إبعاد يوسف علي من مباراتي مورتانيا وجنوب السودان    المريخ يكثف تحضيراته بالاسماعيلية ويجري مرانين    مصر تدعم دعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام العدل الدولية    شاهد بالصور.. (بشريات العودة) لاعبو المريخ يؤدون صلاة الجمعة بمسجد النادي بحي العرضة بأم درمان    جماهير الريال تحتفل باللقب ال 36    الروابط ليست بنك جباية وتمكين يا مجلس!!    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب مصري يقدم فواصل من الرقص الهستيري على أنغام أغنية الظار السودانية (البخور طلقو لي لولا) وساخرون: (تم تهكير الشعب المصري بنجاح)    ضربات جوية مُوجعة في 5 مناطق بدارفور    نائب رئيس مجلس السيادة يلتقي وفد مبادرة أبناء البجا بالخدمة المدنية    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية ترقص وتتمايل داخل سيارتها على أنغام الفنان الراحل ود الأمين: (وداعاً يا ظلام الهم على أبوابنا ما تعتب)    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    عضو مجلس السيادة نائب القائد العام الفريق أول ركن شمس الدين كباشي يصل الفاو    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني "الشكري" يهاجم الفنانة نانسي عجاج بعد انتقادها للمؤسسة العسكرية: (انتي تبع "دقلو" ومفروض يسموك "السمبرية" وأنا مشكلتي في "الطير" المعاك ديل)    شاهد بالصورة والفيديو.. بطريقة "حريفة" ومدهشة نالت اعجاب الحاضرين.. سائق سوداني ينقذ شاحنته المحملة بالبضائع ويقودها للانقلاب بعد أن تعرضت لحريق هائل    نتنياهو مستمر فى رفح .. إلا إذا...!    عراقي يصطحب أسداً في شوارع بغداد ويُغضب رواد منصات التواصل    ترامب شبه المهاجرين بثعبان    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    السيسي: لدينا خطة كبيرة لتطوير مساجد آل البيت    محمد خليفة، كادر حزب البعث والقحاتي السابق، يتكلم عن الحقيقة هذه الأيام وكأنه أفلاطون    الهلال يحسم لقب الدوري السعودي    يوكوهاما يقلب خسارته أمام العين إلى فوز في ذهاب نهائي "آسيا"    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    عاصفة شمسية "شديدة" تضرب الأرض    هل ينقل "الميثاق الوطني" قوى السودان من الخصومة إلى الاتفاق؟    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: امنحوا الحرب فرصة في السودان    كلام مريم ما مفاجئ لناس متابعين الحاصل داخل حزب الأمة وفي قحت وتقدم وغيرهم    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللعبة القذرة
نشر في الراكوبة يوم 08 - 08 - 2019

في السياسة ليس هناك قاعدة معينه يمكن أن تبنى عليها او ان تكون أساسا للتعامل ، فأعداء اليوم قد يكونون هم اصدقاء الغد والعكس ، فلا و لاء ولا عداء ولا محبة دائمة،هناك مصالح مشتركة و اخر متضاربة.
وجود جاسوس داخل نظام ما هو بلا شك أمر خطير، وتزداد هذه الخطورة عندما يكون هذا الجاسوس الخائن من داخل المنظومة الحاكمة نفسها، وتبلغ الخطورة مداها عندما يستخدم هذا الشخص سلطته ونفوذه لتقويض النظام ومساعدة الأعداء في تنفيذ خطة للانقضاض على نظام لطالما ظل عصي عليهم ولم يكن لتتاح لهم فرصة الظفر به لولا ذلك الخائن، ولنا في التاريخ عبر وقصص كثيرة من هذه الشاكلة ،فلشبونة إحدى زواهر دولة الأندلس قدّمها بنو الأفطس أمراء بطليوس لألفونسو هديّةً، ليساعدهم في هزيمة يوسف بن تاشفين، الذي أنقذ الأندلس في معركة الزلاقة،والمعتمد بن عباد راسل ألفونسو أيضاً، ومنحه العديد من الحصون والأراضي الخاصة بالمسلمين، ليساعده ضد المرابطين ،وبغداد لم يُسْقِطها هولاكو وجيوش التتار الجرّارة، ولكن أسقطتها خيانة الوزير ابن العلقمي، وطليطلة لم يتم احتلالها واستباحتها إلا بخيانة ذي النون وتحالفه مع ألفونسو السادس لإسقاطها ومنحها له بعد ذلك ، فما أشبه الليلة بالبارحة.
