في كل بلدان العالم يعتبر الموروث فيها ضمن المرتكزات التي تهتم به وتعمل باستمرار على تطويره والترويج له لجذب السواح، دونكم العديد من موروثات الدول الأخرى نتلهف لزيارتها رغم أننا لم نعرف عنها شيئاً، لو لم تروِّج تلك الدول لموروثها التاريخي. الموروث في بلادي يجابه الإهمال رغم ما تملكه بلادي من إرث عظيم في شتى المناحي... لا أدري لماذا لم تعط الدولة اهتماماً خاصاً للاستثمار في هذا القطاع الحيوي؟ إلى متى نهمل إرثنا التاريخي لنغيب وسط الثقافات الوافدة، رغم أننا نسبق الكثير منها عراقة وتاريخ؟. حفظ للتراث يعتبر متحف السودان للتاريخ الطبيعي، أحد المؤسسات التي توثق للحياة البرية في السودان، ويعد الوحيد في السودان، ويعتبر من أهم المتاحف في أفريقيا، وأهميته مثل أهمية المتحف البريطاني، إضافة إلى أنه من أهم الوسائل التي يعوِّل عليها لحفظ ثروات البلاد الطبيعية والتعريف بها، ويهتم المتحف بتصنيف الحيوانات وكيفية التنوع الإحيائي، لكنه يعاني من الإهمال بسبب العجز في الميزانية. بدايات نشأة المتحف يقع متحف السودان للتاريخ الطبيعي بشارع الجامعة وسط الخرطوم الذي يضم عدداً من الحيوانات متمثلة في (الطيور، النباتات والحشرات)، كل هذه الحيوانات بعضها حي والآخر انقرض ليتم تحنيطه، المتحف التاريخي يتبع إدارياً لكلية العلوم بجامعه الخرطوم، حيث تم جمع أول العينات لنماذج من الحيوانات والنباتات قبل ما يزيد من القرن من مختلف ولايات السودان بواسطة خبراء وباحثين مختصين، وافتتح المتحف في العام 1933م،ويقدم خدمات مختلفة للجمهور أكادميين وطلاب، إضافة إلى العاملين في مراكز الأبحاث، ويهتم المتحف بتصنيف الحيوانات وكيفية التنوع الإحيائي سواءً أكان في شمال السودان أو جنوبه، فالفكرة تبنى على أساسيات معينة. مصاعب يحتضن المتحف التابع لكلية العلوم بجامعة الخرطوم زواحف من أنواع مختلفة، وعدداً من الثعابين، بينها اثنان من صنف الكوبرا، كما يحتوي المتحف نحو ألف طائر بألوان وأنواع وأشكال مختلفة، أغلبها محنطة وبعضها نادر، ومنها ما يعتبر منقرضاً، وإلى جانب طيور مقيمة في السودان وعينات عابرة، ويضم المتحف مئات من الحيوانات الميتة والمحنطة، من بينها فرس النهر وبقايا الفيل الأفريقي ووحيد القرن وجواميس برية، حيث يترامى هذا المتحف على امتداد أكثر من ثلاثة آلاف متر مربع، ويوجد داخله مبنى رئيس، ولكن هناك نقص في معينات العمل لجمع هذه الحيوانات، بالنسبة للعناكب والعقارب يسهل تجميعهم، أما الحيوانات الكبيرة مثل الثديات فيصعب الحصول عليها، إضافة إلى عدم توفر الأقفاص المناسبة لها، نسبة لعدم توفر المواد لاصطيادها، لذا تحتاج خطابات رسمية من الإدارة العامه للحياة البرية، وحتى الطيور تحتاج إلى أقفاص، ومشكلة المتحف الحقيقية هي عدم وجود ميزانية للمتحف الطبيعي، والميزانية تخرج من حساب الكلية بجامعة الخرطوم، قد لا تكفي هذه الميزانية لإطعام الحيوانات الحية. نشأة غير رسمية ويقول أحد المسؤولين في المتحف، فضَّل حجب اسمه: إن نشأة المتحف لم تكن رسمية، بل كانت