يرى محللون أن التعاون العسكري المفاجئ بين مصر والسودان يرتبط وثيقا بأزمة سد النهضة الإثيوبي، في حين يؤكد آخرون أن له أبعادا أخرى ترتبط بمساعي تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان، من جهة، وبرغبة مصر حماية عمقها الاستراتجي في مواجهة التوسع التركي، في ظل استمرار التوتر في أكثر من بقعة في المنطقة. وكانت مصر قد أجرت مناورات عسكرية مع السودان تحت اسم "نسور النيل 1″، تلاها مناورات عسكرية أوسع، بمشاركة عدد من الدول العربية، حملت اسم "سيف العرب". اختتمت في 25 نوفمبر الماضي. ولم يقتصر التعاون المصري-السوداني على المناورات، بل شمل الصناعات العسكرية بين البلدين. فقبل أسبوعين، زار وفد سوداني رفيع المستوى، عددا من شركات الإنتاج الحربي المصرية. هذه التطورات دفعت بعض المراقبين إلى ربط التقارب بين القاهرةوالخرطوم بالخلاف على سد النهضة الإثيوبي، خصوصا بعد انحياز السودان الواضح لموقف مصر ضد ما يوصف ب"التعنت الإثيوبي" في المفاوضات حول أزمة السد. وقد غاب السودان عن اجتماع وزارة الري والموارد المصرية الأخير مع نظيرتها الإثيوبية، في حين أعربت القاهرة عن رغبتها بعودة الخرطوم مرة أخرى إلى طاولة المفاوضات. العميد السابق في الجيش السوداني، الخبير العسكري، ساتي سوركتي، يرى أنه لا يمكن فصل التطورات الأخيرة في ما يخص العلاقات العسكرية بين مصر والسودان عما يحدث في ملف سد النهضة أو النزاع الأهلي في إقليم تيغراي. وقال سوركتي لموقع الحرة إن "توقيت المناورات صاحب تصعيدا في ملف سد النهضة، تمثل في انسحاب السودان، إلى جانب الاقتتال والتصعيد العسكري الحاصل حاليا في إقليم تيغراي الإثيوبي". وكانت الحكومة الفيدرالية الإثيوبية قد أعلنت انتصارها على جبهة تحرير تيغراي المسيطرة على الإقليم، في حين تنفي الأخيرة خسارتها المعارك ضد الجيش الإثيوبي. ومع استمرار النزاع، نزح آلاف الإثيوبيين باتجاه السودان، بحثا عن ملجأ. وتشير تقديرات إلى أن عدد اللاجئين قد بلغ 45 ألف لاجئ، يعيشون في ظروف قاسية في المخيمات. ويضيف سوركتي قوله: "كل من مصر والسودان يرفضان ربط التعاون العسكري الأخير بملف سد النهضة، لكن دائما ما يتعاون الطرفان المصري والسوداني عندما تحل أزمة تخص مصر". "حفظ السلام المتوقع مع إسرائيل" وعلى خلاف سوركتي، يذهب المحلل السوداني يوسف الجلال، إلى أن التعاون العسكري المصري-السوداني، يهدف إلى أمر آخر أبعد من ملف سد النهضة. "المناورات جاءت في إطار تقوية الجيش السوداني، على نحو ما جرى مع الجيش المصري بعد معاهدة كامب ديفيد"، يقول جلال. ويلفت إلى أن وفدا إسرائيليا عسكريا زار منظومة الصناعات الدفاعية في الخرطوم، والتي تعد أحد أعمدة القوة العسكرية في السودان، ما يعني وجود رغبة إقليمية في تقوية الجيش السوداني، بحسب رأيه. ويضيف الكاتب السوداني أن "إسرائيل حريصة على تقوية الجيش السوداني لحراسة الاتفاق المتوقع بين الطرفين، لكن الاتفاق رهن إلغاء الكونغرس لقانون ملاحقة ضحايا الحادي عشر من سبتمبر، للسودان". وتابع الجلال "أن الجيش السوداني سيكون الضامن الحقيقي لاتفاق السلام مع إسرائيل". وفي الشهر الماضي، أعلن