الفريق اول صلاح عبدالله (الشهير بقوش)، و محمد حمدان دقلو (الشهير بحميدتي) هما الشخصيتان الوحيدتان اللتان خانتا الرئيس البشير (ولأكثر من مرة) ، وللأسف برغم ذلك فلتتا من العقاب والمحاسبة، قوش بمجرد ان تمت إعادته مرة أخرى إلى سدة قيادة جهاز الامن والمخابرات (وكان ذلك هو الخطأ الفادح الذي ارتكبه الرئيس البشير) ما أن استلم منصبه مرة اخرى حتى سارع بالتجهيز لإنقلاب يطيح بالرئيس ،مستخدما علاقاته العميقة بامريكا و جهاز مخابراتها (سي.اي.ايه ، و اسرائيل و موسادها ،كيف لا والرجل يعتبر و احد من أفضل من تعاونت معه أجهزة الإستخبارات الغربية ، بعد المصري عمر سليمان مدير المخابرات المصرية العامة الاسبق.
دقلو تنبع اهميته من تزعمه لمليشيات الدعم السريع ودورها المعروف في دارفور ، ومن بعد ذلك مشاركتها في حرب اليمن إلى جانب السعودية و الامارات ،وكذلك محاربته (المزعومه) للهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر نيابة عن الإتحاد الأوربي، و تمدد هذا الجسم الهلامي(الدعم السريع) بسبب دعم الرئيس البشير أيضا، مما تسبب في اضعاف (ممنهج) لمؤسسات الدولة السودانية النظامية.
عندما ظهرت بودار الثورة على النظام القائم في ديسمبر من عام 2018 لم تتدخل تدخل قوات حميدتي لمساندة الرئيس البشير ضد المحتجين، برغم دعمه اللامحدود لها،ورجحت تقارير ان ذلك تم باتفاق بين حميدتي و قوش،اللذان كانا يبدوان انهما متفقين (ظاهريا) ،إلى ان حدث الاختلاف الكبير بين الرئيس البشير وقوش في فبراير من العام الحالي 2019 بسبب تدخل بعض القيادات النافذه(ومنهم الدكتور نافع علي نافع) لإيقاف خطة اتفق عليها الرئيس البشير وقوش لتعيين حكومة برئاسة قوش وأن يعلن عدم الترشح لانتخابات 2020م ،وبدلا من اعلان ما تم الاتفاق عليه بين الرجلين أعلن الرئيس البشير حالة الطوارئ ،برغم ترقب الشعب لذلك الخطاب ،مما اغضب قوش و بدأ من وقتها التنسيق بين قوش وحميدتي للانقلاب على النظام.
احتجب حميدتي عن المشهد ، بعد ان أعلن ان قوات الدعم السريع مهمتها الدفاع عن الحدود وانه ليس من مهامها ان تقمع التظاهرات ، مما عده الرئيس البشير خذلانا كبيرا له في وقت حساس جدا، وتوالت بعدها الأحداث بينما ظل قوش يهندس ويخطط لعملية الإطاحة بالبشير.
اول مجلس عسكري بعد الانقلاب على الرئيس البشير برئاسة عوض بن عوف و حتى مجلس عبدالفتاح البرهان لاحقا أعلنا ان قوش كان له القدح المعلى في الإطاحة بالرئيس البشير ، ولكنهما تفاجأآ بأن الشعب لا يريد قوش الذي كان يظن أن النظام قد آل اليه، فطلب منه أصدقائه الأمريكيين ان يتقدم بإستقالته و يتوارى عن المشهد مؤقتا إلى أن تنجلي الامور، فوافق و قدم استقالته و إختفى ميمما وجهه شطر واشنطن بعد ان توقف ليومين في لندن،و خلال الفترة سعت ملا من السعودية و الإمارات ليتولي رجلهما الاول في السودان حميدتي رئاسة البلاد بدلا عن قوش الذي تضاءلت حظوظه في الرئاسة بسبب ردة الفعل الشعبيه السلبيه ضده ،ولكن هذا التوجه من السعودية والامارات تضارب مع معارضة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي القوية لتولي حميدتي مقاليد السلطة في السودان.