عبارة عن مساهمات من الموظفين وأفراد الجيش الإنجليزي من المهتمين بالتاريخ الطبيعي إبان احتلال بريطانيا للسودان، مبيناً آخر تقرير صادر من إدارة المتحف أن تلك البداية تمثلت في جمع عينات من الطيور والزواحف والحشرات من مختلف أرجاء السودان في العام 1902م، غير أن تلك المحاولات تحوَّلت في منتصف الأربعينيات من القرن الماضي إلى متحف للتاريخ الطبيعي. إهمال الدولة وتقول مصادر في المتحف: إن هذا التدهور سببه إهمال الدولة المريع له، إذ لم تخصص له أية ميزانية منذ عام 2010م، وبسبب هذا الإهمال فشل المتحف في تنفيذ الكثير من مشاريعه، ولم يضف جديداً إلى مقتنياته التي يعود أغلبها لستينيات القرن الماضي، وقد فقد هذا المتحف عضويته في المجلس العالمي للمتاحف لعدم إيفائه بدفع رسوم الاشتراك، وعبَّر القائمون على المتحف عن أسفهم للخروج من هذا المجلس الذي يضم 30 ألف عضو، من نحو 137 بلداً . خارج اهتمام الدولة وترى المحاضرة بالمتحف الأستاذة منال صيام، بالرغم من أهمية المتحف التاريخي العلمية والبحثية المتجددة، وكذلك الترفيهية، إلا أنه يعاني من صعوبة في عمليات جمع وتطوير مقتنياته، وتابعت بالقول: نحن الآن نتحرك ونجمع عينات جديدة، ولكن بأقل الإمكانيات، كما لا توجد إمكانيات للتوسعة، ويذهب في ذات الاتجاه خبير التنوع الحيوي أسامة علي، إذ يؤكد أن المتحف لم يجد في العقود الأخيرة أي حظ من اهتمام الدولة، ويقول: إن أول احتياجات المتحف هو تخصيص مقر آخر مناسب يتيح له فرص التوسع وتخصيص ميزانية له. وقالت الأستاذة سارة عبدالله خضر، محاضر في متحف التاريخ الطبيعي: إن المتحف له أهمية كبيرة، ويعتبر مستودع علمي لعينات مختلفة معظمها عينات حيوانية انقرضت ويمثل المتحف أنموذجاً للحياة البرية والنباتات تمثل التاريخ الطبيعي للسودان، موضحة انقسام المتحف إلى أجزاء متعددة منها الجزء الأول العرض للجمهور والدارسين والمختصين وطلاب الجامعات والمدارس. الجزء الثاني مهم جداً يسمى العينات المرجعية، ويرجع تاريخها إلى العشرينات من القرن الماضي، ويعتبر المتحف رسالة مجتمعية، لأن الناس معظمهم يسعون لحماية الحياة البرية، وتعتبر جزءاً من الثروة البيئية، ولابد من المحافظة عليها. وأضافت: يحتوي المتحف على عدد كبير من الحيوانات الحية والمحنطه تتمثل في السحالي والورل والتماسيح، وأنواع من الثعابين السامة وغير السامة، وأنواع من الطيور مثل: البط والحمام. الجزء الثالث من المتحف يتمثل في صالات العرض لعرض الحيوانات المحنطة. وقالت: المتحف يعمل على تنشيط حركة السياحة وجذب السواح إلى المتحف وتحسن دخل المتحف من الناحية المادية، ولكن الرسوم التي يفرضها المتحف للسواح قليلة جداً ولا تكفي، قد يصل الدخل اليومي كحد أقصى 20 جنيهاً، موضحة أنهم لا يسعون إلى الاستثمار، وكل دخل المتحف فقط من أجل تغذية الحيوانات الحية بالمتحف، والتي تتمثل في السلحفاء، ويأكل في الأسبوع برسيم بما يقارب 400 جنيه، إضافة إلى التمساح يأكل اللحم، علماً بأن أسعار اللحم غالية جداً، والثعابين تتغذى على