(لا ديمقراطية دون أحزاب تؤمن بالديمقراطية وتطبقها على نفسها أولاً) ما هي علاقة الأحزاب بالثورة وبمستقبل السودان ؟ أعتقد اعتقادا جازماً أن الأحزاب السودانية عموماً لعبت الدور الأكبر في تخلف السودان عن ركب الحضارة الإنسانية. إذ ليس هناك حزب واحد، ذو نفوذ، ولاؤه للوطن ، وأقصد بالولاء للوطن أن يكون همه الأول مصلحة السودان والشعب السوداني ، بحيث يُرجّح كفة مصلحة الوطن اذا تعارضت مع مصلحة الحزب. فالأحزاب السودانية ولاؤها إما عقائدي، وهذه تُقدّم مصلحة التنظيم والجماعات التي تحمل نفس الفكر خارج البلاد على مصلحة البلاد، سواء كانت أحزاب إسلامية أو يسارية. وأبرز مثال على ذلك محاولة النظام البائد جمع ودعم كل الإسلاميين ومن حمل فكرهم في العالم والدفع بسخاء للمؤتمرات والإستضافات والسفر والمحاولات الإنقلابية على أنظمة دول أخرى .. وهلم جر. وكل ذلك على حساب الشعب السوداني الذي كان وما زال يعاني الفقر والفاقة. أما الأحزاب الطائفية فمعروف أن ولاءها عقائدي لزعامة الطائفة ولا يمكن أن تقدم مصلحة الوطن على مصلحة الطائفة وزعامتها، ولا تعمل لتعليم القواعد الجماهيرية واستنارتها وتقدم البلاد نحو ديمقراطية حقيقية. وأما الأحزاب والجماعات القبلية والعرقية والجهوية فهذه أيضا ولاؤها لدائرتها الضيقة فوق مصلحة الوطن وربما لا لوم عليها لأنها نشأت من إحساس بالتهميش والظلم ، كما هو الحال بالنسبة للحركات المسلحة. ثم تأتي بعد ذلك أحزاب الفكّة وهذه لا ولاء لها سوى للمصالح الشخصية التي نشأت من أجلها.. وقد يسّرت لها حكومة الفساد والإفساد التبرعم والتكاثر انطلاقاً من مبدأ "فرّق تسُد".. وكل من انشق وصار رئيس حزب حصل على وزارة يعيش من ورائها هو وجماعته. لذلك نجد لدينا الآن عدد من الأحزاب لم تسبقنا عليه دولة في تاريخ العالم إلا دولة العراق التي شارك في انتخاباتها الأخيرة 115 حزباً، وربما تكون أحزاب السودان أكثر ولكني لم أجد إحصائية موثقة. الخلاصة هي أن كل الأحزاب السودانية الحالية لا تخدم قضية الوطن ، وهي في مجملها أحزاب غير ديمقراطية بدليل أن رئيس الحزب يظل رئيساً مدى الحياة. وعليه فإن المُقترح المهم للحكومة الإنتقالية هو أن تصدر قانوناً جديداً لتسجيل الأحزاب لا يسمح بأحزاب تقوم على أسس عقائدية أو طائفية أو جهوية، وانما تقوم على برامج وطنية فقط لتحقيق بناء وتقدم السودان، وأن لا يقل عدد الأعضاء المسجلين للحزب عن مليون مواطن .. وبالطبع لا بد أن يكون للحزب دستور يقوم على أسس ديمقراطية يتم تداول رئاسته وأمانته التنفيذية بالإنتخاب الحر مع فتح المجال للشباب بتحديد دورتين كحد أقصى لرئيس الحزب. كما يجبأن تخضع ميزانية كل حزب للمراجعة القانونية السنوية لتحديد مصادر التمويل وأوجه الصرف. كل هذا يجب أن يكون جزء من استشراف المستقبل بالتعلم من أخطاء الماضي والحاضر مع تحديد وتحليل وتقييم المخاطر بعناية في كل مرحلة. ويجب إفساح المجال للشباب بافكاره الجديدة وابداعاته .. هذه هي الحلقة الأخيرة في سلسلة المقالات ، على أمل المساهمة بسلسلة أخرى أكثر تخصصاً باذن الله. نسأل الله تعالى أن يخرج بلدنا الطيب من عنق الزجاجة الى بر الأمان والإستقرار والتقدم والرخاء .. وأن يرحم شهداءنا ويشفي جرحانا ويعيد المفقودين سالمين غانمين. ——————————————————————————–
* عن الكاتب: د. عيسى محمد عبد اللطيف كبير المستشارين بمؤسسة زايد الدولية للبيئة بدبي منذ 1999 حنتوب الثانوية 1972 // جامعة الخرطوم – كلية العلوم 1977 ماجستير ودكتوراة في علم البيئة جامعة كنساس الأمريكية 1985 أستاذ سابق لعلوم البيئة بجامعة الخرطوم ( 1985 – 1997) رئيس سابق للجمعية السودانية لحماية البيئة (1992 -1997) مؤسس برنامج الدراسات البيئية بجامعة أمدرمان الأهلية (1986) تقييم الأثر البيئي لعدة مشاريع بالجزيرة وسنار والشمالية والبحر الأحمر كبير خبراء برنامج الأممالمتحدة الإنمائي لمشروع تطوير أنظمة الإدارة البيئية ببلدية أبوظبي (1997 – 1998) محرر سلسلة كتاب "عالم البيئة" بمؤسسة زايد التي أصدرت 25 كتاباً حول قضايا البيئة والتنمية المستدامة حتى الآن. أستاذ علوم البيئة واستدامة التنمية المتعاون لبرنامج "ماجستير القانون والبيئة" بأكاديمية شرطة.