في إجازة الصيف الماضي قبل ثورة ديسمبر (المعجزة) ذهبت إلى أحد الدوائر الحكومية في الخرطوم لإنهاء معاملة خاصة وكان آخر إجراء هو مقابلة مدير هذه الدائرة لم أنجح في مقابلته اليوم الأول لكثرة المراجعين اليوم التاني تم دخول المراجعين كل إثنيين مع بعض حتى يخفّ الضغط على المنتظرين . أثناء إنتظاري كانت معي في الإنتظار سيدة محترمة كانت تشكو لي بكل مرارة عن الوضع العام وعن الروتين الخاص بهذه المعاملة وحكت لي إنها على مدى يومين متتالين لم تستطع إنجاز هذه المهمة البسيطة ومدير هذه الدائرة لم يسلم من ألفاظها القاسية .. فدخلت إلي مقابلة المدير مع هذه السيدة الغاضبة فاذا به تندفع نحوه وتقول: (يا باشمهندس أنا قبل أى شيء أشكرك كتير جدا في كونك تسمح الدخول إثنين مع بعض وده ساعد في توفير الوقت وريحنا كتير, وعندما سمع المدير هذا الكلام تفتحت أساريره وأنا واقف مذهول وقالت أيضاً :إنها لم يطول إنتظارها كلها ساعة فقط !!) انتهيت من معاملتي وذهبت ولكن لم أنس هذه الواقعه أبداً وتذكرتها الآن بعد أن أصبحنا نعوم فعليا في مستنقع من النفاق. ما هو النفاق ؟ النفاق هو أن تظهر خلاف ما تبطن . تذكرت هذه الواقعة بعد ان وجدتني اسأل نفس لماذا نعيش هذه الحالة المتقدمة من النفاق في كل مناحي الحياة من اعلاميين وصحفيين ومدراء جامعات وموظفين وحتى البسطاء من الشعب لكن الخطورة عندما تجد النفاق في علماء الدين وبنفاقهم أصبح الخطر على الدين من رجال الدين أنفسهم وليس من غيرهم واتضح انهم لا يسعون لعودة الخلافة الاسلامية التي ضاعت كما يدعون لانها اصلا لا توجد خلافة في التاريخ وإنها كذبة وليس خوفا على الدين الذي ضاع لان الدين محفوظ من ربه انما خوفا علي امتيازاتهم واموالهم التي كنزوها بنفاقهم للنظام البائد التي لابد ان يسألون عنها في دولة القانون القادمة النفاق ليس طبيعة في السودانيين وإنما هو تشوه سلوكي ناتج عن الاستبداد منذ 30 عاماً ومازلنا تحت تأثير حكم هذه العصابة الفاشية المستبدة والنفاق ليس نقيصة اخلاقية وانما هو مرض له علاقة بالنظام الحاكم …عندما نتذكر الفترة التي عشناها وعايشناها بعد إنتصار الثورة في ميدان القيادة العامة (جمهورية النفق) هي الفترة الوحيدة التي كانت صادقة وستظل عالقة في الوجدان عندها أحسّ الشبان والبنات بأنهم لقد أعادوا دولتهم المسروقة من المستبد هبوا لغسيل الشوارع وطلاء الأرصفة على نفقتهم ورسموا أعظم لوحات جدارية كان من المفترض تكون متحفاً ومزاراً لكن العقلية المستبدة امرت بطمسها السيدة التي دخلت معها الى المدير المستبدّ تعلم جيدا أن معاملتها بيد مدير هذه الدائرة يستطيع أن لا يوافق بتكملة الإجراءات إذا أغضبته ولن يسأله أحد عما يفعل لعدم وجود دولة القانون ولذلك فهي تنافقه لكي لا تخسر حقوقها هذا يدلّ على أن الاستبداد هو ما يجعلنا كذابين ومنافقين وأنانيين وجبناء إذاً النفاق ليس طبيعة في الإنسان السوداني وإنما هو سلوك ناتج عن الاستبداد إذا كنت حرا وأحسست أن هناك قانونا يحميك فلن تنافق السلطة أبدا أما إذا كنت وحدك أمام سلطة قاهرة غاشمة ارادتها هي القانون فسوف تسكت عن الحق أو تنافق. إذاً ماهي أسباب النفاق أو لماذا ننافق ؟ ننافق عندما نخاف من السلطة الغاشمة إذا أغضبتها وعندما نيأس من العدالة . متى نتخلى عن النفاق ؟ نتخلى عن النفاق بمجرد أن نتحرر من الديكتاتورية والإستبداد وتحكم دولة القانون عندئذ نتحرر تلقائيا من الخوف وندافع عن الحق .