارات، وبدأ يقود السيارة بطريقة جنونية تصل لأقصى طاقة للسيارة ". و بالرغم من الضغط النفسي الذي سببه ذلك لي يقول ضابط الإسعاف حسن عوض، فقد كان محور إهتمامي الأول، أنا والمتطوع، وضع الأكسجين وإعطاء إبره الكيلو للطفل، بعدها حاولنا تهدئة السائق وأقاربه، غيرأنهم قالوا لي بالذات( إذا بتفتح تمّك بنطخك وبتموت!!)، وسرعة السائق المتهورة جعلته يرتطم بسياج قريب من دوار الصحة، إلا أن ذلك لم يمنعه من إكمال سيره بذات السرعة للمستشفى!حيث كانت الشرطة في إنتظاره، و قاموا بتقييده وإقتياده إلى السجن، وبعدما تقدمنا بشكوى لدى الشرطة، تبين لنا أن السائق يعمل في (الشرطة البحرية)"!!!. حادثة أخرى تحدث عنها حسن عوض ضابط الإسعاف في الهلال الاحمر الفلسطيني حيث قال "منذ سنوات أيضا، وبعد إنتصاف الليل، وردني و زميل آخر بلاغاً يفيد بأن مواطنا من بلدة يطا أيضا مريض، وأنه بحاجة ماسة لنقله إلى مستشفى الخليل الحكومي لإجراء عملية، فصعدنا مسرعين إلى سيارة الإسعاف بهدف الانطلاق، ولكننا فوجئنا بأن السيارة لا تعمل!!فاضطررنا إلى إحضار كوابل لتشغيل سيارة الإسعاف! مما أخرنا (ربع ساعة) إتجهنا بعدها للمنطقة, لكننا وجدنا المريض وأقاربه في بعض السيارات الخاصة، وما أن شاهدونا حتى توجهوا مسرعين بسياراتهم باتجاهنا!!! و ملامح الشّر والغضب بادية في عيونهم لتأخرنا!!! فهربنا بالسيارة واختبأنا في مخزن تابع لمركز يطا !! حيث بقينا فيه مختفين عن الأنظار حتى صباح اليوم التالي !!ورفع أهل المريض شكوى ضدنا، فحصلنا من الهلال الأحمرعلى إنذار نهائي!! أما ضابط الإسعاف وليد أبو ريان، فقد تحدث هو الآخرعن المهمات الصعبة والإنسانية في ذات الوقت التي تفرضها طبيعة عملهم، حيث قال " أذكر أنني أُبلغت في بداية الإنتفاضة الثانية من قبل مركز الإسعاف والطوارئ, بوجود حالة طارئة تستدعي سرعة وصولنا إلى مخيم العرّوب (شمال محافظة الخليل) لنقل إحدى السيدات الحوامل من المخيم، وما أن وصلت وزميل آخر إلى مدخل المخيم المحاذي لشارع القدس الخليل حتى تبين أن قوات الإحتلال تفرض حظراً للتجوال على سكان المخيم !! إلى جانب أنهم قد قاموا بإغلاق المداخل بسواتر ترابية وكتل إسمنتية !! فمُنعنا من الدخول إلى المخيم، ولكن وبعد جدال طويل ومرور أكثر من (10) دقائق في إنتظار موافقتهم على دخولنا، سُمح لنا أخيرا الدخول، ولكن مشياً على الأقدام!!! ولأن الدقيقة في الحالات الطارئة قد تفصل بين الحياة و الموت، لم نتردد بقبول ذلك، واتفقت و زميلي سريعا أن يبقى هو في حماية السيارة , على أن أدخل أنا". وفعلا يقول أبوريان "حملت شنطة الإسعاف ودخلت، فصادف أن شاهدت حصانا أمام احد المنازل , وما أن شاهدني صاحبه، وأنا بالزي الرسمي، حتى اقترح أن أمتطي الحصان كي أصل في أقرب وقت، خاصة أن البيت المطلوب يقع في آخر المخيم، فلم أتردد لحظة في امتطاء الحصان !! حيث سرت به لمسافة وصلت إلى 2كم ، ودخلت البيت لأجد القابلة القانونية بانتظاري، وعلى الفور قمنا بإجراء عملية الولادة لتلك الحالة، والطريف في الأمر أيضا أن صاحب الحصان قال لي مازحا (لا تدفع.. أنا بحاسب الهلال !! وهذه الأيام الحصان أسرع من سيارة الإسعاف!!!". بدوره قال مسؤول غرفة عمليات الهلال الأحمر الفلسطيني في محافظة الخليل، ناصر قباجه، بحكم عملي في مركز البلاغات، وتواصلي مع ضُباط الإسعاف في الميدان، فأذكر أنني أبلغت بعض الزملاء عبر اللاسلكي عن حادث وقع في بيت عوا , فلبى بعض الضباط النداء على الفور، ولكن، وبسبب السرعة الكبيرة، إنحرفت السيارة عن الشارع! وارتطمت في أحد أعمدة الكهرباء!! وأصيب أحد الضباط بجروح، مما إستدعى أن نُرسل سيارتي إسعاف بدل واحده!!وذلك لتلبية النداء الرئيسي أولا، ولإسعاف طاقم الإسعاف ثانيا!!! فبدلا من أن تكون مهمتهم إنقاذ الآخرين، أصبح الضباط وسيارة الإسعاف بحاجة لمن يُنقذهم!! [email protected]