أزمة السودان ليس التعديلات الدستورية وإجازة القوانين- فحسب- بل جوهر الأزمة هي غياب الإرادة السياسية في الالتزام بتطبيق الدستور الذي يضع الأسس الديمقراطية، ويؤسس لدولة القانون التي تفصل بين السلطات الثلاث- التنفيذية والتشريعية والقضائية- حتى لا تمارس أيا من السلطات دكتاتورية تقوض الدستور. لو القضية دستور فإن دستور 2005 يعد من أقوى الدساتير السودانية؛ لأنه تضمن وثيقة الحقوق الأساسية، إلا إن حرص النظام على الشمولية، وهيمنة الأجهزة الأمنية على مفاصل النظام أفرغت الدستور من محتواه، ولم ينجح النظام في تأسيس نظام ديمقراطي؛ لأن عقلية الطغيان هي القاسم المشترك في إدارة البلاد. تجربة الدستور الأمريكي في حماية الشعب الأمريكي والمهاجرين تفرض علينا احترام دولة القانون التي لم تترك مهام الدستور الأمريكي حبسية الأدراج، والشاهد على ذلك قرار القضاة بشأن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بينما الحالة السودانية تعكس مدى فشل الدستور في حماية التجمع السلمي، وحرية التعبير، والصحافة، والاعتقاد، والتظاهر السلمي. متى نصل إلى مرحلة أن يكون الدستور السوداني دائما، وبحقوق غير منقطعة الاستعمال- كما نجح الأمريكان في أن يبقى دستورهم أقدم دستور مكتوب غير منقطع الاستعمال في العالم، وأسس* للحكومة الفيدرالية الأمريكية ثلاث سلطات منفصلة، وهي التشريعية ويمثلها الكونغرس، والتنفيذية ويمثلها رئيس الولاياتالمتحدة، والقضائية وتمثلها المحكمة العليا للولايات المتحدة، وينظّم العلاقات بينها، كما يحوي بنوداً تهدف إلى ضمان حقوق الأفراد في الحياة، والملكية، وفي حرية العبادة . ثلاثة كلمات* (we the people)* (نحن الشعب) قامت عليها أفكار* الدستور الأمريكي التي نجحت في أن تؤسس ديمقراطية المرجعية فيها للشعب. نحن في حاجة إلى نظام سياسي يملك القدرة على ممارسة الديمقراطية، أزمتنا* في السودان أزمة طغاة وليست أزمة نصوص. التيار [email protected]