(من ذاكرة سفير سابق) غزا العراقالكويت واحتلها في الثالث من أغسطس عام 1990. جال بخاطري ذلك الصباح وأنا سفير بالجزائر السؤال: بماذا يُسمى الفعل العراقي ويُوصف؟ لقد كان بلا شك غزواً واحتلالاً واغتصاباً لا مشاحة ولا خلاف في نظر العالم كله وفي سياق الأعراف والمواثيق الدولية. ولكن ماذا يسميه العراقيون أنفسهم وكيف يصفون فعل حكومتهم؟ وبماذا نسمي نحن السودانيين الفعل المصري عندما دخلت القوات المصرية أرضنا في حلايب عام 1995؟. استدعاني في بغداد في ديسمبر 1995 أي بعد نحو خمس سنوات من غزوة الكويت – السفير فاروق زيادة مدير الإدارة العربية بالخارجية ليبلغني اسفهم واستيائهم من صحافتنا في الخرطوم التي ظلت تشير إلى ما حدث في الكويت وتكرر بأنه غزو واحتلال وقال إن تلك الأوصاف ليست دقيقة ولا تعبر عن الحقيقة وتسيئ للعلاقات العراقية السودانية! علقت على رأي السفير وأسف حكومته بإجابة ذات شقين: شق ديبلوماسي كلاسيكي هروبي بأن ما يكتب في الصحافة السودانية لا يعبر بالضرورة عن الرأي الرسمي لحكومتنا... حفظت هذا الأسلوب وهذا التحايل وهذه الإجابات الديبلوماسية المعلبة التي لا تعدو كونها زعماً مغلفاً لا يستر للكذب عورة!... أليس هي الديبلوماسية كما عرفها أحدهم أن "تكذب من أجل بلادك؟!" أما الشق الثاني من إجابتي فقد كان سؤالاً للسفير زيادة وهو: ماذا تسمون أنتم يا سعادة السفير ما فعلتم في الكويت ذلك الصباح أو بالأحرى ماذا فعلتم بالكويت؟ ما هو المصطلح الرسمي الذي تحبذونه وتفضلونه على الأوصاف الأخرى مثل "غزو واحتلال"؟ أشفقت على السفير وقد علت وجهه قسمات الارتباك والحرج وأنا أفاجأه بسؤال عوضاً عن الإجابة على سؤاله وران عليه لبرهة صمت مريب ثم قال بلهجة عراقية وبحسم: ماكو مصطلح رسمي... أي لا يوجد مصطلح رسمي... فقلت: "إذن لا تلوموا ولا تعاتبوا ولا تحتجوا على من يختار من الأوصاف والمسميات ما يشاء " . العراق اغتصب الكويت واحتلها وقال أنه استرد واستعاد بغزوها الكويت المحافظة التاسعة عشر السليبة إلى حضن الوطن الأم! إلا أن ديبلوماسياً عراقياً متقاعداً وصف لي ما حدث بأنه لا استعادة ولا استرداد وإنما هو سبي كسبي بابل القديمة لليهود. وأحسب أن ما حدث في حلايب بالأمس وما يحدث فيها اليوم ليس مجرد غزو واحتلال وإنما هو سبي بصريح العبارة غير الديبلوماسية. ++++++ د. حسن عابدين سفير – سابق [email protected]