استطاع طه عثمان الحسين ان يقنع حميدتي بأن قوش كان وراء محاولة اغتياله (المزعومه) في 21 أبريل،وأنه لكي يستطيع مواجهة قوش فلابد أن يتم إخراج عدو قوش اللدود اللواء عبد الغفار الشريف من سجنه، وفعلا تم ذلك، بل ومضى حميدتي ابعد من ذلك فإن أوكل إلى عبدالغفار مهمة قيادة إدارة الاستخبارات في قوات الدعم السريع،الأمر الذي أثار حفيظة قوش ، والأمر الآخر الذي اغضب قوش هو إعادة خدمة اللواء عباس عبد العزيز بل وترقيته وهناك حديث عن قرب تعيينه في منصب عسكري رفيع.
هذه الخطوات من قبل معسكر حميدتي/طه عثمان تكشفت الخطة والغرض من وراءها بسهولة لذئب متمرس في العمل الاستخباراتي مثل قوش، وبتنسيق مع أجهزة المخابرات الغربيه أوقف الإتحاد الأوربي دعمه لمكافحة الإتجار بالبشر و تبدلت لهجة الأوربيين مع حميدتي الذي خسر كثيرا بسبب توقف أحد روافد انهار ثروته المتنامية ، كما تم ايضا كشف الشركة الروسية التي كانت تهرب الذهب من جبل عامر لصالح حميدتي،وتم القبض على الطائرة المروحية المعبأة بالذهب والتي كانت في طريقها إلى الخارج،و نشر الخبر في مختلف وسائط ووسائل الإعلام ، و في نفس الوقت انتشرت فيديوهات خاصة لطه عثمان بصحبة بعض النساء بالخارج في تشويه متعمد لصورته في الوسائط الاعلاميه.
هذه الضربات السريعة والمتتاليه أشار اليها حميدتي في عدد من خطاباته ،حيث انه قال في احداها انه (لايمكن اللعب به)،لكن في نفس الوقت فإن الرسالة قد وصلته ، وفهم تماما غضب قوش وطبيعته ، و كذلك طه عثمان فهم الرساله ، وجاءت الرساله الأخرى الى حميدتي من البرهان حيث اخبره بعدم تقبل القاهرة لوجوده كقائد عسكري للقوات المسلحة بالسودان رغم تأييد السعودية والامارات ،إلا أن مصر رقم لا يمكن تجاوزه في المنطقة.
يتضح من كل ذلك ان قوش – و إن كان مختفيا عن الانظار- فهو ممسك بخيوط كتيرة كافية لعرقلة مشروع طموحات حميدتي وطه في السودان ،وعلاقاته مع دول مؤثرة مثل الولايات المتحدة ومصر قوية جدا، خصوصا بهذه الاخيرة ،فعند عودته لمنصبه في 2018 كانت اول زيارة خارجيه لقوش الى مصر،وكانت زيارة لللسيسي شخصيا لتنسيق المواقف ،وبعدها مباشرة قام بإعادة الجنود المصريين المختطفين في الجنوب الليبي بعملية سرية ، أظهرت كفاءة و قدرة الرجل، و قوبل ذلك بتقدير كبير من المصريين لقوش ،فتمت مكافأته بلقاء مدير الموساد يوسي كوهين اثناء انعقاد مؤتمر الامن في برلين في فبراير 2019 وكان هذا اللقاء برعاية السيسي شخصيا وبدون علم الرئيس البشير.
