إذا كان إبنك إبنتك الطالب الجامعي خرج في مظاهرات أو كان مع أصدقائه لحظة إندلاع مظاهرات في الجامعة تطالب بالعدالة والحرية وتم القبض على جميع المتظاهرات والمتظاهرين وكان هو واحد من المقبوض عليهم وإنك ظللت تبحث عنه عدة أسابيع بلا جدوى حتى وجدته في مبنى جهاز أمن الدولة ورأيت عليه الإعياء والتعذيب والكدمات وكان منهاراً تماما من الحبس الإنفرادي وفي إنتظار المحاكمة والتهم هي نفس التهم المطاطة إذاعة أخبار كاذبة والتحريض والتخريب .. وظللت تذهب يوميا لمباني الجهاز مثل أهالي المعتقلين وأصبحت تنتظر أمام السجن بالساعات وتتعرض الى الإذلال والإهانات حتى ترى إبنك في زيارة صغيرة لا تتعدى الدقائق تخيل عزيزي القارئ إن والدك جالس أمام المنزل وكانت هنالك مظاهرات تبعد قليلاً من المنزل وعند ظهور سيارات الأمن (والملثمين) وإطلاق الغازات السامة هرب الجميع الى داخل الحي بينما والدك جالس ولم يشارك بسبب مرضه وفجأة أراد رجال الأمن الدخول في المنزل عنوة بحثا عن متظاهرين ظناً منهم بأن والدك يحميهم داخل المنزل ولم يستأذنوا منه كرجل البيت كما أمر العرف والدين وعندما إعترض تجمعوا حوله مجموعة من الملثمين وأوسعوه ضربا مبرحا وعندما لم يتنازل تم إطلاق الرصاص عليه وفشلت كل محاولات إسعافه وفارق الحياة. ثم افترض أن صحفيا أجنبيا طلب منك أن تحكى له تفاصيل قضية والدك أو إفترض إنه طلب من والد الطالب أن يحكي له تفاصيل إعتقاله وتعذيبه لنشرها في صحيفة عالمية حتى يسلط الضوء عليها ثم سألك عن دور جيش بلادك وردة فعله في هذه الإنتهاكات التي تحدث يوميا . من حقك أن تنشر قضية ذويك العادلة في أي مكان،وعن الإنتهاكات وعن صمت جيش بلادك وعجزه عن حمايتك إليك عزيزي القارئ مثالين آخرين واقعيين تخيل إنك والدة الناشط محمد البوشي إبنها الوحيد لا تملك غيره في هذه الدنيا تم إعتقاله وتعذيبه وتذهب الى المعتقل بشكل يومي لكي تنظر اليه ثم ترجع الى بيتها وفي كل زيارة ترى وضعه الصحي أسوأ عما سبقه وتتعرض للإهانة والإذلال وتفشل محاولة رؤية إبنها أحيانا كثيرة وجاء من طلب منك نشر قضية إبنك العادلة في صحف وإذاعات أجنبية ماذا سيكون ردة فعلك ؟ أو تخيل إنك والدة هزاع التي قتل إبنها في مظاهرات شمبات في 2013 وظلت تنادي بالقصاص من قاتل إبنها هزاع سنيين عددا ولم تجد إلا الوعيد والتهديد والضرب أحيانا دون مراعاة الى أنها إمرأة وأم لشهيد , وجاء من طلب منك نشر قضيتك في جمعيات حقوق الإنسان وصحف أجنبية فماذا سيكون ردة فعلك ؟ الأنظمة الدكتاتورية والفاشية تحاول إقناع الناس بأنها من حقها أن تظلم وتقتل وتعذب الناس وتنتهك أعراضهم وتسحق آدميتهم فهذه تعتبر مشاكل داخلية ويجب عدم إفشائها الى الأجانب وإن إفشائها والحديث عنها مع الأجانب تعتبر خيانة وطنية ويروج لهذه الأحكام أبواق النظام في قنواتهم الفضائية وصحفهم القبيحة ويعتبرون كل من يشكو ظلم أهل المساجد لأهل الكنائيس فهو خائن لوطنه !!! وفي ظلّ صمت جيش بلادك الذي أصم أذنيه وأغلق عينيه حتى لا يسمع ولا يرى أنيين الأمهات وفراق الأبناء وجاء جيش من الحركات المسلحة السودانية وأراد أن ينتصر لك ويحميك من (الملثمين) ومن هذه المليشيات القاتلة التي قتلت إبنك أو إعتقلت وتحرشت ببنتك وظلت ترعبك كل يوم ستقف مع هذا الجيش أم إنك ستقف ضده ؟ إذا وقفت مع هذا الجيش فهذا من حقك لأنك لم تجد من ينصرك ويحميك من الظلم وأما إذا رفضت حتى الحديث عن صمت جيش بلادك عن إنتهاكات المليشيات الغير نظامية (والملثمين) والأجهزة الأمنية فإنك أجرمت في حقك وحق الإنسانية وفي حق وطنك المفاهيم في الدول الديمقراطية عن الوطنية مختلفة الناس هناك تؤمن بالعدالة فإذا دخل جيش بلادك حربا مع الأعداء من الطبيعي أن تقف معاه وتنصره وفي نفس الوقت إذا رأيت جيش بلادك ينتهك حقوق شعب آخر وإحتلّ بلد آخر بالقوة يجب عليك أن تفضحه رأينا إحتجاجات الشعب الأمريكي ضد حرب العراق وأفغانستان . الناس في الدولة الديمقراطية يحبون أوطانهم ووطنيون لكن يؤمنون إن الوطنية هي في حدود العدل والحق ويجب فضح السلطة وجرائمها ومحاكمة مرتكبيها هنا نذّكر الذين فضحوا جرائم الجيش الأمريكي في معتقل ابوغريب بالعراق كانوا صحفيين أمريكيين فلم يتهمهم أحد بالعمالة والخيانة ووجدوا التقدير من الأمريكيين لشجاعتهم يجب أن نضع انتماءنا للانسانية أهم بكثير من انتماءتنا الحزبية ومن حق السودانيين أن يعيشوا في دولة ديمقراطية فيها العدالة والحرية وتحترم حقوق الإنسان وتفضح كل منتهك أو صامت لحقوق الآخرين مهما كان منصبه . ياسر عبد الكريم [email protected]