أحسست بحزن كبير وقلق على وطني بعد سماعي خطاب الأستاذ محمد مختار الخطيب السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني أمام حشد جماهيري مفتوح بميدان الأهلية بأم درمان مساء أمس الأول. الخطاب أسدل الستار على حكومة الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء الذي حظى بأقوى إجماع وطني منذ استقلال السودان.. حملته الجماهير حملاً على أكتافها ووضعه في المقعد الأول.. ورغم قناعتي بأخطاء كبيرة وقعت فيها الحكومة ولا تزال تسير بلا هدى من خطة أو برنامج ، ورغم أنني كررت هنا في هذا المقام نقدي المستمر لهذه الأخطاء إلا أنني أؤمن تماماً أن سقوط أول حكومة بعد الثورة أمر فادح وخطير للغاية.. ليس من مناص إطلاقاً إلا دعم حمدوك وحكومته بكل قوة حتى يجتاز بالبلاد هذا المضيق الوعر.. صحيح ننتقد الحكومة ولكن ليس لإسقاطها بل لإرغامها على أن تنجح رغم أنف كل الأخطاء.. فليس لنا سوى طريقين لا ثالث لهما.. أما تنجح الحكومة أو تنجح.. النقد العلني من فوق المنابر ليس فيه حرج ولا علة.. بل مطلوب من باب الشفافية وإشراك الشعب في الحكم والقرار.. لكن هناك فرق! فالحزب الشيوعي ليس مجرد لافتة في الشارع السياسي السوداني، هو صانع قرارات ومشارك بالأصالة في الحكم حتى ولو نفض يده.. لأنه شارك بكل بسالة في الثورة فلا يعقل أن ينقلب عليها ليصبح معارضة إسقاط لا معارضة رأي أو نقد.. في تقديري أخطأ الخطيب كثيراً بما قاله في ندوة ميدان الأهلية.. خاصة في الرسائل بالغة الخطورة الموجهة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات.. فللدهشة أنهما الدولتان اللتان لعبتا دوراً مباشراً وسافراً في إسقاط النظام المخلوع، ثم هما الدولتان اللتان – بلا قيد أو شرط – ومن أول دقيقة بعد انتصار الثورة ، ودون أن يطلب منهما السودان شيئاً بادرتا برصد عون اقتصادي حتمي لإنقاذ البلاد من الوقوع في الفوضى.. فقدمتا دعماً بالقمح والوقود والدواء والزيوت والأسمدة بما يزيد عن ثلاثة مليار دولار.. ومعها نصف مليار نقداً في خزائن بنك السودان المركزي لدعم احتياطيه من النقد الأجنبي.. يبدو الأمر محيراً أن ينصب بالغ غضب الحزب الشيوعي على الدول التي ساعدت لا تلك التي تلكأت أو وقفت تنتظر رفات السودان على ضفة النهر الخالد! الذي ربما فات على الأستاذ الخطيب أن رسائله للسعودية والإمارات ستذهب إلى دول أخرى كثيرة، حتى في الغرب، ستعتبر ذلك ميزانا لمدى رشد الساسة في السياسة الخارجية.. وهو الخطأ الفادح ذاته الذي وقع فيه نظام المخلوع البشير عندما بادر من أول يوم في مواجهة وعداء سافر مع الإقليم والعالم أجمع.. كانت معركة كلفت السودان ما لا يقدر ولا يزال يدفع ثمناً فادحاً بوضع اسمه في قائمة الدول الراعية للإرهاب. بكل أسف الخطيب نعى حمدوك!! عثمان ميرغني