بعد هذا اللقاء اقتنعت إسرائيل و الغرب عموما ان قوش هو الرجل الأمثل لقيادة السودان في الفتره القادمه ،و إنه رجل المرحلة الذي يستطيع تنفيذ أهداف إسرائيل والولايات المتحدة والغرب في السودان والمنطقة ، فالرجل لديه خبرة كبيرة في التعامل مع الأسرار و إدارة الأزمات،كما ان علاقاته المتشعبة داخل الجيش و في اوساط الاسلاميين و حتى داخل المعارضة الحالية و قوى الحرية و التغيير تؤهله للعب دور محوري ومهم.
خلاصة القول ان قوش مازال يمسك بأوراق ضغط يمكن ان تحد من طموح حميدتي، ولكن المشكلة تكمن في انه ليس هناك أي ضمانات لعدم حدوث فوضى أمنيه واسعه في البلاد اذا ما حدثت مواجهات مباشرة بين الفريقين،ولكن من المؤكد أن قوش لا يرغب في الوصول إلى هذه النقطة تحديدا وذلك كيلا تتلاشي حظوظه وطموحاته في إدارة السودان حتى وإن صرح البرهان انه ليس هناك مكان لقوش في المجلس السيادي، فالرجل خان من إئتمنه على آمنه وامن البلاد،ولكنه لم يقبض ثمن الخيانة بعد، فهل سيهنأ قوش بثمن خيانته؟ أم أن الإسلاميين لديهم ما سيقض مضاجعه ويسفه أحلامه تلك؟ سنرى.
ود اسحق
في السياسة ليس هناك قاعدة معينه يمكن أن تبنى عليها او ان تكون أساسا للتعامل ، فأعداء اليوم قد يكونون هم اصدقاء الغد والعكس ، فلا و لاء ولا عداء ولا محبة دائمة،هناك مصالح مشتركة و اخر متضاربة.
وجود جاسوس داخل نظام ما هو بلا شك أمر خطير، وتزداد هذه الخطورة عندما يكون هذا الجاسوس الخائن من داخل المنظومة الحاكمة نفسها، وتبلغ الخطورة مداها عندما يستخدم هذا الشخص سلطته ونفوذه لتقويض النظام ومساعدة الأعداء في تنفيذ خطة للانقضاض على نظام لطالما ظل عصي عليهم ولم يكن لتتاح لهم فرصة الظفر به لولا ذلك الخائن، ولنا في التاريخ عبر وقصص كثيرة من هذه الشاكلة ،فلشبونة إحدى زواهر دولة الأندلس قدّمها بنو الأفطس أمراء بطليوس لألفونسو هديّةً، ليساعدهم في هزيمة يوسف بن تاشفين، الذي أنقذ الأندلس في معركة الزلاقة،والمعتمد بن عباد راسل ألفونسو أيضاً، ومنحه العديد من الحصون والأراضي الخاصة بالمسلمين، ليساعده ضد المرابطين ،وبغداد لم يُسْقِطها هولاكو وجيوش التتار الجرّارة، ولكن أسقطتها خيانة الوزير ابن العلقمي، وطليطلة لم يتم احتلالها واستباحتها إلا بخيانة ذي النون وتحالفه مع ألفونسو السادس لإسقاطها ومنحها له بعد ذلك ، فما أشبه الليلة بالبارحة.
الفريق اول صلاح عبدالله (الشهير بقوش)، و محمد حمدان دقلو (الشهير بحميدتي) هما الشخصيتان الوحيدتان اللتان خانتا الرئيس البشير (ولأكثر من مرة) ، وللأسف برغم ذلك فلتتا من العقاب والمحاسبة، قوش بمجرد ان تمت إعادته مرة أخرى إلى سدة قيادة جهاز الامن والمخابرات (وكان ذلك هو الخطأ الفادح الذي ارتكبه الرئيس البشير) ما أن استلم منصبه مرة اخرى حتى سارع بالتجهيز لإنقلاب يطيح بالرئيس ،مستخدما علاقاته العميقة بامريكا و جهاز مخابراتها (سي.اي.ايه ، و اسرائيل و موسادها ،كيف لا والرجل يعتبر و احد من أفضل من تعاونت معه أجهزة الإستخبارات الغربية ، بعد المصري عمر سليمان مدير المخابرات المصرية العامة الاسبق.
