الذي لا يخفى على أحد هو أن هناك ملايين المواطنين السودانيين قد هجروا السودان خلال ال28 عاما التي قضاها الشعب السوداني تحت جحيم حكم المؤتمر الوطني، السعودية كان لها نصيب الأسد لأسباب كثيرة كلنا نعلمها، بعضهم نجح واستقر فيها وحقق الكثير من الإنجازات، وبعض آخر كون نفسه وعاد إلى السودان، وبعض غادرها إلى جهات أخرى، وبعض ظل يعيش هناك على قدر حاله، وآخرون لم يفعلوا شيئا بل كانوا عالة على السعودية لم يحصلوا حتى على إقامة لسنوات طويلة وصلت للعشرين سنة أو أكثر عند البعض، كل هؤلاء لا اظن أن حكومتنا كانت تعرف عنهم شيئا، وكيف تعلم فهي لا تعلم شيئا عمن يعيشون معها في الخرطوم تحت بصرها وسمعها فكيف تهتم بمن هم في الدول الأخرى، تتذكرهم فقط حين يعودون لأنهم سيدفعون لها أينما ذهبوا وكأنهم اغتربوا من أجلها هي. قبل سنوات وحينها كانت السعودية بخير، حكى لي أحد الدبلوماسيين أن هناك عددا من السودانيين في السعودية حين يقررون العودة للسودان لأي سبب لا يكون لديهم حتى الرسوم، فيبكون لهم كما تبكي النساء مع أن النساء تركن البكاء، وقلت له ماذا تفعلون معهم قال لي: (زول ببكي ليك يعني حتعمل ليه شنو)، هكذا تتعامل الحكومة مع مواطنيها لا تهتم بهم ولا تساعدهم و(كمان شايلة حالهم). الآن عشرات الآلاف من السودانيين يغادرون السعودية بعضهم وصل السودان وبعض ينتظر في الموانئ والمطارات وآخر يستعد للمغادرة، وهم يحملون هم المعيشة في وطن تحكمه حكومة مصنفة الأفسد في العالم، ويكفي أنهم الآن يتكدسون في الموانئ والمطارات ليتأكد لهم أن الغربة الحقيقية تنتظرهم هنا في وطنهم حيث ظلم ذوي القربى. بدأت معاناة العائدين من السعودية منذ اللحظة التي لملموا أطرافهم واتجهوا صوب الموانئ والمطارات وتكدسوا فيها بالأسابيع وكأنهم ليس لديهم دولة لها سفارة في السعودية، فهي لم تتحرك حتى نقل الإعلام أخبارهم ومعاناتهم وأيضا لم تتحرك بالمستوى المطلوب. كل الدول في العالم تهتم بمواطنيها في الداخل والخارج، ولديها سياساتها التي تحفظ لهم كرامتهم وتحقق لهم الرفاهية أينما وجدوا، وما تقوم به السعودية الآن من أجل رفاهية مواطنيها، فهي لا تريد أجنبيا لا يقيم بطريقة شرعية، وحتى من يقيم بطريقة شرعية ولديه عمل تريد أن تزيحه ليحتل مواطنها مكانه، فرفعت شعارين: (مملكة بلا مخالف وسعودة كل الوظائف)، إذا هي تقول لكل السودانيين: (أدونا ضهركم) فمنحت المقيمين بطريقة غير شرعية فرصة لتوفيق أوضاعهم، لأنها بعد ذلك ستعاقب أي مخالف، أما العاملين في المؤسسات المختلفة ففرضت عليهم رسوما خرافية حتى تجبرهم على المغادرة، وبالفعل بدأت رحلة العودة الجبرية، ولكن الحكومة السودانية مازالت غير مستعدة لاستقبال مواطنيها بأي شكل ولا حتى بالترحيب بهم بعبارات لا تكلفها شيئا، ورغم هذا يظلون في انتظارها، وأن تأتي متأخرا خير من لا تأتي، ليتها بعد كل هذا تفعل شيئا يطمئن العائدين من السعودية وإنهم سيجدون الرعاية والاهتمام حتى ولو من قبيل (الكشكرة)، مع أن هناك الكثير الذي يمكن أن تقومم به تجاههم، اقلاها تسهل لهم الدخول بكل ممتلكاتهم بدون جمارك حتى السيارات. من قبل احترقت ليبيا واليمن وواجه السودانيون الكثير من الشقاء والمعاناة ليعودوا ولم تفعل الحكومة شيئا، ورغم ذلك عادوا وتقاسموا المعاناة مع أهلهم وها هم يغادرون السعودية هذه المرة وبأعداد أكبر بكثير وأيضا سيستقبلهم أهلهم ويتقاسمون معهم المعاناة، ولكن إلى متى يتقاسم المواطنون وجائع الحكومة التي جعلتهم غرباء في بلدهم؟. التيار