ظللت أكرر فى مقالات سابقة، أنه لم يعد هناك وجود لما يمكن تسميته بنظام إقليمي أو دولي يمكن أن يتخذ موقفاً موحداً من أي قضية. وقد اثبتت الاحداث صدق هذا القول . الموجود الآن هو مصالح لمجموعة أقطار أو لقطر واحد وأحيانا لأفراد ،هى التى تحدد موقف المجموعة أو القطر أو الفرد . كذلك ظللت أكرر أن موقف المذكورين لايقرره فى نهاية الامر غير توازن القوى فى البلد المعين ، والادلة متوفرة فى ما حدث ويحدث على ايام الربيع العربى والآن فى قضايا السودان والجزائر وفنزويلا وغيرها. مناسبة الحديث هى الضربة الموجعة التى وجهتها ماليزيا مهاتير للنظام السودانى بعد ماتأكد لها من خلال جهد جبار من ممثلى الثورة السودانية وقبل ذلك ماقام به مهاتير من جز للفساد من جذوره فى ماليزيا- صدق ما ذهبوا اليه . ولأن مواقف الرجل مبدئية ، لايحركها التزام ايديولوجى مع نظام الخرطوم ، ولا مصالح ذاتية فردية أو قطرية أو تحالفية ،فقد فعل ما فعل دون تردد . والدليل على مبدئية الرجل ، انه بمجرد اقتناعه بعدالة القضية ، عمل على الحاق ماليزيا بالمحكمة الدولية ، كخطوة ضرورية لتجميد أرصدة " الحرامية " ومنعهم من دخول ماليزيا .. والا فلن يفلتوا من التسليم كما افلتوا فى جنوب افريقيا وغيرها من البلدان بمبررات لاتعبر الا عن المصالح باشكالها المختلفة. فى الوقت الذى جمد فيه مهاتير مايقارب السبعين مليارا من الدولارات والاصول للذين يثبتون كل يوم صدق شعار " ضد الحرامية " الذى أطلقه الثوار منذ اليوم الاول للثورة وأصبح شعارا ثابتا يكرره حتى أطفال الثورة ، فلايزال المجتمع الدولى يعبر عن قلقه لما يحدث فى السودان ، والاقليمى يدعم " الشعب السودانى " بما يؤدى فى واقع الامر الى مد عمر النظام ولو لايام معدودات لممارسة المزيد من القتل والتعذيب قبل ان يذهب لمزبلة التاريخ ويقرر الشعب الحر علاقاته الجديدة مع المجتمعين الاقليمى والدولى ومع ماليزيا مهاتير وأمثالها من اصحاب المواقف المبدئية. وفى الختام ، لابد من الاشارة الى الدرجة العالية من الوعى الذى تدير به الثورة السودانية خطواتها المحسوبة بدقة عجيبة . ولاأظن انه حدث فى تاريخ الثورات ، قديمها وجديدها ،ان تمت معالجة قضايا ما بعد انتصار الثورة قبل انتصارها النهائى والقريب . ولعل فى هذا يكون حافزا للمترددين فى الانضمام لركبها بحجة ان النتيجة غير مضمونة ، وكذلك لجماعات المجتمعين الاقليمى والدولى ، ليحسموا أمرهم بنفس درجة الوعى الثورى والمهاتيرى قبل فوات الأوان ، والذى بدأ يفوت بالفعل بالنسبة لبعض قوى الداخل وخصوصا لبعض قوى الخارج ، وبالاخص فى المجتمع الاقليمى. ولعل هذا يؤكد من ناحية أخرى أهمية دور بعض الافراد فى التاريخ من أمثال مهاتير ومانديللا وغاندى وغيرهم من الافذاذ وبعض أفراد آخرين يحاولون جر التاريخ الى الوراء ، وهيهات. و"تسقط بس "! [email protected]