دقلو تنبع اهميته من تزعمه لمليشيات الدعم السريع ودورها المعروف في دارفور ، ومن بعد ذلك مشاركتها في حرب اليمن إلى جانب السعودية و الامارات ،وكذلك محاربته (المزعومه) للهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر نيابة عن الإتحاد الأوربي، و تمدد هذا الجسم الهلامي(الدعم السريع) بسبب دعم الرئيس البشير أيضا، مما تسبب في اضعاف (ممنهج) لمؤسسات الدولة السودانية النظامية.
عندما ظهرت بودار الثورة على النظام القائم في ديسمبر من عام 2018 لم تتدخل تدخل قوات حميدتي لمساندة الرئيس البشير ضد المحتجين، برغم دعمه اللامحدود لها،ورجحت تقارير ان ذلك تم باتفاق بين حميدتي و قوش،اللذان كانا يبدوان انهما متفقين (ظاهريا) ،إلى ان حدث الاختلاف الكبير بين الرئيس البشير وقوش في فبراير من العام الحالي 2019 بسبب تدخل بعض القيادات النافذه(ومنهم الدكتور نافع علي نافع) لإيقاف خطة اتفق عليها الرئيس البشير وقوش لتعيين حكومة برئاسة قوش وأن يعلن عدم الترشح لانتخابات 2020م ،وبدلا من اعلان ما تم الاتفاق عليه بين الرجلين أعلن الرئيس البشير حالة الطوارئ ،برغم ترقب الشعب لذلك الخطاب ،مما اغضب قوش و بدأ من وقتها التنسيق بين قوش وحميدتي للانقلاب على النظام.
احتجب حميدتي عن المشهد ، بعد ان أعلن ان قوات الدعم السريع مهمتها الدفاع عن الحدود وانه ليس من مهامها ان تقمع التظاهرات ، مما عده الرئيس البشير خذلانا كبيرا له في وقت حساس جدا، وتوالت بعدها الأحداث بينما ظل قوش يهندس ويخطط لعملية الإطاحة بالبشير.
اول مجلس عسكري بعد الانقلاب على الرئيس البشير برئاسة عوض بن عوف و حتى مجلس عبدالفتاح البرهان لاحقا أعلنا ان قوش كان له القدح المعلى في الإطاحة بالرئيس البشير ، ولكنهما تفاجأآ بأن الشعب لا يريد قوش الذي كان يظن أن النظام قد آل اليه، فطلب منه أصدقائه الأمريكيين ان يتقدم بإستقالته و يتوارى عن المشهد مؤقتا إلى أن تنجلي الامور، فوافق و قدم استقالته و إختفى ميمما وجهه شطر واشنطن بعد ان توقف ليومين في لندن،و خلال الفترة سعت ملا من السعودية و الإمارات ليتولي رجلهما الاول في السودان حميدتي رئاسة البلاد بدلا عن قوش الذي تضاءلت حظوظه في الرئاسة بسبب ردة الفعل الشعبيه السلبيه ضده ،ولكن هذا التوجه من السعودية والامارات تضارب مع معارضة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي القوية لتولي حميدتي مقاليد السلطة في السودان.
استطاع طه عثمان الحسين ان يقنع حميدتي بأن قوش كان وراء محاولة اغتياله (المزعومه) في 21 أبريل،وأنه لكي يستطيع مواجهة قوش فلابد أن يتم إخراج عدو قوش اللدود اللواء عبد الغفار الشريف من سجنه، وفعلا تم ذلك، بل ومضى حميدتي ابعد من ذلك فإن أوكل إلى عبدالغفار مهمة قيادة إدارة الاستخبارات في قوات الدعم السريع،الأمر الذي أثار حفيظة قوش ، والأمر الآخر الذي اغضب قوش هو إعادة خدمة اللواء عباس عبد العزيز بل وترقيته وهناك حديث عن قرب تعيينه في منصب عسكري رفيع.