السودان عزمه توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، على غرار اتفاق إبراهيم، الذي وقعته كل من الإمارات والبحرين مع إسرائيل برعاية أميركية في 15 سبتمبر الماضي. لكن هذا الاتفاق المرتقب معرض، بسحب صحيفة نيويورك تايمز لخطر الانهيار بعد أقل من شهر على إعلانه من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، لأنه جزء من صفقة تتضمن شطب السودان من قائمة وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب، بالإضافة إلى موافقة الكونغرس على تشريع بحلول نهاية العام من شأنه حماية الخرطوم من الدعاوى القضائية المتعلقة بالإرهاب. "عمق إستراتيجي" ويضع مدير مركز الإنذار المبكر للدراسات الإستراتيجية والأمنية في أبو ظبي، أحمد الباز، المناورات المصرية-السودانية في سياق مساع مصرية لإيجاد حلفاء جدد. ويوضح الباز في حديثه مع الحرة، أن سياسة "تخليق حلفاء جدد" قد دعمت مصر في عدد من الملفات، مثل حلفها مع اليونان في شرق المتوسط أمام تركيا، وحلفها مع الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر أمام التدخل التركي في ليبيا. وتابع الباز "بالنظر إلى التطورات الأخيرة، فإن مصر تتبع نفس الاستراتيجية في عمقها الجنوبي، وهي خلق حليف جديد، خاصة في ظل أزمة سد النهضة". ولفت الباز إلى أن السودان كانت دائما تقف في منطقة رمادية في ما يخص سد النهضة، ولذلك تحاول مصر خلق نقاط اشتراك مع الخرطوم عبر هذه المناورة على الصعيد السياسي. وزراء الخارجية والري فى السودان ومصر وإثيوبيا يستأنفون المفاوضات بشأن سد النهضة موقف السودان بخصوص سد النهضة ظل رماديا إلى وقت قريب، لكن تغير ذلك مؤخرا مع انسحاب الخرطوم من المفاوضات ما رآه البعض انحيازا لموقف القاهرة أما على الصعيد العسكري، فأوضح الباز أن عدم وجودة السودان في الدائرة المصرية، سيجعل العمق الاستراتيجي المصري هشا للغاية في اتجاه الجنوب، خاصة مع وجود تهديدات قائمة في القرن الإفريقي، ممثلة في قاعدة عسكرية تركية في الصومال. وفي وجود حديث عن احتمال تسليم إدارة ملف النهضة للعسكريين. واختتم الباز حديثه مع الحرة قائلا "رغم استبعادي لتسليم ملف النهضة للعسكريين، فإن خروج السودان من دائرة مصر سيجعل حركة القاهرة مشلولة في هذه الملفات". وقد عززت فرضية الحل العسكري في ملف سد النهضة، بعد تصريح للرئيس الأميركي دونالد ترامب أشار فيه إلى وجود نية لدى القاهرة بضرب السد. وكان ترامب قد صرح من مكتبه في البيت الأبيض أمام عدد من الصحافيين في أكتوبر الماضي، "إنه وضع خطير جدا لأن مصر لن تكون قادرة على العيش بهذه الطريقة"، في إشارة إلى موقف القاهرة من ملف سد النهضة. وأضاف "سينتهي بهم الأمر إلى تفجير السد. قلتها وأقولها بصوت عالٍ وواضح: سيُفجّرون هذا السدّ. وعليهم أن يفعلوا شيئا". وتعتمد مصر على نهر النيل في حوالي 97 في المئة من مياه الري ومياه الشرب، وتعتبر السد تهديدا وجوديا. من جهة أخرى، ترى إثيوبيا أن السد ضروري لتزويدها بالكهرباء وتحقيق التنمية. وقد فشلت محاولة واشنطن التوسط في اتفاق لحل أمة السد في وقت سابق من هذا العام، بعدما اتهمت إثيوبيا إدارة ترامب بدعم مصر.