أنا هُنا لأقول أنَّ فصل الجنوب كانَ قراراً صحيحاً مخفوراً بالحكمة .وها هُنا , هذه الورقة , لتقول أنَّ مزيداً من التقسيم وفرز الكيمان رُبَّما كانَ ضرورياً أيضاً ،إذا ما أردنا تفكيك بنية هذا البلد الأمين وإعادة بنائِه على أُسُس الحُرِيَّة والسلام والعدالة ، وفي البال , التجربة الألمانية . في حدود نهاية الحرب العالمية ، مضى النازِيُّون إلى غزو الإتحاد السوفيتي .فما وجدوا الإتحاد السوڤيتي ووجدوا التاريخَ عنده مُشَمِّراً ساعِدَيْه ليضع حجر الأساس لألمانيا اليوم ، الفَتِيَّة كما ترى . انقسمت ألمانيا إلى أربعة دويلات .دويلة محمية بريطانياً في الشمال الغربي ، ودويلة محمية فرنسياّ في منطقة سار في الغرب ، ودويلة محمية أمريكياً في الجنوب ، ودويلة سوڤيتية في المركز .تنازلت ألمانيا عن أراضيها الشرقية لبولندا وبذلك شكَّلَ نهرا أودر ونايسه الحدود الشرقية الجديدة لألمانيا .ثُلْث بروسيا الشرقية انضمَّ إلى أوبلاست كاليلفردسكايا في روسيا . فكانَ ماذا . ? كانَ أنَّهُ وفي العام 1949م ، اتَّحد الجزء الغربي – ما عدا منطقة سار – مُكَوِّناً ألمانيا الغربية .وفي أكتوبر من 1949 نفسها اتَّحد الجزء الشرقي مُكَوِّناً ألمانيا الشرقية .في يناير 1957م أعلنت سار انضمامها لألمانيا الغربية .عند هذه النقطة صارت لدينا ألمانيتان عاشتا ألمانيتين هكذا ثلاث وثلاثين سنة وتسعة أشهر وثلاثة أيَّام .ثُمَّ عند هذه النقطة ،وعقب انتهاء الحرب الباردة ، وتحديداً في 3 أكتوبر 1990م ، تَبَنَّتْ الألمانيتان دستوراً اتَّحدتا بموجبه ، فصارت لدينا ألمانيا اليوم كما ترى . هناك مثل دارفوري يقول : ( أب جنقور في فاشر السلطان ولا عِنْدا راي .). :( .وهذا يعني أنَّ القَوِيَّ ها هُنا آكِلٌ وأنَّ الضعيف مأكول .. إِذَنْ احترس يا صاحبي فأنتَ اليوم ها هُنا في غابة ..وهذا تحديداً هو الضوء الكاشِف المُفْضي لضرورة فصل بنية العقل الرعوية عن الأخرى ذات البنية الحضرية في مجتمعٍ ما ، حيناً من الدهر إلى أن تعودا بأمر التاريخ في الوقت الذي يحدده التاريخ للإتحاد مرةً أخرى والانطلاق سَوِيَّاً من النقطة التي يحددها التاريخ . لا يصبح صباح ، ولا تَظْهِر ظهيرة ، ولا يأتي مساء إلا تشاهد وتسمع أنَّ هناك قتل وسلب ونهب وحرق واغتصابات في دارفور ، في ذات الوقت الذي نادِراً جداً أن يكون هناك مجرمون أو خارجون على القانون أو متهمون في حراسات الشرطة في المنطقة الممتدة شمالاً من دنقلا إلى وادي حلفا .ففي هذه المنطقة بالذات ليسَ هناك شئٌ للشرطة لتفعله ، مع ملاحظة أنَّ هذه المنطقة هي أشد تهميشاً وبُؤساً من دارفور ، بل إنِّي زعيم أنَّها أشدّ بقعة على كوكب الأرض تهميشاً وبُؤساً ،وافتقاراً إلا مما الطبيعة بِهِ جادت عليها نخيلاً ونِيلاً وشعباً جليلاً. وهكذا ، ولذلك فإنَّ هذه الورقة تزعم أنَّ سِكَّة ألمانيا في التطوُّر هي الشريعة التي ينبغي أن يُصَار إليها إذا أردنا فهم تطوُّر القوميات ذات البنى العقلية المختلفة .لقد كانت البلاد في ماضي التاريخ تتألف من إثنية واحِدة من السكان الخاضعين لسيادة حاكم واحِد.ولكن مع تطوُّر البلاد عن طريق الفتوحات والمصاهرات والتجارات صارَ من الممكن أن يسود حاكم البلاد عدة إثنيات مختلفة ، ويدير بنى عقول متباينة .إنَّ التجربة الألمانية برهنت على أنَّ مفهوم القومية الذي نشأَ على أساس فكرة توحيد الشعوب التي يتشارك أفرادُها نفس العرق والدين والثقافة واللغة ، وعلى تأكيد أنَّ جميع الشعوب لها الحق في دولتها الخاصَّة وحكم نفسها بنفسها ، يقود في خاتِمة مطافِه وسِدْرَة مُنْتَهَاه إلى مِثْل ألمانيا اليوم التي ترى .