هذه الخطوات من قبل معسكر حميدتي/طه عثمان تكشفت الخطة والغرض من وراءها بسهولة لذئب متمرس في العمل الاستخباراتي مثل قوش، وبتنسيق مع أجهزة المخابرات الغربيه أوقف الإتحاد الأوربي دعمه لمكافحة الإتجار بالبشر و تبدلت لهجة الأوربيين مع حميدتي الذي خسر كثيرا بسبب توقف أحد روافد انهار ثروته المتنامية ، كما تم ايضا كشف الشركة الروسية التي كانت تهرب الذهب من جبل عامر لصالح حميدتي،وتم القبض على الطائرة المروحية المعبأة بالذهب والتي كانت في طريقها إلى الخارج،و نشر الخبر في مختلف وسائط ووسائل الإعلام ، و في نفس الوقت انتشرت فيديوهات خاصة لطه عثمان بصحبة بعض النساء بالخارج في تشويه متعمد لصورته في الوسائط الاعلاميه.
هذه الضربات السريعة والمتتاليه أشار اليها حميدتي في عدد من خطاباته ،حيث انه قال في احداها انه (لايمكن اللعب به)،لكن في نفس الوقت فإن الرسالة قد وصلته ، وفهم تماما غضب قوش وطبيعته ، و كذلك طه عثمان فهم الرساله ، وجاءت الرساله الأخرى الى حميدتي من البرهان حيث اخبره بعدم تقبل القاهرة لوجوده كقائد عسكري للقوات المسلحة بالسودان رغم تأييد السعودية والامارات ،إلا أن مصر رقم لا يمكن تجاوزه في المنطقة.
يتضح من كل ذلك ان قوش – و إن كان مختفيا عن الانظار- فهو ممسك بخيوط كتيرة كافية لعرقلة مشروع طموحات حميدتي وطه في السودان ،وعلاقاته مع دول مؤثرة مثل الولايات المتحدة ومصر قوية جدا، خصوصا بهذه الاخيرة ،فعند عودته لمنصبه في 2018 كانت اول زيارة خارجيه لقوش الى مصر،وكانت زيارة لللسيسي شخصيا لتنسيق المواقف ،وبعدها مباشرة قام بإعادة الجنود المصريين المختطفين في الجنوب الليبي بعملية سرية ، أظهرت كفاءة و قدرة الرجل، و قوبل ذلك بتقدير كبير من المصريين لقوش ،فتمت مكافأته بلقاء مدير الموساد يوسي كوهين اثناء انعقاد مؤتمر الامن في برلين في فبراير 2019 وكان هذا اللقاء برعاية السيسي شخصيا وبدون علم الرئيس البشير.
بعد هذا اللقاء اقتنعت إسرائيل و الغرب عموما ان قوش هو الرجل الأمثل لقيادة السودان في الفتره القادمه ،و إنه رجل المرحلة الذي يستطيع تنفيذ أهداف إسرائيل والولايات المتحدة والغرب في السودان والمنطقة ، فالرجل لديه خبرة كبيرة في التعامل مع الأسرار و إدارة الأزمات،كما ان علاقاته المتشعبة داخل الجيش و في اوساط الاسلاميين و حتى داخل المعارضة الحالية و قوى الحرية و التغيير تؤهله للعب دور محوري ومهم.
خلاصة القول ان قوش مازال يمسك بأوراق ضغط يمكن ان تحد من طموح حميدتي، ولكن المشكلة تكمن في انه ليس هناك أي ضمانات لعدم حدوث فوضى أمنيه واسعه في البلاد اذا ما حدثت مواجهات مباشرة بين الفريقين،ولكن من المؤكد أن قوش لا يرغب في الوصول إلى هذه النقطة تحديدا وذلك كيلا تتلاشي حظوظه وطموحاته في إدارة السودان حتى وإن صرح البرهان انه ليس هناك مكان لقوش في المجلس السيادي، فالرجل خان من إئتمنه على آمنه وامن البلاد،ولكنه لم يقبض ثمن الخيانة بعد، فهل سيهنأ قوش بثمن خيانته؟ أم أن الإسلاميين لديهم ما سيقض مضاجعه ويسفه أحلامه تلك؟ سنرى.
ود اسحق


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.