الحمام، موضحاً أن المشاكل الأساسية التي تواجه المتحف ضيق المبنى للعرض، إضافة إلى المعاناة التي نعاني منها في فصل الخريف نسبة لدخول الماء من سقف المتحف إلى العينات، مما تعمل على تلف العينات والحيوانات المحنطة، إضافة إلى الحاجة إلى التوسعة لمقدرة عرض العينات والحيوانات بصورة أفضل، إضافة إلى ضعف الإضاءة، ونحتاج إلى صيانة ونظافة دورية، إضافة إلى عدم تمويل المتحف من أي جهة، ومشكلتنا هي جزء من كلية العلوم، ومصادر دخلها محدودة، وعدم وجود ميزانية واضحة، وضعف في العمالة بالمتحف، ولا يوجد لدينا مصادر دخل لتغطية النقص بصورة يومية. مشاكل متعددة وكشف مدير متحف السودان لتاريخ الطبيعي د. أبو القاسم إبراهيم، عن الكثير من المشاكل التي تعرَّض لها المتحف خلال الفترة الماضية من ضمنها: ضعف التمويل من أجل إعادة تأهيل المتحف من صيانة وإطعام الحيوانات الحية، وحفظ العينات من التلف. وقال: إن المتحف يتبع إدارياً لجامعة الخرطوم، ولكن الجامعة لم تعط المتحف أي اهتمام ولا تخصيص ميزانية معينة لتكفي احتياجاته، وأن الدولة لا علاقة لها بتخصيص ميزانية محددة للمتحف، وأنا أناشد الخيِّرين لدعم المتحف من أجل المحافظة على الحيوانات الحية والعينات التي ترجع إلى زمن بعيد. أهمية كبرى ويهدف متحف التاريخ الطبيعي إلى توفير المادة العلمية للطلاب وجذب السياح، إذ يرتاده الناس للتعرف على الحيوانات البرية المحنطة. ويقول طالب الماجستير في العلوم عمر محمد، إنه ظل يترد على هذا المتحف أعواماً للحصول على معلومات علمية لها صلة بالتنوع الحيوي في البلاد، وأضاف: هذا المتحف أفادني للغاية في كتابة تقرير علمي ضمن أعمال سنة دراسية في الجامعة، ويوضح تقرير آخر صادر عن المتحف أنه تحوَّل إلى نافذة ترفيهية لعامة الناس، كما أصبح يشكِّل وسيلة مهمة للتعليم البصري لتلاميذ المدارس، وكذلك المواطنين ويبلغ عدد زوار المتحف من داخل وخارج السودان خلال العام نحو 18 ألفاً، من تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات والباحثين والمواطنين، ويزور المواطن عبد الرحمن عوض، هذا المتحف سنوياً للحصول على معلومات جديدة عن الحيوانات والزواحف، ويقول: "أحرص على إحضار أبنائي خلال العطلات"، لكن هذا المتحف السوداني العريق يواجه تدهوراً كبيراً في عمليات حفظ مقتنياته المحنطة ورعاية الحية منها. مشاهدات من خلال جولتي داخل المتحف لاحظت الإهمال الكبير الذي يعاني منه، في ظل غياب اهتمام الدولة والجامعة التي يتبع لها، رغم أنه يجمع الكثير من الحيوانات التي ترجع أصولها إلى العصور التاريخية القديمة، وتعد هذه الأنواع الآن غير موجودة، إلا بهذا المتحف، ويحتاج المتحف إلى صالات لعرض العينات والحيوانات المحنطة بصورة أفضل، لأنه واجهة لجذب السواح من داخل وخارج البلاد، إضافه إلى صيانة الجدران وإعادة بناء صالات العرض وتوسعتها وتوفير المواد اللازمة لحفظ العينات من كحول وعلب مخصصة لحفظها، ومن الأحرى أن تخصص الدولة ميزانية سنوية لدعم متطلبات المتحف، لأنه يمثل موروث قومي. التيار