قام ناشطون بالتصويت على عنوان هذا المقال على موقع فيس بوك وكانت نتيجة الموافقة حققت أكثر من 94% فكانت لا تهمني النتيجة المهم عندي هو متابعة تعليقات الرافضين وكانت لهم مببرات فعلاً تستحق التأمل أولا علينا ان نعترف بعض العقول تشوبها عيوب في التفكير لابد من تحريرها منها. خطورة هذا التفكير أو هذه الفكرة انها تمهد العقول لتقبل الاستبداد فالزعيم العظيم لا ينظر اليه باعتباره موظفا عاما خاضعا للمحاسبة ويمكن للبرلمان المنتخب أن يسحب منه الثقة أو يزج به في السجن إذا سرق أو تستر على الفساد أو أمر بقتل نفس برئية وانما باعتباره والد الشعب ورمز الأمة وهو فوق مستوى النقد في نظر هؤلاء لأننا نحمل ثقافة تجعلنا أكثر قابلية للاستبداد وأكثر قبولا له من شعوب أخرى. من أهم ما يحتاج الى التأمل أن هنالك خلط بين الزعيم والوطن هذه الطريقة في التفكير تروج لها الديكتاتوريات دائماً اذ تحاول اقناع مواطنيها بأن كل ما يدور في الداخل من ظلم وقهر وإعتقال وتعذيب تعتبر مشاكل داخلية لا يجوز لهم مناقشتها خارج الوطن. لا يجوز حتى أن تحكي آلامك وظلمك لأي شخص غريب أو لمحطة إذاعة أو تلفزيون أو صحيفة وممنوع حتى إنك تتلوى من الألم أمام الغرباء.. وللأسف قرأت تعليقا للصحفي خالد الأعيسر كان يقول إن المحكمة الدولية أنشأها (الرجل الأبيض ليحاكم بها الرجل الأسود !!) ومن المفارقات هو يقيم بلندن بلد الرجل الأبيض هذا نموذج .. ومصيبتنا في مثل هؤلاء. إن المواطن الوطني في نظر نظام الإستبداد هو الذي يتم سحق آدميته في بلاده ويقتل إبنه أمامه وينتهك عرضه ويضرب ويسحل والده أمام ناظريه لكنه يرفض الحديث عن مأساته مع الأجانب ..هذا النوع من الوطنية التي لا تعير أدنى اهتمام للحق والعدل وهي لاتعرف الفرق بين النظام والدولة و تعتبر ان الوطن يتمثل في شخص الحاكم تروج لها الأنظمة الظالمة المستبدة. كذلك الذي إستنتجته كل من يعارض الحاكم يكون خائنا للوطن هذه الوطنية العجيبة التي تخلقها الأنظمة الإستبدادية تتجلى الآن بوضوح في ردود الفعل على الرافضين بتسليم البشير لمحكمة الجنايات الدولية عن جرائم راح ضحيتها ألاف من الأبرياء في دارفور (هذا بإعترافه شخصياً) وهؤلاء الآلاف ليس من حقّ أي فرد منهم أن ينشر قضيته ولا يجوز له أن يشكو القاتل الى من ينصفه ويأخذ له حقه. سأل البعض هذا السؤال : لماذا يحمل المجتمع الدولي مثل هذه الجرائم للرئيس ؟ الإجابة : لأن كل الذي يحدث من إنتهاكات وتجاوزات يستطيع أن يوقفها الرئيس بكلمة واحدة أو بإشارة فقط .. وهذا بالتأكيد يقودنا الى سؤال آخر ماذا يحدث إذا غضب الرئيس على مواطن ؟! فى البلاد الديمقراطية تكون سلطة رئيس الدولة مقيدة بالقانون وبالتالى فإن غضبه على أى شخص لن يضيره أبدا ما دام لم يخالف القانون.. أما فى بلادنا المنكوبة بالاستبداد فإن غضب الرئيس معناه الهلاك المحقق لأن سلطته مطلقة وهو إذا غضب غضبت له أجهزة الدولة جميعا المدنية والقضائية والأمنية وهبت فورا للتنكيل بالمغضوب عليهم ويشيع القتل والتعذيب . في النظام المستبد إذا غضب منك موظف تجر عليك المصائب وتنتهك حقوقك وكرامتك . مثلاً عندما غضب أحمد هارون والي شمال كردفان من الأطباء أغلق المستشفيات ولاحق الأطباء في أكل عيشهم وأغلق العيادات الخاصة الأدهى وأمر بهذا أمرهم بمغادرة مدينة الأبيض حتى لو أنت وأجدادك من سكانها . في هذه الحالة تشكو من الى من؟ هؤلاء الرافضين حتى لمساءلت الرئيس لو إفترض كل واحد منهم إن ما يحدث هذه الأيام حدث له وتخيل أن مجموعة ملثمين قد إقتحموا منزلك وأخذوا إبنك وضربوه ضربا مبرحا أمامك ولم يكتفوا بذلك بل أخذوه لجهة غير معلومة وفي أول زيارة لك وجدته منهارا من جراء الحبس الانفرادي ورأيت على جسده اصابات عديدة من الضرب والتعذيب وأنك مثل أهالي المعتقلين، أصبحت تنتظر أمام السجن بالساعات و تتعرض إلى الاذلال والاهانات حتى ترى ابنك في زيارة لا تستغرق دقائق ثم بعد أيام إستلمته جثة هامدة وحررت له شهادة وفاة أنه مات بالتسمم لتناوله وجبة فاسدة أو مات نتيجة إنفجار الطوحال ثم افترض أن صحفيا أجنبيا طلب منك أن تحكى له تفاصيل قضية ابنك لينشرها في صحيفة أو قناة عالمية وسيطالب المجتمع الدولي بمحاكمت من أمر وعذب إبنك وأذله ثم قتله ؟ طبعاً ستوافق بدون أي تردد وستدعوه الى منزلك وستكرمه وتحكي له بالتفاصيل المملة .هل تقبل أن يصفك أحد بأن ما تقوم به عمل غير وطني ؟ هل يمكن أن تعتبر هذه الجريمة البشعة مجرد خطإ أو تصرف سلبي من القاتل؟ هل تقبل أن يقول أحد عن قاتل ابنك انه قد فعل أشياء ايجابية كثيرة تحسب له بالرغم من تعذيبه لابنك وقتله؟ بالطبع لن تقبل هذا الكلام وستثور في وجهه وقد تقتله لأنك تعتبر دفاع الشخص عن جريمة مقتل إبنك شريك في الجريمة وسوف تصر على أن من يقوم بتعذيب إبنك البريء ثم يقتله مجرم قاتل وليس أي شيء آخر ويجب محاكمته في أي مكان وأي كان هذا الشخص. فلا تستفزوا هؤلاء الضحايا أضعف الإيمان الصمت أما دفاعك سيُعتبر شريك في الجريمة..